القرآن الكريم - الرئيسية - الناشر - دستور المنتدى - صبر للدراسات - صبر نيوز - صبرالقديم - صبرفي اليوتيوب - سجل الزوار - من نحن - الاتصال بنا - دليل المواقع - قناة عدن
عاجل |
الجزيرة مباشر | الجزيرة | العربية | روسيا اليوم | بي بي سي | الحرة | فرانس 24 | المياديين | العالم | سكاي نيوز | عدن لايف |
آخر المواضيع |
#1
|
|||
|
|||
اليمن الجنوبي (سابقا) : سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً ـ في كتاب
هذا الكتاب صدر باللغة الإنجليزية قُبيل استقلال اليمن الجنوبي و هو يمثل وثيقة تاريخية هامة للغاية ، و على الرغم من مضي عقود على تلك الأحداث التي يستعرضها الكتاب ، إلا أننا نرى مشاهدها تتكرر اليوم في عدة أجزاء من الوطن العربي ...! لذلك انشر لكم هنا أجزاء من ذلك الكتاب ، و بالتحديد ( المُلحق ) الذي يستعرض الأحداث التي سبقت استقلال اليمن الجنوبي ، عسى أن ينال اهتمامكم بالنقد و النقاش الجاد و الهادف . أخوكم / أبو ملاك
الكتاب بعنوان : (( اليمن الجنوبي )) سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً المؤلف : الدكتور / محمد عمر الحبشي ترجمة : الدكتور الياس فرح الدكتور خليل احمد خليل كلمة الناشر : هذا الكتاب ( اليمن الجنوبي : سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً ) هو الأول من نوعه ، و هو يلقي أضواء كاشفة على جميع نواحي الحياة في هذه الجمهورية الجديدة التي قامت حديثاً . و لا يمتاز هذا الكتاب بوفرة معلوماته فحسب ، بل يمتاز أيضا بدقة المعلومات و شمولها . إنه كتاب هام عن منطقة عربية بدأت تحتل دوراً هاماً في الحياة السياسية العربية . دار الطليعة للطباعة و النشر بيروت آذار ( مارس ) 1968م ....................... ( مُلحق ) الأحداث السياسية في فترة 1965 ـ 1967 م إن ميزة هذه الفترة الأكثر بروزاً هي بدون شك الاتساع الذي أخذته الحركة الوطنية للتحرر مُعرِضة بذلك سياسة المملكة المتحدة في اليمن الجنوبي للفشل و مُبعدة قادة الاتحاد التقليديين . و قد آل النظام القائم إلى الزوال دون أدنى أسف . 1 ـ مؤتمر لندن في شهر ( أغسطس ) 1965 م . في محاولة أخيرة لإنقاذ البناء الذي شُيد سنة 1959 من قبل المحافظين ، دعا العماليون في شهر أغسطس 1965 إلى عقد مؤتمر جديد في لندن ، اشترك فيه بالإضافة إلى البريطانيين و الزعماء التقليديين ، ممثلون عن حكومة عدن و سلطنات حضرموت و قادة حزب الشعب الاشتراكي و رابطة الجنوب العربي . و كان الاجتماع يرمي إلى البحث عن الوسائل التي يمكن بواسطتها التقريب بين مواقف الأحزاب و الفئات المتنازعة محلياً بقصد تشكيل ( حكومة اتحاد وطني ) كانت المملكة المتحدة تنوي تسليمها السلطة في وقت لاحق . و كان قد ظهر على الفور أن الخلافات كانت بالغة العمق و أن المواقف متباعدة جداً حتى يكون ثمة أمل بالتوصل إلى حل تقبله كل الأطراف . كان العماليون و أصدقائهم يريدون في الحقيقة أن يبقى النظام الاتحادي كما هو بينما كان ممثلو المعارضة يطالبون بإصلاحات دستورية تتعارض مع مصالح الطرف الأول . و نظراً لعدم التمكن من إيجاد مجال للتفاهم لم يكن على الحكومة البريطانية إلا أن تتقبل مرة أخرى فشل مجهودها . و في عدن ، دخلت الأزمة التي تعيش منذ عدة سنوات ، في مرحلة جديدة من التوتر ؛ فالحكومة العدنية التي كان يرأسها في تلك الفترة عبد القوي مكاوي ، عرفت تحولاً وطنياً واضحاً و رفضت مراعاة الاغتياظات البريطانية التي سببها الإرهاب . و بالرغم من شكوى علنية تقدم بها المندوب السامي ، أمتنع المكاوي عن إدانة الهجمات و الاعتداءات المرتكبة ضد الرعايا البريطانيين و بالأخص اغتيال رئيس المجلس التشريعي . منذ ذلك الحين كانت أيام وزارة مكاوي معدودة . فبالاتفاق الضمني مع لندن أتخذ المندوب السامي في شهر سبتمبر 1965 القرار الخطير القاضي بتعليق دستور عدن ، و بتنحية حكومة مكاوي . كان ذلك الأمر نهاية حقبة و بداية عهد جديد ستكون ميزته الأساسية التقدم المظفر للقوى الوطنية . 2 ـ نشأة جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل Flosy : بالرغم من المقدرة على المقاومة بالقوة ، كان عبد القوي مكاوي و قادة حزب الشعب الاشتراكي لا يزالون يتحاشون اللجوء إلى القوة . في الحقيقة كانوا يحتفظون بأمل جر لندن إلى التعقل و الحكمة عن طريق الضغط و العمل السياسيين بالضبط . و لهذه الغاية ، جزئياً ، تم إنشاء منظمة التحرير سنة 1965 . و أما السبب الخفي الذي أدى إلى إنشاء هذه المنظمة ثم إلى إنشاء ( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ) فقد كان ، مع ذلك ، رغبة قادة حزب الشعب الاشتراكي في إنقاذ الجامعة النقابية ( المؤتمر العمالي العدني ) التي قوضتها جدياً ( الجبهة القومية للتحرير ) التي توصلت سنة 1965 إلى كسب ست نقابات من أقوى نقابات المنطقة إلى جانبها . كانت منظمة التحرير تطمح منذ البدء إلى تجميع كل أحزاب المعارضة في داخلها . و قد نجحت في ذلك نجاحاً واسعاً في الظاهر على الأقل ، لان هذه الأحزاب ، باستثناء رابطة الجنوب العربي ، قد أُعجبت بضرورة التجمع و الانضواء ، حتى بضرورة الانصهار في منظمة واحدة تدعى من الآن فصاعداً ( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ) . كذلك وافقت رابطة الجنوب العربي على مبدأ الاتحاد لكنها رفضت أن تنحل في جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل . إلا أن الحدث الأكثر أهمية و بروزاً كان دخول ( الجبهة القومية للتحرير ) في المنظمة الجديدة . و حسب أقوال بعض المراقبين ، يمكن أن يكون الدخول قد فرضه عليها مع ذلك بعض زعمائها الذين كانوا قرروا ، بمبادرتهم الخاصة ، إلزام ( الجبهة القومية للتحرير ) بدون استشارة قيادتها العليا . كذلك لم يكن هذا السراب من التعليل مقبولاً تماماً . فلم تلبث المنازعات أن ظهرت بجلاء . كان قادة منظمة التحرير السابقة المتمرسين في العمليات السياسية و الميالين قليلاً إلى النضال المسلح الذي كانت ( الجبهة القومية للتحرير ) تقوده منذ اكتوبر1965 ، يريدون أن يكونوا رجال سياسة قبل كل شيء ، بينما كان قادة ( الجبهة القومية للتحرير ) يعتبرون أنفسهم كرجال فعل و عمل . هكذا كان مفهوم العمل الثوري الذي ينبغي الشروع به لتحرير البلد من النير الاستعماري يختلف كلياً من جماعة لأخرى . في البداية كان القادة الوطنيون يبذلون جهودهم للهيمنة على الخلافات نظراً لما تقتضيه الأحوال . غير أن اختيارات و أمزجة مختلف الأطراف المعنية كانت متعارضة لدرجة أن التحالف العدني كان يعاني بشدة يقول زعماء ( الجبهة القومية للتحرير ) أنهم كانوا ينوون ليس فقط تحرير البلد و إنما تصفية الماضي أيضاً ، بينما كان زعماء ( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ) يعطون الأولوية ، على ما يبدو ، للتحرير السياسي . بعبارة أخرى ، كانت الخلافات تدور حول السياسة التي ينبغي نهجها ، بعد طرد الاستعمار و الرجعية أكثر مما كانت تدور حول نضال التحرير بمعناه الحقيقي . و تبدو هذه الخلافات كأنها تعبر دوماً عن الفرق الذي يفصل زعماء المنظمتين الوطنيتين المتنازعتين . لكل هذه الأسباب فسخ التحالف الذي جرى في 13 يناير 1966 في ديسمبر من السنة ذاتها . استعادت ( الجبهة القومية للتحرير ) حرية عملها و كثفت نشاطها العسكري في مناطق البلد الداخلية و الأعمال الإرهابية في المراكز الحضرية . و في نفس الوقت قوت و وطدت أوضاعها في الجيش و الشرطة و النقابات و في صفوف المثقفين الشبان ، و ازداد تأصلها في الأرياف . و مع تبني هذا الخط القاسي عرفت الحركة الثورية تحولاً حاسماً . أما ( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ) فقد أناطت نفسها بقيادة عسكرية مستقلة ( المنظمة الشعبية ) عهد اليها برعاية النضال المسلح ، و بمكتب سياسي يقع العمل السياسي على عاتقه . و قد ضاعفت مجهودها على الصعيد الداخلي و بذلت نشاطاً دبلوماسياً واسع النطاق في الخارج و بالأخص في هيئة الأمم المتحدة . 3 ـ بعثة هيئة الأمم المتحدة كانت مشكلة اليمن الجنوبي ، منذ عدة سنوات ، تطرح بانتظام أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة . و قد بحثتها الجمعية العامة مرة أخرى في دورتها السنوية لعام 1966 . و في نهاية تلك المناقشات ، صوتت الجمعية العامة على قرار يطلب من الأمانة العامة إرسال بعثة خاصة إلى عدن لدرس رغبات السكان و للتشاور حول إجراءات حصول البلد على الاستقلال . و وعدت المملكة المتحدة بالتعاون مع البعثة . و في شهر مارس 1967 ، توقف أعضاء البعثة الثلاثة ، و هم في طريقهم إلى عدن ، في لندن و القاهرة و جدة للاتصال بالسلطات الرسمية و بممثلي المعارضة . استقبلتهم القاهرة استقبالاً بارداً . و كانت ( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ) و ( الجبهة القومية ) تتهمان البعثة علناً بأنها تلعب لعبة الاستعمار و الرجعية و قررتا تجاهل وجودها في عدن . و لدى وصولها إلى منطقة عدن قامت الجبهتان بموجة اضرابات و مظاهرات و صعّدتا الأعمال الإرهابية ضد الجيوش الإنجليزية حتى تظهر للبعثة عداء السكان لها و تبرهنا لها على قوتهما . من جهة أخرى كانت ( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ) تطالب ، قبل البدء بأية محادثات ، باعتراف البعثة بها كممثل وحيد لشعب اليمن الجنوبي . و أما ( الجبهة القومية ) التي لم تكن تنعت نفسها بتفرد كهذا ، فقد قاطعت البعثة و رفضت كل مزاعم ( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ) . و خلال الإقامة القصيرة لممثلي هيئة الأمم المتحدة في عدن ، كان خط قيادتها فطناً حقاً و لكنه صارم . أخيرا لم تكن رابطة الجنوب العربي ، التي كان موقفها مشبوهاً و ضعيفاً منذ تفجير القنابل في حضرموت ، في وضع يسمح لها بمجابهة التيار المعادي للبعثة و حتى بالإعراب عن وجهات نظرها لأعضاء البعثة . و بكل وضوح ، تجاوزتها الأحداث تجاوزاً كاملاً . من الجانب البريطاني بذلت سلطات عدن كل ما في وسعها لعزل ممثلي هيئة الأمم المتحدة ، بقصد إفشال مهمتهم . و كان التكتيك المتبع يقوم على جعل المنظمة الدولية تعترف بعدم مقدرتها على حل المشكلة و على جرها للاعتراف بشرعية النظام الاتحادي . و مع ذلك لم تخف نوايا هذا التكتيك على أعضاء البعثة و لا على الوطنيين . فأماط أعضاء البعثة و الوطنيون اللثام ، بنجاح ، عن مؤامرة السلطات الاستعمارية . و بالتالي ، تنبهت البعثة بسرعة إلى أن وعود حكومة لندن و نواياها الحسنة كانت كاذبة . و أعطي لها الدليل على ذلك عندما قامت السلطات الاتحادية ، الخاضعة مع ذلك للمندوب السامي ، بمنع رئيس البعثة من الظهور على شاشة التلفزيون ليتحدث إلى السكان و إلى ممثليهم الفعليين ، و منع قراره و بيانه بحجة أنه تجاهل الحكومة الاتحادية . عندئذ قام بمسعى آخر لدى المندوب السامي للأذن للبعثة بذلك ، غير أن هذا الأخير رفض أن يتدخل . فأنذرته البعثة بنتائج رفضه غير أن الإنذار لم يؤخذ بعين الاعتبار . و لم يكن أمامها آنذاك إلا أن تغادر عدن . و قد أثار سفرها المفاجئ ضجة كبيرة في العالم . و قد ضايقت الفضيحة حكومة ويلسون التي وجدت في شخص المندوب السامي المسؤول كبش محرقة ممتازاً . و مع ذلك فهو لم يقم إلا بتنفيذ الأوامر التي تلقاها . و هكذا تمكنت الوزارة من إنقاذ ماء وجهها . كان يظن في البداية أن لندن تتظاهر بالرد لتغرر بالرأي العام البريطاني و العالمي فقط ، في الحقيقة كانت عازمة فعلاً على وضع حد نهائي لمشكلة اليمن الجنوبي . ..... يتبع ..... |
#2
|
|||
|
|||
4 ـ سياسة لندن منذ سفر البعثة المفاجئ .
