هادي ... جزء من المشكلة أم جزء من الحل ؟!

[بندرعدن]

هادي ... جزء من المشكلة أم جزء من الحل ؟!


أحمد عمر بن فريد

ساهم وصول الرئيس عبدربه منصور هادي الى عدن قبل اكثر من اسبوع في خلق حالة كبيرة من " الارتباك " في صفوف القوى السياسية الجنوبية الداعية للتحرير والاستقلال من حيث الكيفية المثلى التي يجب التعامل فيها مع الرجل ! .. الأمر الذي اوجد حالة من " الانقسام الحاد " في الصفوف الغير متحده اصلا تجاه الكثير من القضايا الهامة التي يأتي في مقدمتها الاشكالية المستعصية التي تتمثل في عجزنا حتى اللحظة تجاه خلق وعاء سياسي موحد يملك رؤية متكاملة لديها اجابات واضحة ازاء كل طارئ ومستجد يمكن ان يفاجئنا كما حدث في قدوم هادي الى عدن على سبيل المثال !!

وبما أن الحال هكذا فقد كان من الطبيعي جدا أن تتدفق الى اذهاننا الكثير من الاسئلة المحيرة فعلا في هذا الاتجاه , كمثل هل نعتبر الرجل " خصما " لنا ولقضيتنا ام نعتبره " نصيرا " لها ؟.. فان كانت الاجابة ب " نعم " ... فعلى أي اساس ؟ وان كانت الاجابة ب " لا " فماهي الدلالات والمؤشرات التي يمكن اعتمادها للتعامل معه كنصير ؟ .. وهل من المفيد ان نلتقي ونتحاور معه ! أم أن الكتاب واضح وبين من عنوانه كما يقولون وعطفا على مواقفه السابقة .. وهل تغير موقف الرجل عما نعرفه عنه بعد ان " أهين " في صنعاء ام انه لازال يعيش في احلامه وأوهامه الكبيرة المتعلقة ب " اليمن الجديد " ؟ وفي جميع الأحوال .. هل يجب التعامل معه بصفته رئيسا لدولة الاحتلال ؟ أم بصفته شخصية جنوبية من الممكن ان تكون وسيلة مثلى لتحقيق استقلال الجنوب في حال توفر شروط معينه ؟ .. وفي الحقيقة أن الكثير من الاسئلة قيلت وطرحت شفاهة في مجالس الجنوبيين السياسية وفي كتاباتهم ايضا .. وهي اسئلة مستحقة وجديرة الى حد بعيد بالبحث الدقيق عن اجابات شافية تلتقي مع المنطق ولا تتعارض معه وتتسق مع كل الحسابات السياسية ولا تتعارض معها حتى في ابسط حساباتها .

وازاء كل هذه الاسئلة وهذه الحالة الشائكة والمعقدة جدا التي تداخلت فيها الكثير من العوامل المحلية و الاقليمية والدولية فانني – شخصيا – ارى اهمية اجلاء النقاط التالية :

اولا : نعم نتفهم كجنوبيين عدم مقدرة هادي في هذه المرحلة الاعلان صراحة وعلى رؤوس الاشهاد انه مع الجنوب ومع خيار شعب الجنوب ومع استقلال الجنوب .. فليس من الحكمة ان يعلن هذا الموقف او حتى يشير اليه ضمنيا ان كان لديه موقف ! بل ان الحكمة تقتضي منه ان يكون – حاليا – على النقيض من ذلك تماما ! ولكن هذه النقطة على منطقيتها والتي نضعها في كفة الميزان لا يمكنها ان تكون كذلك بالمطلق الا اذا تعادلت تماما مع مايمكن ان تحتويه الكفة الأخرى من الميزان والتي تتركز في القول ان كل ذلك لا يعني عدم وجود " سبل عديدة " يمكن من خلالها لهادي ان يوصل رسالة ايجابية لقوى الحراك الجنوبي تفيد بشكل واضح ودقيق بأنه مع استقلال الجنوب وانه يعمل على ذلك وانه يحتاج المساعدة والدعم والصبر!! .. أما كيفية تحقيق ذلك ؟ فمن وجهة نظري انها مسألة سهلة يمكن ان تتم مع عدد محدود جدا من قيادات الحراك او عن طريق " وسيط موثوق " به مثلا , تكوم مهمته الرئيسية ايصال حقيقة موقف هادي من قضية الجنوب ان طرأ عليه طارئ ايجابي.

ثانيا : في حال عدم تحقق ماورد ( أولا ) سيكون من السذاجة الحديث عن وجود " نية ايجابية " او " امكانية محتملة " لهادي في التعاطي الايجابي مع قضية الجنوب بالشكل الذي نريده نحن في الجنوب ! لأن مصير شعب الجنوب لا يمكن ان يبنى على " احتمالات " أو على " تكهنات " قد تصيب وقد تخطئ ! وليس من منطق السياسي المحنك ناهيك عن " الوطني – المناضل " ان يبني حساباته على احتمالات وتكهنات وعواطف قد تنتهي به الى كوارث حقيقية . مايعني بشكل واضح ودقيق ان التوصل الى حقيقة موقف الرجل بأي وسيلة من الوسائل " الذكية " مسألة ملحة وضرورية وممكنة جدا لقوى الحراك الذي عليها ان تسابق الزمن لحسم هذه النقطة قبل غيرها .