في شهر أبريل سنة 1967 ، قامت لندن بتعيين اللورد شاكلتون ليتفحص الوضع عن كثب ، و في شهر مايو تم تعيين مندوب سامي جديد ليقوم بتنفيذ التوجيهات المعطاة له . و المندوب السامي السير هامفري تريفليان هو دبلوماسي محترف يعرف العالم العربي معرفة جيدة . مشاهداً فشل سياسة حكومته ، أوصى المبعوث الخاص بتزايد و اضطراد المسار الاستقلالي ، نظراً لان قاعدة عدن لم تعد لها أهمية بالنسبة لإنجلترا منذ أن تقرر الجلاء عنها في شهر فبراير 1967 . و أسرعت لندن في تبني توصيات الوزير المكلف و أعطيت الأوامر للسير هامفري تريفليان لوضع حد ، في أسرع وقت ممكن و بكل الوسائل ، للوجود البريطاني في اليمن الجنوبي . و أول قرار جرى اتخاذه كان تحديد تاريخ استقلال البلد . و قد تم اختيار التاسع من يناير 1967 كيوم حصول اليمن الجنوبي على السيادة الدولية . من الآن فصاعداً ، ستمضي الأحداث السياسية في الاضطراد على وتيرة غير معتادة . فقد تفكك النظام الاتحادي على أثر تمرد 20 يونيو 1967 . و كمحاولة أولى ، أشار المندوب السامي على المجلس الاتحادي الأعلى أن يعين حسين بيومي ، وزير الإعلام ، لتشكيل حكومة جديدة ينبغي عليها أن تظم عناصر يتقبلها الوطنيون . و كانت مهمة كذلك معرضة للفشل مسبقاً لأنه لم يكن من الوارد أن يؤيد الوطنيون حكومة تترأسها شخصية من النظام الاتحادي . و من جهة أخرى ، عندما قدم بيومي لائحته ، رفضها المجلس الأعلى دونما تردد لأنها كانت تظم شخصيات جامحة لا يوافق عليها حتى الزعماء التقليديين دون أن نتحدث عن موافقة المنظمات الوطنية عليها . و للنطق بالحقيقة ، لم يكن رفض التشكيلة في الواقع سوى السبب الظاهري لفشل مهمة بيومي ، كان السبب الحقيقي هو الاقتراح الذي قدمه بيومي مع موافقة البريطانيين إلى سلاطين لحج و الفضلي و الدول و الإمارات الأكثر اقتراباً من عدن . لقد اقترح عليهم ، في الحقيقة ، إنشاء دولة موحدة تضم بالإضافة إلى عدن ، سلطنتي العوذلي و الفضلي . و ليجعل مشروعه جذاباً أكثر ، أعلمهم أن الحكومة البريطانية كانت مستعدة للاعتراف بالدولة الجديدة و لإناطتها بمساعدة مالية و عسكرية . بعبارات أخرى ، طلب منهم أن يعلنوا انسحاب إماراتهم من الاتحاد ، و ضمن لهم دعم المملكة المتحدة سياسياً و مالياً . و عندما أطلع القادة الآخرون في الاتحاد على هذه المؤامرة الموجهة ضدهم ألغوا تكليف بيومي و شهّروا به علناً . إلا أن إجهاض هذا المشروع ذي الإيحاء البريطاني ورطهم . و أتاح وصول بعثة الأمم المتحدة إلى جنيف في شهر أغسطس فرصة ممتازة أمام المندوب السامي ليتخلص بصورة نهائية من الزعماء التقليديين المضايقين . و بناء على طلبه سافرت أكثريتهم إلى سويسرا لمقابلة أعضاء البعثة . و بعد أن استمعت البعثة إليهم سافرت إلى بيروت و القاهرة على أمل التمكن من رؤية ممثلي ( الجبهة القومية للتحرير ) و ( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ) . و وافقت الأخيرة التي بدأت تظهر دلائل ضعفها ، على مقابلة البعثة بينما أنكرت ( الجبهة القومية ) حق البعثة في مناقشة مشكلة اليمن الجنوبي . عندئذ توجب على البعثة أن تعود إلى نيويورك لتقدم تقريرها إلى الأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة . و في البلد ، سلكت الأحداث منحى دراماتيكياً . ففي عدن تدهور الوضع بسرعة و بدأت ( الجبهة القومية ) في داخل البلد بزحفها على الإمارات . و في آخر لحظة أستنفر المجلس الأعلى الجيش لإنقاذ الاتحاد من الفوضى ، فرفض الجيش أن يتدخل و رد بجفاء طلب رئيس المجلس الأعلى الذي طلب منه ، أن يتسلم السلطة بلا شرط و لا استثناء . و لم يلبث النظام الاتحادي أن سقط تاركاً وراءه فراغاً كاملاً و مطبقاً . و علمت الحكومة البريطانية بهزيمة السلطة الاتحادية فتوجب عليها أن تعترف رسمياً في بيان مهم ، بالقوى الوطنية كالممثل الوحيد لشعب اليمن الجنوبي . و في نفس الوقت دعا المندوب السامي الزعماء الوطنيين إلى التباحث حول شروط تسلم السلطة . و حسب مصادر مطلعة بوجه عام ، نبههم إلى أنهم إذا لم يعزموا على إجراء المباحثات المطلوبة خلال شهرين من 3 سبتمبر إلى 3 نوفمبر 1967 ، فان حكومته ستتخذ الإجراءات اللازمة . إلا أنهم منحوا مهلة أسبوع للتفكير قبل أن تتخذ تلك الإجراءات . و تعني لندن ، على ما يبدو ، بالقوى الوطنية الجبهة القومية للتحرير و جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل . و أما نداء المندوب السامي فقد اعتبر بوجه عام موجهاً لزعماء المنظمتين . و في كل حال ستحاول كل منظمة من الآن فصاعداً أن تقوي وضعها محلياً على حساب المنظمة الأخرى في اغلب الأحيان ، بقصد التباحث انطلاقاً من وضع قوي . و في هذا السباق مع الزمن ، توصلت ( الجبهة القومية للتحرير ) التي سبقت جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل منذ شهر يوليو في وقت قياسي إلى نشر نفوذها على معظم دول الإمارات في الاتحاد و كذلك على حضرموت . و استجابة لرضا السلطات الاستعمارية و العسكرية البريطانية ، أدى هذا التسابق إلى اصطدامات دموية بالأخص في لحج و دار سعد و الشيخ عثمان التي صارت أخيرا تحت إشراف الجيش العربي . نُصّب الجيش بادئ ذي بدء حكماً بالرغم عنه ، ثم ظهر كقوة ثالثة . و هكذا تم دخوله إلى المسرح السياسي ، الأمر الذي يعرضه لمخاطر الانقسام و يجعل منه هدفاً سهل المنال من قبل هجومات و انتقادات الفئات الأولى و الفئات الأخرى . كانوا يقولون أنه كان من الأفضل أن يظل الجيش بعيدا عن المشاحنات السياسية و الصراعات التحيزية . و لكن هل كان للجيش أن يختار في الواقع ؟ و في اختلاطها ، سارعت السلطات البريطانية في إخلاء المدن و القرى التي جلت عنها جيوشها ، أمام الجيش الوطني . و كان على الجيش عندئذ أن يعمل على استتباب الأمن في هذه المراكز المعرضة كثيرا للإرهاب و الرعب . و كيف كان يمكنه رفض القيام بهذه المسؤولية الأولية . فبانتظار عقد المصالحة الوطنية ، كان الجيش وحدة ، في الحقيقة ، في وضع يسمح له بمواجهة المشاكل التي كان يطرحها استتباب الأمن . و كان الوطنيون ، مع وعيهم لخطورة وضعهم ، لا يبحثون من جهة أخرى عن التعارض معه حتى يتجنبوا إراقة الدماء و يوفروا على المواطنين آلاما إضافية لا تجدي . ..... يتبع ..... |
#3
|
|||
|
|||
--------------------------------------------------------------------------------
5 ـ صعود الجبهة القومية للتحرير Nlf تأسست الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل في 14 أكتوبر 1963 ، و كانت المحرك الحقيقي للتمرد المسلح في قبائل ردفان و لإحداث الثورة بوجه عام . و حتى نشأة ( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ) كانت ( الجبهة القومية للتحرير ) تتمتع بدعم الجمهورية العربية المتحدة التي كانت تقدم لها مساعدة مادية لا تُقدّر . و منذ ذلك الحين سيتجه تأييد الجمهورية العربية المتحدة إلى جانب ( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ) وحدها . و أخذت ( الجبهة القومية للتحرير ) تبتعد قليلاً عن القاهرة غير أنها حرصت على عدم قطع علاقتها مع مصر و على عدم مهاجمتها . و أدى تبدل التحالفات إلى إضعاف وضعية ( الجبهة القومية للتحرير ) بالأخص في الخارج حيث يتمتع خصمها بشهرة واسعة . مع ذلك ، عرفت ( الجبهة القومية للتحرير ) أن تعوض عن هذه الخسارة بتقوية وضعها في الداخل . و منذ عام 1965 ، نجحت في التغلغل في الحركة النقابية و في الجيش . و يعود صعودها إلى هذه السنة بالضبط . و حتى عام 1966 كان تقدمها بطيئاً و لكنه متواصل . غير أن عام 1967 كان حاسماً . فتمرد الجنود و الشرطة الذي حدث في 20 يونيو 1967 و الذي جعل ( الجبهة القومية للتحرير ) و جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل تسيطران على مدينة كريتر طيلة أسبوعين تقريباً ، قوى مجدداً نفوذ ( الجبهة القومية للتحرير ) . غير أن إخلاء العائلات المسيطرة ، فجأة عن اقطاعاتها منذ شهر أغسطس هو الذي فرض ( الجبهة القومية للتحرير ) بصفة نهائية و جعل منها المتباحث الأكثر قوة مع الحكومة البريطانية . كما كان ينتظر ، أثار صعود ( الجبهة القومية للتحرير ) المفاجئ الصاعق تعليقات و توقعات مغرضة لا تعد . فقد اشتبه أولاً بالجبهة القومية للتحرير ، ثم اتهمت علناً بالتعاون و بالتآمر مع السلطات الاستعمارية . و كانت هذه الحملة ترمي إلى التشكيك بالجبهة القومية للتحرير أمام السكان و العالم العربي و إلى إذكاء الحرب الأهلية ؛ و هكذا ألقت زيتاً على النار . و في الحقيقة يمكن تفسير سقوط الأنظمة الإقطاعية و اعتباراً من ذلك التقدم المظفر الذي أحرزته ( الجبهة القومية للتحرير ) في داخل البلد بالأمور التالية : ( أ ) ـ عندما قرر البريطانيون سحب جيوشهم من داخل البلد في بداية عام 1967 ، حكموا بالموت الأكيد على أنظمة الأمراء . فقد تخلى عن الأمراء أصدقاؤهم الإنكليز كما تخلت عنهم قبائلهم الخاصة بهم . هكذا سقطت إماراتهم كأوراق الخريف بلا قتال تقريباً . ( ب ) و أما رفض الجيش الاتحادي إغاثة الأنظمة الأميرية المهلهلة ، فلم يكن أمرا مفاجئاً لان وضع الأمراء و الشيوخ كان قد أصبح غير مقبول و لان قسماً كبيراً من الضباط كان يعطف على الحركة الوطنية . ( ج ) ـ أخيراً ، ثمة حدث مهم يستحق الذكر هنا . و المقصود بذلك هو التنظيم المرموق في ( الجبهة القومية للتحرير ) و تأصلها الصلد في الأرياف . إن فعالية و نفاذ جهازها هي التي كونت و لا تزال تكون قوة الجبهة . و هكذا ، فمن جلي الأمور هو أننا لا نستطيع أن نتجاهل هنا الإشراف شبه الفعلي الذي تمارسه ( الجبهة القومية للتحرير ) على القسم الأعظم من اليمن الجنوبي . بفضل هذا الإشراف ، خضع البلد ، لأول مرة في التاريخ ، لسلطة واحدة . |
#4
|
|||
|
|||
6 ـ تأثير النكسة العربية في حزيران 1967 على تطور الوضع في اليمن الجنوبي .
إن مؤتمر القمة العربي الذي عقد في الخرطوم في شهر أغسطس 1967 قد كرس انتصار الاعتدال العربي ؛ و كان المؤتمر أحدى النتائج لنكسة حزيران التي ضربت الحركة التقدمية في الشرق الأوسط . و قد تضررت الجمهورية العربية المتحدة تضرراً خطيراً من العدوان الإسرائيلي فأصبحت مجبرة على التعاون مع الأنظمة المعتدلة ، و مقابل المساعدة المالية من العربية السعودية و الكويت و ليبيا توجب عليها أن تنسحب من جهات متعددة . و من بين الدلائل الكبرى لهذا الانسحاب ، لن نذكر هنا سوى بالدلائل المتعلقة مباشرة بالجنوب العربي . فمن جهة انسحاب القوات المصرية اللا مشروط تقريباً من اليمن ( اتفاق جمال عبد الناصر ـ و فيصل ) و من جهة أخرى المجهود الذي تبذله جامعة الدول العربية في سبيل المصالحة الوطنية في اليمن الجنوبي . إن نهاية الوجود العسكري المصري و محاولة التنظيم العربية كان لهما نتائج تتعارض مع أوضاع القوى الوطنية في الجنوب اليمني . ( أ ) المجهود الذي بذلته الجامعة العربية في سبيل المصالحة : تحت ضغوطات مجتمعة من جانب الجمهورية العربية المتحدة و العربية السعودية ،عينت الجامعة العربية في سبتمبر 1967 ، لجنة خاصة مؤلفة من خمسة أعضاء مهمتها درس الوسائل لتحقيق الوحدة الوطنية في اليمن الجنوبي . و أخذت اللجنة الوطنية على عاتقها الاستماع لكل الأحزاب و الفئات بما في ذلك الأمراء المخلوعين ، و العمل بغية تشكيل حكومة اتحاد وطني . و بالطبع كانت العناصر المعتدلة و التقليدية التي تحميها العربية السعودية و التي كانت تقدم لها الجامعة العربية آخر خط في البقاء ، هي أول من سافر إلى القاهرة . و اتخذت ( جبهة تحرير جنوب اليمن ) موقفاً تصالحياُ و وافقت على الاشتراك في محادثات اللجنة الخاصة . و أما الجبهة القومية للتحرير فقد رفضت بتاتاً توسط الجامعة العربية الذي اعتبرته ، بحق ، مؤامرة موجهة لحرمانها من النصر . بالإضافة إلى ذلك فقد كانت مستعدة كحد أقصى لمقابلة زعماء جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ، و لهذا السبب لم تحقق أعمال اللجنة الخاصة أدنى تقدم . ومن جهة أخرى أدى فتح باب المحادثات بين جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل و بين الجبهة القومية للتحرير إلى وقف تلك الأعمال . ( ب ) أفول نجم جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل : كانت جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل قد بدأت تفقد سرعتها و تطورها منذ يونيو 1967 ؛ فضعف الجمهورية العربية المتحدة الناجم عن الحرب العربية الإسرائيلية و التقدم الهام الذي حققته الجبهة القومية للتحرير في داخل البلد ، وجها لجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ضربة قاسية ، و عبثاً حاولت جبهة التحرير أن تستعيد توازنها لأن الأوان قد فات . في الحقيقة كانت جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل تبحث عن الاستيلاء على الدول الأميرية غير المتحررة بعد . فاصطدمت بالجبهة القومية للتحرير في إمارات الضالع و لحج و توصلت فقط إلى نشر نفوذها على بعض القبائل العوذلية . و في سلطنتي الواحدي و الكثيري أعلنت العناصر التقليدية حتى تكون في مأمن من هجمات الجبهة القومية للتحرير ، انتمائها إلى جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل دون أن تكون مع ذلك من الأنصار المقتنعين بهذه الأخيرة . و حصلت الاصطدامات الخطيرة في عدن و بالأخص في القرى و الضواحي . سقطت عدن الصغرى في أيدي الجبهة القومية و المنصورة تحت إشراف جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل بينما كان الشيخ عثمان عرضة لتقسيم حقيقي بين المنظمتين . سببت هذه الاصطدامات الحزن المبرح العام و استاءت منها كل قطاعات السكان بالإجماع . و شرع رجال الدين و العسكريون بمساعي عديدة لدى الزعماء الوطنيين و الرئيس جمال عبد الناصر لوقف التصادم الأخوي القاتل . و في هذه الظروف المأساوية وافقت المنظمتان على إجراء محادثات فيما بينهما . 7 ـ محادثات القاهرة : بعد أن فشلت جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ( جبهة التحرير ) في تصحيح الوضع لصالحها ، توجب عليها أن تلين مواقفها السابقة . فقد انقطعت عن اعتبار نفسها الممثل الوحيد لشعب اليمن الجنوبي و تخلت عن مشروعها الرامي إلى تشكيل حكومة في المنفى . و عدا عن ذلك ، ظهرت موافقة على بعثة هيئة الأمم المتحدة و على اللجنة الخاصة الموفدة من قبل الجامعة العربية . باختصار ، أعطت عدة دلائل على ضعفها . إلا انه ظل بيدها عدد لا ينكر من المقومات أهمها : جهازها العسكري و نفوذها في عدن و تأييد الجمهورية العربية المتحدة و العطف الدولي من جهة أخرى . و هكذا كانت أوضاع الجبهتين غير متعادلة عشية بدء المحادثات في القاهرة . كان ميزان القوى يميل بكل وضوح لصالح الجبهة القومية للتحرير . أن حالة الدونية هذه التي كانت فيها جبهة التحرير ستضغط بثقل على المحادثات . ( أ ) ـ بدء المباحثات . بدأت المباحثات في أول أكتوبر بحضور عبد القوي مكاوي و قحطان الشعبي الأول رئيس وفد جبهة التحرير و الثاني رئيس وفد الجبهة القومية . و كانت النقاط التي ينبغي على الموفدين مناقشتها تدور حول : ـ تشكيل حكومة مؤقتة ، ـ وضع دستور مؤقت أيضاً ، ـ و وضع برنامج عمل . منذ البداية ، أحيطت المحادثات بتكتم شديد . و كان يظن أنها ستكون قصيرة جداً و حاسمة بسبب استمرار التوتر المحلي . و خاب أمل الجميع ، لأنهم ظلوا يتباحثون طيلة أسبوعين تقريباً بدون أية نتيجة مجدية . و خلال ذلك الوقت استولت الجبهة القومية على حضرموت و هددت إمارتي العولقي و الواحدي اللتين كانتا قد أعلنتا ، مع ذلك ، ولاءهما لجبهة التحرير . غير أن الجبهة القومية قررت تحرير هذه الدول لأنها كانت تعتبرها كآخر بؤر مقاومة لدى الإقطاعيين . و في هذا الجو المتوتر أذاع الضباط المنتمون إلى جبهة التحرير بياناً شهيراً في 20 أكتوبر يتهمون فيه السلطات البريطانية و بعض رفاقهم في الجيش بمعاونة الجبهة القومية لخنق مقاومة أنصار جبهة التحرير . و بهذا التغير المفاجئ حصل ما لا يمكن إصلاحه . فالجيش الذي تعرض بذلك لتناقضات السياسة انقسم إلى كتلتين متخاصمتين . و شبت حرب بيانات تتهم الجبهة القومية و جبهة التحرير بعضهما البعض بهجومات و استثارات مقصودة ، بينما كان زعماء الجبهتين في القاهرة يظهرون سكوتاً مدهشاً . و استمرت الوضعية الداخلية في التدهور . و كان من الضروري فرض قرار طارئ لتخفيف التوتر و للإجابة على المندوب السامي الذي يكاد إنذاره أن ينتهي . أعلنت لندن ، لإخضاع الزعماء الوطنيين ، أنها ستذيع بياناً هاماً جداً في 2 نوفمبر . و كانت ردة فعل الزعماء الوطنيين سريعة للغاية ؛ فقد أعلنوا في 1 نوفمبر اتفاق أولي و لكنهم لم يعطوا أي توضيح بشأن محتواه . غير أن المحادثات دخلت في طورها الأخير ؛ و قد استقبل الاتفاق في عدن بسرور عظيم . و في 2 نوفمبر أعلن وزير الخارجية في مجلس العموم ان حكومته قد