ثالثا : في حال تبدل موقف هادي ايجابيا يمكننا ان ا نقول له .. لقد تصرف الرئيس اليمني السابق / علي عبدالله صالح بدهاء في تعامله مع الحوثيين من حيث قدرته الهائلة على مد خطوط تواصل " آمنه " معهم بقيت لأشهر عديدة مسألة غير أكيده حتى تحولت بعد الى ذلك الى حقيقة تكشفت جوانبها بعد ان انجزت مهامها على اكمل وجه ! فهل يمكن لهادي " في حال " كان موقفه ايجابيا من قضية الجنوب استنساخ تجربة صالح مع الحوثيين ونقلها الى حيز التنفيذ مع " الحراك الجنوبي " ... ان فعل الرجل والذي كان من الممكن له ان يفعل ذلك حتى حينما كان في صنعاء سوف يحقق انقلاب كبير فيما بتنا كجنوبيين نعتقد اننا غير اذكياء فيه .. انه " الدهاء السياسي " .

رابعا : على ابناء الجنوب في هذه المرحلة تحديدا العمل بصورة موحدة تجاه " العودة الى ساحة الحرية " بخور مكسر وحشد كل الطاقات الممكنة التي يمكنها ان تعيد لثورة الجنوب بريقها ووهجها وعنفوانها بعيدا عن التساؤلات المثيرة للجدل فيما يخص موقف هادي , وبما يجعل كل " الفئران الهاربة " التي ستأتي الى عدن من صنعاء او من تركيا تدرك منذ الدقائق الاولى لوصولها الى الجنوب , ان عدن عاصمة دولة الجنوب القادمة , وانها معقل الحراك الجنوبي وقاعدته الرئيسية , وأن لا مكان لهم فيها , وانه لايمكن ان تكون " محطة انطلاق " أو تجمع لقوى شمالية فشلت وخسرت في صنعاء , كما انها لن تكون محطة لصراعات طائفية او اقليمية او بيئة حاضنة لمخططات شيطانية دولية.. انها عدن العاصمة الجنوبية المحتلة والتي تنشد التحرير والاستقلال لدولة مدنية حديثة .

وهي فرصة كبيرة يجب استغلالها لأن اعين وآذان المراقبين والدبلوماسيين العرب والأجانب سوف تكون على مقربة – ولأول مرة – من سماع هدير جماهير الجنوب بالصورة الحقيقية , وستكون فرصة كبيرة للتحدث اليهم مباشرة وتوجيه الدعوات لهم للحضور والمشاهدة .. فمن يشاهد بأم عينه ويسمع باذنيه ليس كمن يشاهد صور ثابته او حتى متحركة .

خامسا : على الرئيس هادي ان يستحضر بالتفصيل الدقيق تجربة الرئيس / علي سالم البيض من حيث انه اراد دولة ل " يمن جديد " حينما اتى الى صنعاء بمشروع الوحدة عام 1990 م ولكن صنعاء لم تسمح له بذلك ! ومن حيث انه هو اي هادي اراد " يمن جديد " عام 2014 م ولم يسمح له ايضا بذلك فكان ان اقصي من منصبه الحزبي من قبل صالح في حين اقصي من منصبه في الدولة من قبل الحوثي ! .. كما ان على هادي ان يفهم ان من يعول عليهم كحلفاء له من الشماليين اليوم ! كانوا بالأمس القريب جدا يلعنونه في صحفهم قبل ان يتوفدوا اليوم الى عدن من أنقره مستبشرين بهروبه من قبضة الحوثيين .. وهنا يعيد التاريخ كرته مرة خرى لهادي في صورة متطابقة كانت قد حدثت للرئيس البيض عام 1994 م .. فهل من عقل يستوعب الاحداث ويضعها في نصابها ؟ .. نتمنى ذلك .

سادسا : الكل يعلم ان " طهران " قد وضعت اقدامها اليوم في اليمن , وان طائراتها التي تتوافد تباعا الى صنعاء لن تتوقف ابدا .. وان الاقدام الايرانية التي وجدت لها موطئ فسيح في هذا الموقع الاستراتيجي الهام جدا سيكون من العسير جدا ان تتنازل عنه لأحد " ايا كان " هذا الأحد ..!! كما ان " الغرب " لن يضيره ابدا ان تتحكم طهران في كل المنطقة اذا ما توصلت معها الى اتفاق بشأن مشروعها النووي , هذا من جهة ومن جهة اخرى وبعيدا عن النفوذ الايراني .. فان اليمن الموحد لا يمكن ان يترك مساحة لأي جنوبي ان يحكم فيه لا بمنطق التاريخ ولا بحسابات السياسة وادواتها الحديثة كمثل الانتخابات او ما شابهها ... وهنا علينا وعلى هادي ان يدرك ان الفرصة " لن تتكرر " .. وله ان يختار اما ان يكون زعيم تاريخي للجنوب , أو عميل للاحتلال اليمني ومشرعن له بكل الوسائل والطرق .. في حين ان الجنوبيين لن تستطيع اي قوة على وجه الأرض أن تكسر ارادتهم او توقف مسيرتهم لنيل حقهم المشروع .. لأنهم يدافعون عن ارضهم ووطنهم وهويتهم .. والتاريخ يحكي ان ما من أمة في الأرض الا وانتصرت على الغزاة عاجلا او آجلا .