قررت تقديم تاريخ استقلال اليمن الجنوبي هذا ، إلى نهاية نوفمبر 1967 بدلاً من 9 يناير 1968 . و أدى إعلان رحيل البريطانيين القريب إلى تصعيد التوتر من جديد . ( ب ) ـ تدهور الوضعية . في ليلة الثاني من نوفمبر عادت المنازعات بعنف في عدة أماكن من عدن و أدت إلى سقوط بضع عشرات من الضحايا . و هيمن الخوف و اليأس على العائلات في الشيخ عثمان ، و بسرعة دب الهلع في باقي عدن حيث دارت معارك ضارية . و تدخل الجيش ، دونما نجاح ، للتوصل إلى توقف المعارك و أخيرا اضطر للأمر بوقف إطلاق النار على الفور و فرض منع التجول في المناطق المضطربة . و في 4 نوفمبر وجه زعماء الجبهة القومية و جبهة التحرير نداء مؤثراً من القاهرة إلى أنصارهم يدعونهم فيه إلى وقف الاقتتال . و بعد هدنة دامت بضع ساعات ، عادت الصدامات إلى الظهور برعب ، و كانت نتيجتها تسميم الجو أكثر مما كان عليه . و اتهمت الجبهة القومية جبهة التحرير بانتهاك وقف إطلاق النار و طلبت من وفدها في القاهرة أن يوقف المباحثات و أن يعود إلى البلاد . على اثر هذه الأحداث الدامية ، حمل الجيش جبهة التحرير مسؤولية الرجوع إلى المخاصمات . بناء على ذلك ، قرر المندوب السامي في 6 نوفمبر الاعتراف بالجبهة القومية كممثل شرعي وحيد للشعب اليمني الجنوبي بينما كان يعتبر ، قبل أسبوع فقط ، الجبهة القومية و جبهة التحرير هما الممثلان للشعب . و في ذات الوقت طلب الجيش من الجبهة القومية و من الحكومة البريطانية أن تبدءا المحادثات في اقصر فترة . إن موقف الجيش قد حل الصراع بشكل نهائي لصالح الجبهة القومية و تسبب هكذا في إفشال مباحثات القاهرة التي أصبحت غير مجدية و متجاوزة . و بادرت جبهة التحرير إلى اتهام الجبهة القومية بالتآمر مع المملكة المتحدة و مع الجيش . خلف كل هذه الأحداث و الاصطدامات نجد بكل تأكيد الصراع من اجل السلطة في عدن و الرغبة في التباحث مع لندن بوضع قوي . و بالتالي ، كان من الجلي أن المنظمتين كانتا تعتمدان قليلاً على مباحثات القاهرة و تعطيان أهمية رئيسية للاستيلاء على عدن . هيمنت الجبهة القومية على كل البلد تقريباً و وجدت أنه من غير الطبيعي أن تفلت عدن من نفوذها . و أما جبة التحرير فقد كانت عدن بالنسبة إليها ذات أهمية حياتية . فالإشراف على منطقة عدن كان أهم بكثير من السيطرة على مناطق البلد الداخلية . و هكذا كان الاستيلاء على عدن مسألة حياة أو موت بالنسبة لجبهة التحرير . و بعد عدة أيام من المعارك الطاحنة خسرت جبهة التحرير معركة عدن ؛ و على الفور بدأت مطاردة أتباعها و مناضليها . و تبع ذلك تطهير الجيش و الشرطة و الإدارة . 8 ـ سقوط النظام الاستعماري : إذن خرجت الجبهة القومية منتصرة من التصارع الدموي الذي دام من 1 إلى 6 نوفمبر ؛ و بسقوط عدن صار البلد كله تقريباً تحت إشرافها ؛ و سقط النظام الاستعماري كقلعة من الورق . إن وجود المندوب السامي و توقف الجيوش هما ظواهر السلطة الاستعمارية الوحيدة و الأخيرة . و أما الإدارة البريطانية فقد تلاشت بسرعة . بحثت الجبهة القومية ، بسرعة ، عن سد الفراغ و ذلك بحلولها محل السلطة الاتحادية في عدن و في داخل البلد . و لأول مرة في التاريخ الاستعماري تتخلى المملكة المتحدة عن القيام بمسؤولياتها . و في فلسطين بالذات كان ينبغي عليها أن تبقي سلطتها حتى يوم الرحيل النهائي . إن حلول سلطة الجبهة القومية مكان النظام الاستعماري تستحق أن يشار إليها بشدة . فلم تقبل السلطة الاستعمارية في أي مكان من العالم ، بأن تقوم بتلاش و اختفاء مماثل قبل تسليم السلطة و إعلان الاستقلال . و مع ذلك هذا هو ما حدث في اليمن الجنوبي . و في هذه الظروف إذا كان للمباحثات بين الحكومة البريطانية من جهة و بين الجبهة القومية من جهة أخرى ، المقررة في 20 نوفمبر في جنيف ، لها معنى ما ، فهو إناطة الدولة اليمنية الجنوبية بصلاحيات السيادة الخارجية و تحديد مقدار المساعدة المالية البريطانية للدولة المستقلة الجديدة . و كل شيء يبدو مشيراً إلى أن البلد سيحصل في 30 نوفمبر على الاستقلال في الصفاء و الوحدة . مع ذلك ، سيطرح الحصول على الاستقلال مشاكل بالغة التعقيد تستلزم وقتاً طويلاً لحلها . و لا يمكن لتغير و لو جزئي في البنى الموروثة من الماضي و لإنشاء بنى جديدة أن يتم دفعة واحدة نظراً لأن ظروف الانطلاق ستكون غير مواتية بصفة خاصة . عدن ـ في تشرين الثاني ، ( نوفمبر ) 1967 |
#5
|
|||
|
|||
--------------------------------------------------------------------------------
( الفصل الخامس ) حركة التحرر الوطني إن النضال المعادي للاستعمار ، لم يأخذ شكله المنظم في اليمن الجنوبي إلا بعد الحرب العالمية الثانية . فقد اشتعلت الحركة الوطنية بعد الحرب في أنحاء مختلفة ما تزال تحت السيطرة الاستعمارية . و هذه الفترة تقابل الفترة التي قامت فيها جامعة الدول العربية و ظهرت فيها ملامح اليقظة القومية في الوطن العربي ، و أصبحت فيها قوى المعسكر الاشتراكي في ازدياد . فعلى الصعيد المحلي ، رافق نهضة عدن من الناحية الاقتصادية ، اشتداد النشاط السياسي و الثقافي . و بدأت الأفكار الجديدة تغزو البلاد بسرعة كبيرة . و قد كان لهذه العوامل المختلفة أثر هائل على الوضع الاجتماعي و السياسي في اليمن الجنوبي و في اليمن . و قد كانت محاولة الانقلاب ضد الحكم المطلق الذي يتصدره الإمام يحيى في اليمن عام 1948 أول صدى لانعكاس الحوادث الخارجية على الوضع الداخلي في المنطقة . و على الرغم من فشل هذه المحاولة ، فإنها اعتبرت أول مواجهة جدية بين الرجعية المسيطرة و بين النزعة القومية ، و كان من نتائجها المباشرة تنبه الطليعة المثقفة في المستعمرة و شعورها بانتمائها إلى العائلة اليمنية الكبرى و إلى القومية العربية . و قد أكد هذا الشعور استقرار المحرض الأول على الانقلاب الفاشل ( حزب اليمن الحرة ) في عدن . و قد كانت السلطات البريطانية تأمل في أن تتخذ من هذه الحركة وسيلة لمحاربة الإمام الجديد و الضغط عليه . إلا أن هذه المنظمة خيبت أملها و لعبت على العكس دوراً رائداً في حركة تحرير اليمن الجنوبي ، و ساهمت في تشكيل الخميرة الأولى للنزعة الوطنية المعادية للاستعمار . نشأة الحركة الوطنية : كانت ثورة الأمير الكثيري المسلحة ابن عبدات (1) ضد السلطات المحلية و البريطانية أثناء الحرب العالمية إعلانا عن ولادة حركة وطنية في حضرموت . إلا انه على الرغم من كونه قد نجح في إثارة قسم من القبائل عام 1945 ، فقد أخذت حركته منذ البدء شكل تيار معزول و محدود النطاق . فقد كان للتكوين العشائري للمجتمع و لتخلف السكان أثرهما في خنق آثار هذه الحركة و عدم شمول تأثيرها باقي أنحاء البلاد . يضاف إلى ذلك عدم وجود وسائل مواصلات و اتصال في ذلك الحين من شأنها أن تشجع انتشار الشعور الوطني بدلاً من العزلة و التقوقع و التجزئة . لذلك لم يحتاج الإنجليز في مثل هذه الشروط إلى بذل عناء كبير في سبيل خنق هذه الاندفاعات الوطنية في مهدها . و كان لا بد أن يأتي عام 1948 حتى تشتعل جذوة الوطنية من جديد في عدن هذه المرة . و الحقيقة أنه ما من شيء قبل ثورة اليمن ، كان يدعو إلى التنبؤ بأن عدن سوف تصبح مركز الاندفاعات الوطنية . فمنذ تلك الحادثة الرئيسية التي هزت الجزيرة العربية ، بدأت عدن تلعب دور قيادة الصراع المعادي للاستعمار و المعادي للإقطاع . و عندئذ ولدت حركة وطنية بكل ما في الكلمة من معنى في المنطقة . و استفادت من الانحسار الخجول للنظام الاستعماري بدءاً من عام 1947 و إنشاء المجلس التشريعي و سن القانون الذي اعترف بحرية التجمع و لعدة أسباب ، منها سياسية و منها اقتصادية ، انقسمت الحركة الوطنية منذ البدء إلى عدة اتجاهات تنتمي جميعها إلى القومية العربية . |
#6
|
|||
|
|||
و قد لعب المثقفون دور المحرك الرئيسي للحركة الوطنية ، و كانوا من وراء ذلك يهدفون إلى غايتين أساسيتين :
1 ـ تربية المواطنين العرب تربية سياسية و اجتماعية . 2 ـ تحرير البلاد . و كانوا في غالبيتهم صحفيين و أساتذة و خريجي جامعات ، تلقوا تعليمهم في الخارج ، و كانت الصحافة و النوادي و الجمعيات و الرابطات بمثابة منابر لهم . و عنها انبثقت الأحزاب و النقابات العمالية فيما بعد . و لقد ركزت الصحافة المحلية على العامل الاقتصادي بسبب النهضة التجارية في المنطقة . و قد مارست الصحف المتطرفة أمثال صحيفة النهضة و صحيفة الفضول ، عملية تربية اجتماعية عن طريق نشر الموضوعات الخاصة بالعمال و بأرباب العمل . و ما لبثت الصحف المعتدلة الموالية للإنجليز أن سلكت نفس المسلك أمثال صحف فتاة الجزيرة ، و القلم ، و العدني . و قد استخدمت السلطات هذه الزمرة الأخيرة من الصحافة من اجل إجهاض الحركة والحيلولة دونها و دون التزام خط تقدمي . إلا أن خط الحركة الوطنية الصاعد لم يكن يقبل التراجع أو النكوص . و بفضل هذه الحركة الوطنية بدأ الوعي الاجتماعي و السياسي و الحس المدني و الحضاري ينمو بين سكان المدن . و قد بدأت حملة التوعية بقسم من المثقفين لتشكيل طليعة تتولى هي نفسها نشر الأفكار و الشعارات بين جماهير العمال الأميين بوجه عام . أما ما يتعلق بالعمل العمالي الصرف فقد كانت نوادي المثقفين و المغتربين العائدين إلى البلاد هي مراكز الانطلاق الرئيسية (2) . إن ظهور النوادي و الجمعيات و ازدهارها ، قد أعطى للحياة السياسية طعماً جديداً . فالطبقة المثقفة كانت تلتقي داخل المنظمات الرياضية و الثقافية و الفنية و في العديد من جمعيات الإحسان ، لتناقش قضايا المنطقة و مصيرها في المستقبل . و كانت هذه المراكز تجمع بين أشخاص أتوا من شتى آفاق المعمورة و من مختلف الأوساط ، تشغلهم جميعاً دراسة القضايا القومية و المسألة الوطنية . و أهم هذه المؤسسات في المستعمرة كانت : ـ النادي العدني ، الجمعية الإسلامية ، الجمعية العدنية ، الاتحاد اليمني . أما في المحمية ، فقد كانت : ـ جمعية الإحسان الحضرمية ، النادي الشعبي في لحج .. الخ . و كان المغتربون يترددون بدورهم على هذه النوادي و الجمعيات و كانوا يتحدثون عن الأحداث التي عاشوها خلال اغترابهم ، و كان بعضهم ممن أتوا من الشرق الأقصى قد شاركوا في الحركات الوطنية و الحركات الثورية في اندونيسيا و ماليزيا . و على سبيل المثال لعب المغتربون الحضرميون في جاوا دوراً سياسياً ذا طابع إصلاحي وحدوي (3) . و قد كان ثمة مركزان من مراكز الاغتراب قد لعبا دوراً هاماً في تكوين الحركة الوطنية في اليمن الجنوبي هما : اندونيسيا و انجلترا . ففي اندونيسيا كانت الجالية الحضرمية على احتكاك بالحزب الوطني الاندونيسي كما كانت على اتصال بالأحزاب اليسارية و بمختلف الأحزاب ذات الطابع الإسلامي . و كانت هذه الجالية تملك أفكاراً نيّرة متقدمة . إلا أنها ما لبثت أن كانت أول ضحايا الحركة الوطنية في اندونيسيا . فأضطر قسم كبير منهم إلى العودة إلى اليمن الجنوبي حيث شكلوا مجموعة نشيطة لها تأثير في الحركة الوطنية . ثم انضم إليهم المثقفون الذين تلقوا علومهم في جامعات البلاد العربية . أما في إنجلترا ، فالمهاجرون كانوا يتمركزون بأعداد وفيرة في منطقة كارديف حيث كانوا يعملون بحارة أو عمالاً . و تبعاً لذلك نشأ احتكاك بينهم و بين الأوساط العمالية الإنجليزية أي مع حزب العمال و مع أفكاره السياسية ذات الطابع المعتدل و الليبرالي ، و مع الحركة النقابية . و قد ساهم العائدون من هذه المراكز مع العائدين من الشاطئ الفرنسي للصومال ( جيبوتي ) ، في تكوين الحركة النقابية في اليمن الجنوبي التي بدأت تتبلور منذ عام 1946 . و قد استمر تطورها على الصعيدين الاجتماعي و السياسي دون أن تصطدم بعقبة جديدة حتى عام 1952 . فقد مرت بالوطن العربي حادثة رئيسية ، هي قيام الثورة المصرية . و قد ترك نجاح هذه الثورة و انتشار تأثيرها في الخارج أثراً كبيراً على مجرى الأمور . فكان من النتائج المباشرة لهذا كله أن دخلت الحركة النقابية في منعطف حاد . فقد أخذ الوضع السياسي شكله الواضح في اليمن الجنوبي ، و شهدت الموجة الوطنية تصدعاً حاسماً بين المحافظين و بين التقدميين . و منذ ذلك الحين أخذ كل تيار طريقه المعاكس للآخر . فعلى النقيض مما حصل في عدد كبير من المستعمرات في القديم حيث كانت وحدة القوى الوطنية مسيطرة طيلة مرحلة التحرير ، نجد أن اختلاف الاتجاهات حال دون شعور التيارات المختلفة بالرابطة التي تجمعها على صعيد واحد و هي : وحدة الصراع ضد الاستعمار . لذلك اتصفت الحركة الوطنية في اليمن الجنوبي بالانقسام و التشتت في الزمان و المكان . و كان ذلك سبباً من أسباب ضعفها . و يبدو في الظاهر إن تفسير هذه الظاهرة يمكن أن يتم بالرجوع إلى نقص الوعي السياسي لدى الجماهير و لدى القادة ، أو بالخصومات الشخصية . إلا أن المسألة في الحقيقة هي أعقد من ذلك . فاختلاف الأصول الاجتماعية لرواد الحركة الوطنية و عناصرها هو العامل الرئيسي . فالاختلافات من جهة ، كانت تدور حول مفهوم الصراع و وسائله . و من جهة أخرى كانت تدور حول الأهداف النهائية التي يسعى إليها كل فريق . فالبعض كانوا يقبلون بالتعاون مع السلطة الاستعمارية ، و البعض الآخر يلتزم موقف الرفض الحاسم للتعاون و موقف النضال الدائم من أجل تحرير البلاد في أقصر فترة ممكنة . و بقي هذان الاتجاهان المتعارضان متلازمين في عدن ، أما بالنسبة للمحمية ، فقد بقي التياران بعيدين عنها بحكم عدم وجود ارتباط بين المستعمرة و المحمية يسهل عملية الانتشار تلك . و هكذا يبدو انه من المنطق أن نتكلم عن تيارات بدلاً من الكلام عن حركة واحدة منسجمة . و منذ عام 1952 – 1953 ، يمكن أن نميز من خلال ما كان يطرح من تعليقات في الصحافة العدنية ، وجود تيارين للرأي العام : أحدهما يطالب بالحكم الذاتي ، و الآخر يطالب بالتحرر الكامل . إن التيار الأول ، أي التيار المعتدل الذي يعمل من أجل الحصول على الاستقلال الذاتي ، هو في الواقع تيار الأقلية ، لأنه يتشكل من الأجانب مواليد عدن ، أي خليط من الأجناس ، يشكل العنصر العربي الغالبية فيه ، و تدعمه الجاليتان الهندية و الصومالية التي تتألف من حوالي عشرين ألف شخص . و كانت الرابطة العدنية التي أنشئت عام 1950 هي الوجه السياسي لهذا التيار . و كانت مطاليبها تقتصر على الإصلاحات الاجتماعية ، و على إنشاء مجلس تشريعي منتخب . و كانت تعتبر الاستقلال الذاتي مطلباً يجب أن يتم تحقيقه في عدن على مراحل و ضمن إطار الكومنولث . أما فيما يتعلق بالإطار العام للبلاد ، فقد كانت تنادي بتعزيز الأواصر بين عدن و المحمية ، إلا أنها كانت ترى بأن المحمية يجب أن تحتفظ بنظام الحماية . أن وجهات النظر الانفصالية التي كانت تبشر بها الرابطة العدنية ، كانت تأتلف تماماً مع نظر الإدارة البريطانية خلال أعوام 1950 -1954 . لذلك كانت تلقى منها تأييداً و مساعدة مالية . إلا أن هذا المفهوم الممالئ للإنجليز كان يشجب و يقاوم مقاومة عنيفة من قبل التيار المعاكس الذي كان يرفض مبدأ التطور البطيء لأنه يعتبره منطلقاً رجعياً و وسيلة لتثبيت النظام الاستعماري . كما كان يرى فيه عاملاً يهدد استمرار حركة التحرر الوطني و حيويتها . إن التيار الوطني التقدمي كان هو التيار المهيمن في أوساط الشعب العربي الذي يمثل ثلثي سكان المستعمرة . و كانت مطاليبه عام 1952 تلخص فيما يلي : 1- إلغاء الوضع الخاص بعدن كمستعمرة تابعة للعرش ، و جعلها عاصمة للمحمية . 2ـ توحيد دول الأمراء . 3- إنشاء مجالس محلية منتخبة و مجلس اتحادي في عدن . 4 ـ الاستقلال الذاتي و دستور جديد للدولة الاتحادية الجديدة . 5 ـ الإصلاحات الاجتماعية . و عناصر هذا التيار تتألف من أعضاء الروابط و المنظمات القومية . و كان له صحيفتان تعبران عن مواقفه هما : النهضة و الفضول . و كان أنصار هذا التيار يُتهمون من قبل الإنجليز بالمشاغبين و المتطرفين . و كانت هذه الاتهامات مبرراً لملاحقتهم . و كان اعتقالهم يُبرر رسمياً بصيغة تقليدية : الإخلال بالأمن الداخلي للمحمية عن طريق نشر مقالات تمس الأمراء المناهضين لفكرة الاتحاد التي يطرحها الوطنيون . و الحقيقة هي أن السلطات الاستعمارية كانت تحاول أن تمنع فكرة دمج عدن بالمحمية من الانتشار ، و تقوم باعتقال كل من يبشر بها في تلك الفترة . فحتى عام 1953 لم تكن سلطة الحماية تفكر بأكثر من توحيد الأمارات في ظل اتحاد فدرالي يستبعد عدن و يبقي عليها كمستعمرة . و كانت تأمل بطرح فكرة الاتحاد الفدرالي بالنسبة للأمارات ، أن تستميل بعض العناصر الوطنية من جهة و أن تؤمن مستقبل الزعماء المحليين ثانية . و مع ذلك فقد فشل مخطط التجميع الذي رسمته لندن لأنه لم يكن يلبي شروط التيار التقدمي . و عندئذ أخذت السياسة الإنجليزية منحىً مكشوفاً في تأييد التيار المعتدل مع تصميم على تحطيم مقاومة خصومه . و منذ عام 1954 تأسست صحيفة جديدة سميت ( صحيفة الفجر ) و بدأت المرحلة الأولى من مخطط التيار التقدمي في مقاومة الاستعمار . ....................................... (1) البكري ( حضرموت و المدن ) ص 168 . (2) مجلة أفريقيا و آسيا ، العدد 44 ، باريس 1958 . (3) فانسان مونتيل ( العرب ) ، باريس ، 1959 ، ص 18 . |
#7
|
|||
|
|||
الصراع المعادي للاستعمار :
لقد اشتد الصراع المعادي للاستعمار مع ظهور طبقات اجتماعية جديدة تتطلع إلى المزيد من الحرية و من المكتسبات الاجتماعية و الاقتصادية . فمقابل البرجوازية التجارية ، قامت فئة من المثقفين المطبوعة بالأفكار التقدمية . و على الرغم من قلة عددهم فقد أرسوا دعائم التنظيمات السياسية في البلاد . و قد تلقوا دعم الطبقة العاملة الناشئة التي بدأت نواتها تتكون خلال الفترة ما بين عامي 1952 ـ 1954 ، مع إنشاء شركة مصفاة البترول البريطانية في عدن الصغرى . إن هذه الطبقة الجديدة التي كان عددها ما يزال محدوداً ، استطاعت أن تفرض نفسها بسرعة ، و أن تغدو خلال بضع سنوات قوة سياسية طليعية . و كانت تعرف سياسياً باسم ( مؤتمر نقابات عمال عدن ) . و بفضل هذه المساندة التي لعبت دوراً حاسماً في السنوات التالية تعززت قوى التيار الوطني و تحول إلى حركة تحرير وطني بكل معنى الكلمة . و قد انضافت إلى قوة التيار الوطنية قوة أخرى تتمثل في القومية العربية التي تحرك بعمق كل طبقات الشعب . أن الفترة 1952 ـ 1954 ، تشكل مرحلة الانطلاق في هذا الصراع لسببين رئيسيين : 1 ـ فهي الفترة التي شهدت نشوء طلائع التنظيمات السياسية و النقابية . 2 ـ و هي الفترة التي تتفق و قيام حوادث الاصطدامات الكبرى بين الحركة الوطنية و بين الاستعمار البريطاني و حلفائه . و الواقع أن عدة تجمعات سياسية و أيدلوجية ولدت خلال هذه الفترة . و قد بقيت مشتتة مبعثرة طيلة مرحلة الانتقال من الإدارة المباشرة إلى الاستقلال الذاتي الداخلي . و قد عرفت السلطات الاستعمارية كيف تبقي على الانقسام بين القوى ، و كيف توسع رقعة الخلاف و الشقة فيما بينها . و بتأثير تدخلها من جهة و تضافر الحوادث في الشرق الأوسط عام 1956 ( السويس ) و عام 1958 ( اتحاد سورية و مصر ، و ثورة العراق ) فقد عرف التياران على السواء تطورات عميقة في داخلهما . فكلاهما اخذ يعمل على التكيف مع الظروف الجديدة حتى يكسب الشعب إلى جانبه . إلا أن هذا السباق الذي كان مصحوباً بالمزايدات و بالديماغوجية ، قد عرّض التيار المعتدل لنكسات قاسية ، رغم دعم السلطات له . و فد اندفع قسم من القادة الشبان إلى الانفصال عن الرابطة الإسلامية بعدما لاحظوه من جمودها و عدم فعاليتها ، و أنشأوا عام 1950 رابطة أبناء الجنوب العربي (1) ، التي أصبحت تشكل مع الرابطة العدنية المنظمة الكبيرة الثانية في عدن . و أصبحت الرابطة على رأس الحركة الوطنية المعادية للاستعمار . و كانت تحظى بتأييد حزب اليمن الحرة ، و عدة منظمات اجتماعية و ثقافية . و تحت إلحاحها و تحريضها ، تشكلت عام 1953 أولى النقابات العمالية و نقابات المستخدمين . و لهذا السبب أخذت الحركة النقابية منذ البدء طابعاً سياسياً . و كلما ازدادت وطأت المطاليب الوطنية وضوحاً و دقة ، كلما أدرك الإنجليز أن اهتمامهم بتنفيذ مطاليب التيار المعتدل يضع بين أيديهم كفة معادلة في وجه المتطرفين . و على هذا الأساس أيدوا ( الاتحاد العدني ) ، و كانوا يطمحون من وراء ذلك إلى إنشاء قاعدة ثابتة للتيار المعتدل و تحويل أنظار الشبيبة العدنية عن التيار التقدمي الذي أصبح قوة ذات شأن و خطر . أما القوى الوطنية فقد كانت تجمع النوادي و الروابط و النقابات . و هي عبارة عن مجموعات منظمة نشيطة تضيق ذرعاً بالنظام الاستعماري و تقف كتلة واحدة في وجهه . وتجدر الإشارة إلى أن برنامجها قد خضع لتبدلات عميقة ، كما يبدو من خلال الصحف التقدمية ( الفجر ، البعث ، الجنوب ، العربي ) و يتلخص هذا البرنامج على الشكل التالي : 1 ـ الدعوة الملحة إلى وحدة النوادي و التجمعات الوطنية . 2 ـ الدعاية لاتحاد اليمن الجنوبي كما تتصوره الحركة الوطنية ، لدى زعماء القبائل . 3 ـ الدعوة إلى الوطنية و إلى القومية العربية و إلى التخلي عن الروح العشائرية . 4 ـ خلق حركات تعبئ الرأي العام للضغط على الإدارة البريطانية من أجل تطوير تعليم العربية و من اجل فرضها كلغة رسمية محل اللغة الإنجليزية ( على سبيل المثال : في عام 1955 هدد سائقو التاكس بالإضراب إذا لم يصبح استعمال الحروف و الأرقام العربية إلزامياً على لوحات السيارات ) . 5 ـ تمجيد القومية العربية في جميع أشكالها و خاصة مصر رائدة القومية العربية . إن إحدى المظاهر البارزة لهذه الدعاية التي لفتت نظر ( ت . برنيي ) (2) هي عدم وجود مكان بارز للدين فيها . و أنها تحمل اسم القومية العربية . إن التطور الذي حصل على الصعيد الفكري بين هذا البرنامج و بين برنامج عام 1952 ، تطور واضح و كبير . فقد أصبح التركيز على الوحدة ، و على القومية العربية و على النزعة الوطنية المعادية للقبيلة و للاستعمار . و تجاوزت الحركة الوطنية الصراعات الحزبية و المحلية ، و ارتفعت الأصوات المطالبة بالقضايا السياسية و الاجتماعية . و أصبحت الإدارة الاستعمارية تصطدم بضغط الجماهير و تجد نفسها أمام ( جبهة وطنية موحدة ) تجمع القوى الوطنية ، لا أمام حزب معارض واحد . و قد كان تحالف تلك القوى و عدم توحيدها ، عاملاً في ازدياد قوتها و بأسها . إلا انه في الوقت نفسه كان يشكل عامل ضعف بالنسبة إليها . الجبهة الوطنية الموحدة : لقد قامت هذه الجبهة في نوفمبر 1955 قُبيل الانتخابات التشريعية التي جرت في 15 يناير , و قد نجحت هذه الجبهة في كسب التأييد المعنوي لقسم من التجار العرب في عدن ، بالإضافة إلى الدعم المادي للتجمعات التقليدية . إلا أن العنصر الجديد حقاً هو دخول بعض الأمراء بشكل جزئي و خجول . و ذلك بفضل مشاركة بعض قادة ( رابطة أبناء الجنوب العربي ) التي كانت تتمتع بسمعة عالية في الجبهة الوطنية الموحدة . و قد وضع هذا التحالف بين القوى الوطنية لنفسه برنامجاً مؤلفاً من النقاط الثلاث التالية : 1 ـ تفشيل انتخابات 1955 و مشروع الاتحادات . 2 ـ تشجيع المطالب العمالية . 3 ـ انتهاج خط سياسي موحد . و الواقع أن الجبهة وقفت حائلاً دون نجاح سياسة ( السير نحو الحكم الذاتي ) و ذلك عن طريق تنظيم حملة لمقاطعة الانتخابات . و لم يبق في المعركة الانتخابية سوى الإدارة البريطانية و المرشحين الذين ينتسبون إلى الاتحاد العدني . و هكذا باءت الانتخابات بفشل ذريع . أما المشروع الاتحادي الذي طُرح من جديد عام 1956 ، فلم يكن حظه في النجاح أوفر من حظ مشروع 1954 ، و ذلك بسبب وعي و يقظة القوى الوطنية . و على صعيد المطاليب العمالية ، كانت النقابات تطالب بحق الإضراب و بضمان العمل و بصندوق للبطالة ، و بالتقاعد و برفع الأجور ، و تحديد حد أدنى مكفول للأجور . و كانوا يحتجون ضد التشريع الذي يشجع الهجرة إلى عدن في البلدان التابعة للكومنولث . و كانت السلطات البريطانية تدّعي من جهتها بأن تدفق الشغيلة اليمنيين يشكل تهديداً للعدنيين الذين يسعون وراء العمل ، ناسية باقي الفئات من المهاجرين المتدفقين على عدن من بلاد تحت إشراف الإدارة البريطانية . و قد دعمت الجبهة النقابات دعماً كلياً ضد إدخال الأيدي العاملة الأجنبية . و قد نظمت الجبهة بالاشتراك مع النقابات سلسلة من الاضرابات ذات طابع مهني و سياسي عام 1956 ، كانت الأولى من نوعها في تاريخ اليمن الجنوبي . و قد وجدت السلطات البريطانية نفسها تجاه شمول حركة الاحتجاجات مدفوعة إلى معالجة شكوى الطبقة العاملة بتفهم . و هكذا حصل عمال و مستخدمو الطيران المدني على زيادة في مرتباتهم . و اتخذت تدابير لحماية العمال العرب من تدفق العمال المهاجرين . و منع استيراد اليد العاملة الأجنبية . و سويت أجور المؤسسات الخاصة . و على وجه الأجمال فقد كانت حصيلة تجربة القوة جيدة و خصبة . و قد وضعت الجبهة الوطنية الموحدة لنفسها هدفاً نهائياً إنشاء جمهورية للساحل اليمني ذات طابع مركزي تتألف من المحميتين و من اليمن . و تكون عدن هي العاصمة مؤقتاً بانتظار سقوط الحكم الملكي في صنعاء . |
#8
|
|||
|
|||
و كانت الجبهة تعتبر الطريق الموصلة لهذا الهدف تمر بمراحل ثلاث :
1 ـ توحيد السلطنات في دولة واحدة تحكم من عدن من قبل مجلس منتخب بواسطة الاقتراع العام . 2 ـ تخلي الإنجليز عن المستعمرة . 3 ـ ضم اليمن فيما بعد و إعلان الجمهورية . غير أن الجبهة ما لبثت مع الأسف أن تصدعت بتأثير التنافس الشخصي و الخصومات قبل أن تحقق برنامجها . و الحقيقة هي أن الجبهة لم تتمكن من امتصاص التجمعات التي وحدتها في وقت ما . و مع ذلك استطاعت رغم كيانها المهدد أن تحقق انتصارات هامة جداً لمجرد كونها تحالفاً للقوى التقدمية . فقد كانت منظمة كفاح ، و قد وصل تأثيرها حتى للمعتدلين الذين وجدوا أنفسهم مرغمين على إعادة النظر في مواقفهم حتى لا يتهموا بالتخاذل و بالتخلي عن الشعب . كما كان من نتائج عملها اضطرار الإنجليز و إجبارهم على إعادة النظر في سياستهم . القوى المحافظة : يمكن اعتبار ( الرابطة العدنية ) و ( الاتحاد العدني ) لسان حال القوى المحافظة . و بقدر ما كانت الجبهة الوطنية المتحدة تجمعاً هجومياً غير متبلور التنظيم و الكيان ، كانت الرابطة العدنية تجمعاً دفاعياً يمثل : 1 ـ البورجوازية العدنية و الطبقة التجارية الهامة المؤلفة بالدرجة الأولى من الآسيويين و الأوروبيين و بعض التجار العرب . 2 ـ قسماً كبيراً من جهاز موظفي الدولة ، و من الموظفين في المؤسسات الأجنبية . و دعم هاتين الفئتين للرابطة يعود إلى دوافع سياسية و اقتصادية . فعلى الصعيد السياسي لم يكن العدنيون غير العرب بوجه خاص ، بمستعدين لوضع شؤون المستعمرة بين أيدي رجال الحركة الوطنية . و كانوا يتطلعون إلى نوع من الاستقلال الذاتي الداخلي داخل إطار العائلة البريطانية . أما على الصعيد الاقتصادي و الاجتماعي ، و هو العامل الأشد تأثيراً ، فقد كانت الطبقة التجارية مذعورة من اتساع نطاق المطالب العمالية و الاضرابات . فقد شل الإضراب العام الذي قادة اتحاد نقابات عمال عدن عام 1956 الحياة الاقتصادية في عدن خلال ستة اشهر . و كان عبئاً تحملت نتائجه البيوتات التجارية الكبرى . و أكثر من ذلك كانت أوساط الأعمال تربط مصير الاقتصاد بالوجود البريطاني . و بالتالي كانت ترغب في بقائه أطول مدة ممكنة لأن ذلك يتفق مع مصالحهم . و من جهة ثانية ، كان الموظفون و المستخدمون في البيوتات الهندية و الأوروبية ، و معظمهم من الأجانب ، يخشون من فقدان وظائفهم إذا ما انتقلت السلطة إلى أيدي العناصر العربية . إن هذه المواقف النابعة من المصلحة الخاصة الأنانية التي لا تحسب حساباً لشيء آخر ، كانت تخص الأوساط التي تهتم برفاهها لا بتطور البلاد و تقدمها . و كان لا بد بطبيعة الأمر أن ينشأ تقارب بين الإدارة البريطانية و بين هؤلاء المعتدلين . و عندما شعر هؤلاء بأن الأحداث قد تجاوزتهم ، حاولوا أن يُدخلوا في برنامجهم الإصلاحات الاجتماعية ، و مشروع الاتحاد مع الاستقلال الذاتي الداخلي الذي ينادي به خصومهم . و لكن في حين أن خصومهم كانوا يعتبرون الاستقلال الذاتي خطوة أولى نحو الاستقلال الكامل ، كانوا هم يعتبرونه الغاية النهائية . كما كان المحافظون يطالبون بالأمور التالية بصورة مستقلة بعضها عن بعض : ـ الحكم الذاتي بالنسبة إلى عدن ، ـ وحدة المحمية ، ـ جمع المستعمرة المستقلة ذاتياً مع المحميات داخل اتحاد ، ـ إدخال الاتحاد ضمن الكومنولث . تلك هي الوحدة الممكنة في نظر هؤلاء . و بتعبير آخر ، يمكن أن نقول بأن التقدميين كانوا يريدون وحدة مركزية ، أما المعتدلون فكانوا يرغبون باتحاد فدرالي فقط . و كانت انجلترا تشاطر المعتدلين وجهة نظرهم . فقد تأثرت بما للجبهة الوطنية المتحدة من جماهيرية أي من صوت مسموع لدى الجماهير ، لذلك لم تتردد في تبني البرنامج الإصلاحي و الفدرالي للرابطة العدنية . على أن ثمة خلافاً هاماً كان يقوم بين السلطات الإنجليزية و بين المحافظين المعتدلين ، يتعلق بالأسباب العسكرية . فالسلطات البريطانية كانت تتمسك بالاحتفاظ بعدن نهائياً خارج الدولة الجديدة . الأمر الذي ما كان في وسع المحافظين الموافقة عليه خوفاً من الاتهام بالتخلي عن جزء من أرض الوطن . و قد استمر الإنجليز في التمسك بوجهة نظرهم ، رغم أنها تضعف من جانب حلفائهم . و قد عوّض الإنجليز على هؤلاء الحلفاء بالمزيد من الدعم المعنوي و الدعم المالي . و قد دفع اضطراب الأمور بسبب هذا التعنت إلى مجموعة من التدابير القمعية : كإعلان حالة الطوارئ و إصدار مجموعة من القوانين . .............................. (1) محمد الجفري ( حقائق عن جنوب الجزيرة العربية ) القاهرة 1956 ص 52 (2) مجلة افريقيا و آسيا ، العدد 44 . |
#9
|
|||
|
|||
و كان إعلان حالة الطوارئ بمثابة إعلان عن عزم السلطات الاستعمارية على القضاء على الجبهة الوطنية . و قد عبّرت السياسة التي طبقتها عن هذا الإصرار ، أي سياسة إبعاد العناصر الوطنية و تعزيز جهاز المراقبة في سلطات البوليس .
أما القوانين التي تم إصدارها نتيجة لإعلان حالة الطوارئ فتتعلق بمراقبة الصحافة و بتخويل السلطة صلاحية مصادرة و توقيف كل صحيفة . كما يتعلق بعضها الآخر بحرمان الجالية اليمنية من حق التصويت ، بالإضافة إلى قوانين تحرّم تقديم أية مساعدة للجبهة الوطنية . و إلى جانب هذه السياسة العنيفة ، عملت السلطات على دعم الرابطة العدنية دعماً متزايداً ، كما أنها ضغطت على أرباب العمل لدفعهم إلى تلبية مطالب العمل قدر الإمكان . إلا أن النقطة الأهم في هذه المواجهة ، هو طرح السلطات البريطانية لاحتمال انضمام اليمن إلى الدولة الاتحادية التي سيكون على رأسها ملك اليمن . و قد كانت السلطات البريطانية تهدف من وارء ذلك إلى إحداث انقسام داخل الجبهة الوطنية ، لأن القسم الأعظم من الجبهة كان ضد هذا الاحتمال و يرفض أن تكون أسرة حميد الدين و السلالة الزيدية و لو على رأس دولة اتحادية تضم اليمن . هذا علماً بأن السلطات الإنجليزية لم تكن بشكل من الأشكال تقف موقفاً مشجعاً لمثل هذه الاحتمالات . و الخلاصة ، فإن الأمر انتهى بحدوث انقسام داخل الجبهة بين الجناح اليساري الذي تدعمه النقابات و الذي استولى على قيادة الجبهة ، و بين الجناح اليميني الذي أصبح ممثلاً برابطة أبناء الجنوب العربي و الذي انسحب من الجبهة . بهذا الانقسام دخلت الحركة الوطنية في أخطر أزمة عرفتها . و إذا كانت الحركة الوطنية قد احتفظت رغم ذلك بحيويتها و نشاطها ، إلا أنها أخفقت في إعادة الالتحام إلى صفوفها . و كان ذلك طبعاً مبعث سرور لخصومها . أزمة الحركة الوطنية : لم يعمّر تحالف الجهات المعادية للاستعمار سوى أقل من ستة أشهر ، أي تماماً الوقت اللازم لمجابهة الاستفتاء الذي نظمته السلطات الاستعمارية . فمنذ شهر مارس 1956 ، بدأت انقسامات خطيرة تظهر داخل الجبهة الوطنية الموحدة . فقد اتهمت النقابات ذات التابعية اليمنية ، رابطة أبناء الجنوب العربي ، بأنها تعمل على وضع النقابات تحت إشرافها المباشر و المطلق . كما اتهمت من قبل تجمعات يمنية أخرى بالعمل من أجل فصل عدن و محميتها و محميتها عن الوطن الأم في الشمال ، و إنشاء جمهورية انفصالية في اليمن الجنوبي . و اتهمت الرابطة بدورها هؤلاء و أولائك بأنهم يريدون أن يقسموا الحركة الوطنية و أن يدفعوا بها ضمن اتجاه موال لليمن . و قد كانت لهذه الاختلافات نتائج ثقيلة الوطأة . و أخذ الخلاف طابعاً سياسياً عندما شكلت النقابات بتاريخ 3 مارس 1956 اتحاد نقابات العمال العدني ، و أعطت لهذا الاتحاد النقابي الكبير طابعاً اجتماعياً و سياسياً و عندما صدر بتاريخ 22 مارس 1956 عن رابطة أبناء الجنوب العربي تصريح مطول يشدد على شخصية الجنوب و على حقه في الاستقلال . و كان ذلك بمثابة الطلاق بين القوتين الوطنيتين ، هذا الطلاق الذي انتهى فيما بعد إلى حل الرابطة بينهما بعد أن يئس كل فريق من امتصاص الفريق الآخر . و قد استطاع اتحاد النقابات بفضل تنظيمه و تماسكه أن يسيطر بسرعة على المسرح السياسي في المستعمرة . و أن تجتمع من حوله معظم القوى الوطنية عدا رابطة أبناء الجنوب العربي . و قد كان للاضطراب العام الذي بدأ في مارس و انتهى في نوفمبر من عام 1956 و للنجاح الكبير الذي انتهى إليه ، فضل في اتساع شهرته و ازديادها . و كان من الطبيعي نظراً لفشل التشكيلات السياسية التقليدية و إفلاسها ، أن تصبح الحركة النقابية محور النضال السياسي ضد الاستعمار . لقد كان انغمار الطبقة العاملة في العمل السياسي شيئاً نابعاً من طبيعة الأمور ، و ليس فيه ما يدعو للدهشة . فالنقابات العمالية في كثير من البلاد المتخلفة تبدو و كأنها القوى الوحيدة التي تتمتع بسند شعبي ملحوظ و بتنظيم قوي فعال . و هذا الواقع ينطبق على عدن أكثر من أي بلد آخر . فالحركة العمالية كان لها النصيب الأكبر في الكفاح ضد الاستعمار . و في نفس الوقت الذي كان فيه اتحاد النقابات يشق طريق الصعود ، كانت رابطة أبناء الجنوب العربي تعاني من أزمتها الحادة بسبب انسحاب قسم من إطاراتها العليا و تفكك قيادتها . و هكذا بعد أن كانت رابطة أبناء الجنوب العربي المحرك الرئيسي للحركة الوطنية و العنصر البارز في الجبهة الوطنية المتحدة ، غرقت في تعقيدات ظروف التجزئة الإقليمية . و دفعتها شكوكها بشأن اليمن إلى تبني مواقف أعطيت صفة الانفصالية من قبل عدد كبير من قادتها أنفسهم . و بعض هؤلاء القادة استنكروا علناً ذلك و لجأوا إلى المنظمة المقابلة . و في عام 1958 لجأ رئيسها و أمينها العام إلى القاهرة تاركين ورائهما في عدن منظمة هزيلة إلى درجة لم يعد الإنجليز يحسبون لها أي حساب . أما في الخارج فقد تحولت ( رابطة أبناء الجنوب العربي ) إلى مجرد ( رابطة الجنوب العربي ) . و عند إعلان قيام الجمهورية العربية المتحدة ، ثم ( الدول العربية المتحدة ) ، حاولت الرابطة أن تعدل ميثاقها و أن تدخل فيه فقرات خاصة بالوحدة العربية و بالعلاقة بين جنوب و شمال الساحل اليمني ، و أن ترفض القومية اليمنية . و عندما تقرر ضم عدن إلى الاتحاد ، حاول الإنجليز جس نبض قادة الرابطة في المنفى للعودة و تشكيل الحكومة الاتحادية . إلا إنهم رفضوا هذا العرض و فضلوا الالتحاق بالمعارضة مع الإبقاء على مسافة ما بينها و بينهم . و بعد ثورة اليمن الجمهورية ، حاولوا أيضاً تعديل برنامجهم و موقفهم الغامض إلا أن المحاولة جاءت متأخرة . فالرابطة على الرغم من أنها استعادت بعض نشاطها ، إلا انه كان يلزمها وقت طويل و بذل جهد أكبر حتى تنهض من كبوتها و تحول الوضع إلى مصلحتها . |
#10
|
|||
|
|||
الحركة النقابية :
لقد قام اتحاد نقابات عمال عدن عام 1956 بعمل مزدوج : فمن جهة اهتم بالمسائل الاجتماعية التي تشغل العمال ، و نجح في الحصول على اعتراف شرعي بالنقابات و بحقوقها . و من جهة ثانية أخذ الاتحاد اتجاهاً سياسياً مرناً و أصبحت الجبهة الوطنية الموحدة قاعدته الناطقة باسمه . و بعد فشل العدوان الثلاثي على السويس شددا مواقفهما و كسبا الجو على حساب الرابطة العدنية التي تواطأت مع الإنجليز . و منذ عام 1957 أصبح الاتحاد اكبر منظمة شعبية في عدن . و أصبح له صحيفة ناطقة باسمه ( العامل ) كانت تنشر أسبوعياً مقالات مطولة حول الوضع الداخلي في الجنوب و الشمال . و قام الاتحاد بحملة عنيفة ضد الهجرة و ضد غلاء المعيشة عام 1958 . و عندما قررت السلطات في أغسطس 1960 أن تسن تشريعاً جديداً يمنع الإضراب و يفرض التحكيم في خصومات العمل ، شجبت صحيفة العامل بجرأة الترتيبات الجديدة . و على أثر الاصطدامات الدامية بين المضربين المتظاهرين و بين الشرطة ، أُغلقت الصحيفة و لوحق جهاز التحرير المؤلف في غالبيته من النقابيين ، بتهمة التحريض على مخالفة النظام . و بفضل انتساب المنظمة إلى اتحاد نقابات العمال العرب و الاتحاد الدولي ، استفادت من تضامن المنظمات العمالية في آسيا و أفريقيا و أمريكا . و علقت الصحيفة الأسبوعية الفرنسية ( النوفيل أوبسر فاتور ) على تلك الحوادث في عددها بتاريخ 7 سبتمبر 1960 بقولها : ( في عدن ، ينظم العمال اضراباً عاماً للاحتجاج على التعديات على الحرية النقابية ، مطالبين إنهاء الإدارة البريطانية و تنظيم استفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة ) . و على الصعيد السياسي ، ركز الاتحاد مع الجبهة جهودهما على إزالة الاستعمار في عدن و على تحرير اليمن من النظام الملكي . و كانت دعايتهم تطالب بدمج الجنوب مع الشمال . و بقدر ما كانت تلك الدعاية تحقر الإنجليز بقدر ما كانت تسبب القلق للسلالة الزيدية التي كانت تريد أن تجنب البلاد موجة الاضطرابات التي أثارها الوطنيون في المستعمرة . مع نهاية المعركة الانتخابية عام 1959، تصدع التحالف الواهي الذي كان يجمع القوى التقدمية . و أخذت الجبهة موقفاً يختلف عن موقف الاتحاد الذي انعطف انعطافاً واضحاً نحو اليسار عام 1960 . و أصبح الاتحاد المركزي للنقابات في نظر الكثيرين من أبناء الجنوب المجسد الحقيقي ( للقومية اليمنية ) . و من هذه الزاوية بدأ يتعرض للنقد الشديد . إلا أن الذي يجب أن يقال ، هو أن الاتحاد حاول عدة مرات أن يذيب مختلف الأحزاب الوطنية في بوتقة واحدة تحت رعايته ، إلا انه لم يصادف إلا نجاحاً جزئياً و خاصة لدى الروابط التي تهيمن عليها العناصر ذات الأصل اليمني . و ضمن هذا الاتجاه قاد عملية تشكيل الاتحاد الشعبي عام 1958 و الاتحاد الوطني اليمني عام 1959 و التجمع الوطني عام 1960 و تجمع المنظمات الوطنية و الشعبية عام 1961 . و ساهم مساهمة فعالة في مؤتمر القاهرة الذي اجتمع عام 1961 و 1962 و ضم ممثلين عن (3): ـ النقابات العدنية ، ـ حركة القوميين العرب ، ـ الاتحاد اليمني ، ـ حزب البعث العربي الاشتراكي ( فرع اليمن الجنوبي ) . و قد حاول المؤتمرون أن يخلقوا جبهة وطنية جديدة إلا أنهم لم ينجحوا في ذلك . لذلك قرر الاتحاد المركزي للنقابات عشية مؤتمر لندن في يوليو 1962 تأسيس حزب جماهيري . و هكذا تم نشوء ( حزب الشعب الاشتراكي ) . و خلال ذلك كانت الجبهة الوطنية الموحدة قد زالت و لم يبق لها وجود . و قد قام ( حزب الشعب الاشتراكي ) بحملة عنيفة ضد المشروع الاتحادي الذي طرحته السلطات . و على الرغم من التدابير القمعية ، نجح في تعبئة الرأي العام الداخلي و الخارجي ضد السياسة الإنجليزية . إلا أنه فشل في تجميع قوى المعارضة من حوله ، بل و زاد في خصومتها له . الاتجاهات الراهنة : الخلاصة إننا نستطيع أن نميز على ضوء الاختلافات التي رافقت الكفاح الخصب الذي امتد على عشر سنوات ، الاتجاهات الخمسة التالية : 1 ـ الإقليمية الضيقة : التي يحرص عليها العدنيون المحافظون و غالبية الأمراء . و هي تقوم على المحافظة على التجزئة المحلية . و قد كانت السلطات الاستعمارية في البدء تشاطرهم وجهة نظرهم . إلا أن هذه السلطات بدأت تدرك مع تطور الوضع العربي خطر النزعة الانفصالية و التشتت . فأعادت النظر في سياستها و بدأت بتشجيع تجميع الإمارات داخل اتحاد فدرالي ، ثم بتشجيع ضم عدن إلى الاتحاد من أجل إجهاض الاتجاهات الفكرية و تزوير الاندفاعات الوطنية . 2 ـ الإقليمية الواسعة : و قد كانت خلال فترة من العمل الوطني تتمتع بتأييد جميع القوى التقدمية . و هذه الإقليمية الواسعة تتجاوز حدود عدن و محميتها لتضم الساحل العربي بما في ذلك اليمن . و هي تعتمد في نظرتها على منطلقات جغرافية و تاريخية و بشرية عرقية . 3 ـ النزعة الوطنية اليمنية : التي كانت تجعل من اليمن محور العمل الوطني و تعترف له بالأولوية و بالقيادة . و كانت هذه النزعة تلقى تأييدا من قسم من العمال و من صغار التجار و من الطليعة المثقفة الذين ينحدرون من أصول يمنية . كما كان ( حزب الشعب الاشتراكي ) رائد هذه النزعة . الأمر الذي أثار شكوك العناصر الجنوبية التي كانت تمثلها رابطة الجنوب العربي ، و التي كانت ترفض رفضاً قاطعاً إلحاق الجنوب باليمن ، و تقول بالتقارب بينهما شرط رفع فكرة الإلحاق . و قد أعطت هذه العناصر المجال لنشوء حركة وطنية خاصة بالجنوب . 4 ـ النزعة الوطنية الجنوبية : و هي تعمل على جعل عدن و محميتها كياناً مستقلاً ذا سيادة . و قد كانت هذه النزعة تجد في رابطة الجنوب العربي حليفاً لها ، كما كانت تعتمد على تأييد البرجوازية الوطنية الناشئة و على قسم من المثقفين و على السلاطنة . و كانت انجلترا تدعم هذه النزعة سراً ، و كانت تستعد لوضع السلطة في يدها يوماً ما ، لأنها كانت تتخذ منها وسيلة لمقاومة القومية اليمنية و القومية العربية . 5 ـ القومية العربية : إن شعب اليمن الجنوبي شديد الحساسية للقومية العربية . و باستثناء أصحاب النظرة الإقليمية الضيقة ، تشكل القاسم المشترك لجميع الاتجاهات الأخرى بدرجات و نسب متفاوتة تتراوح بين رفع الشعار و بين الالتحام الكلي بحركة القومية العربية . إن لكل اتجاه من الاتجاهات السابقة أشياعه و جهاز دعايته الذي تتولاه الأحزاب السياسية . و هذه الأحزاب السياسية تنتشر بين الجماهير دون أن تعلن عن برامج محددة ، و تطغى عليها اللفظية أي لغة الشعارات ، و هي حسب التعبير الماركسي ( أحزاب البرجوازية الصغيرة ) . .............................. (3) قحطان الشعبي ( الاستعمار البريطاني و معركتنا في الجنوب اليمني المحتل ) القاهرة 1962 ............................. .................... يتبع ....................... |
«
الموضوع السابق
|
الموضوع التالي
»
|
|
الساعة الآن 03:53 AM.