خواطر مسافره - صالح الجبواني

[أنا هو]

خواطر مسافره

عدن تايمز - صالح الجبواني

لا أدري أقول سامحوني أم أسمحوا لي.. سأتمسك بالأولى لأنني قررت فعلا أن أكتب هذه المره عن أشياء أخرى.. خواطر مسافره.. ذكريات عابره.. غصات ألم وعبرات صعدت و(حنبت) بالحنجره.. تجارب صغيره من وحي الغربة.. السياسة دمرت أعصابنا وأستنفذت قوانا.. سينتفض أحدهم: القضية.. القضية! سأهدئ من روع صاحبي وأدعوه لأن (نؤسن) قضيتنا ونخرجها من مربعات اللغو والهذيان الذي نسمعه على مدار الساعة كشعارات وبيانات وأناشيد وأغاني نعيد أجترارها منذ ستينات القرن الماضي وكأنك يا بوزيد ما غزيت. يجب أن يكون المثقف فعلا من لحم ودم، لكي تكون أقواله من لحم ودم أيضا ويتوفر لها توتر الحياة الواقعية حتى تكشف لنا أن المثقف كبشر غير معصوم من الخطاء، لا عن واعظ أخلاقي كئيب.

الليلة عيد الأضحى.. نوتنجهام ليس فيها أي مظاهر لعيد (يخصني) أنا.. لم أر أحتفالا ولا (كباشا) تتمخطر وهي تساق إلى (مناياها). أهالي (بارك مانسفيلد) كانوا مشغولين بحياتهم وأشياء أخرى لا تهمني ـ مانسفيلد بارك رواية للكاتبة البريطانية جين أوستن تعرض فيها للحياة في بريطانيا ومستعمراتها حينما كان العلم يرفرف والشمس تحرسة ولا تغيب عنه لحظه ـ أهالي مانسفيلد بارك ضاق عليهم العالم الذي (أوسعوه) يوما وعادوا إلى جزيرتهم الصغيرة سالمين الا من ذكريات مجد غابر نذكّرهم به نحن ذوي السحنات السوداء والملونة، نحن الذين بدأنا نكدر صفو عيشهم بتكاثرنا الفطري المدهش على هذه الجزيزة الصغيرة التي تكاد تنفجر.

برغم كل مظاهر الترف التي تحيط بي هنا والمميزات التي يوفرها الأنجليز لضيوفهم مثلما لمواطنيهم، الا أن حالي كحال أبي الطيب في شعب بوان من أعمال فارس أيام كانت الدنيا (دانيه):

مغاني الشعب طيبا في المغاني بمنزلة الربيـع من الزمان

ولكن الفتـــى العربي فيها غريب الوجة واليد واللسان

هاتفتني عائلتي للتهنئة، وكلمني أبني الصغير ذو التسعة أعوام فسألته: لبستم الجديد؟ نعم.. أكلتم لحم العيد؟ نعم. أذن أنتم سعداء؟! رد بصوت أقرب إلى العتاب لا.. لا . ولماذا؟ لأنك بعيد عنا. كانت كلمات قليلة في لحظة خاطفة في حساب الزمن لكنها كانت كلمة ـ البعد ـ جارحه، مؤلمه، تدمي القلب، رغم جنان روضة (نوتنجهام) الا أن شوقي وحنيني لتلك الكثبان عصف بكياني. أن الأنسان حقآ مقدود من وطنه. ذكرني حالي بحال مالك أبن الريب الذي داهمته المنية وقد تجاوز خراسان إلى أرض السند في جيش أبن عفان غازيا:

أقول لأصحابي أرفعوني فأنه يقر بعيني أن سهيل بدأ ليا

لكني سأعترض هنا على قوله:

فيا صاحبيّ أما عرضــت فبلغا بني مازن والريب أن لا تلاقيــا

وخطا بأطراف الأسنة مضجعي وردا على عينيّ فضل ردائيــا

ولا تحسداني بارك الله فيكما من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا

أعترض على أبن الريب لأني لست ممن يقتلون الأمل ولا أستعجل نهايه تراجيدية لشيء ما، فلأبن الريب شأنه ولنا شأننا ولكني أرى فيما يرى النائم أن الحال من الحال وأن أستمررنا فيما نحن فيه قد يسؤ المآل. أرجو أن تكون الخواطر تجر بعضها بعضا كسرب حمام نحو الأفق على تخوم روضة مانسفيلد.

سألني أبني العودة وكأن الأمر طوع بناني.. أعتذرت لمحمد ووعدتة أن لقائنا قادم بأذن الله وسيكون شاعريا.. ملتهبا.. غامرا، كتدفق جداول وادي (ووركورث.. ماتلوك) في دربيشر.. قلت لة: لعل الأيام التي نقضيها بعيدين عن بعضنا تشعل جذوة الشوق:

وقد زعموا أن المحب أذا دنا يمل وأن النأي يشفي من الوجد

لكن محمد ضحك وكأنة يستذكر بيت آخر من قصيدة جميل بن معمر عن صبا نجد:

بكل تداوينا ولم يشف ما بنا على أن قرب الدار خير من البعد

ربما لأبن معمر هذا وضعا مختلفا.. لكن دعونا من هؤلا القدماء الذين حولوا حياتنا إلى تاريخ في تاريخ، حتى تحولنا إلى كائنات تراثية، المفروض أن يفتح لنا متحف نقبع فيه.. لكن اليست أوطاننا متاحف بحد ذاتها؟؟.. أو لسنا كائنات متحفيه، موميائيه. حتى مثقفونا حظهم عظيم في الحالة المتحفية هذه. أعجبني كثيرا تصوير أدوارد سعيد لمهمة المفكر، المثقف:

(إننا جميعا نعيش في مجتمع ما، وننتمي كأفراد إلى جنسية معينة لها لغتها وتقاليدها وظروفها التاريخية. فإلى أي مدى يمكن أعتبارنا (المثقفين، المفكرين) خدما لهذه الحقائق الواقعية، وإلى أي حد يعتبرون أعداء لها؟ ..... أنني أرى والكلام لأدوارد سعيد أن الواجب الفكري الرئيسي اليوم هو نشدان التحرر النسبي من أمثال هذه الضغوط. ومن هنا ـ يتابع ـ تصويري للمثقف (المفكر) في صورة االمنفي، وفي صورة لغة تحاول أن تنطق بالصدق في وجة السلطة).. أي (سلطة) ولو كانت ـ والكلام لي ـ كسلطة بعض أصحابنا المعلقة في الهواء.

يجب أن نتحدث عن قضايانا اليومية الصغيرة .. عن أشواقنا.. آلامنا.. مشاكلنا العائلية.. مشاكلنا مع جندي النقطة أو الطقم كأنسان..الصعوبة في الحصول على كسرة الخبز..ملابس الأولاد..ضمادات الجروح.. فستان العرس..أجرة الباص..قيمة كاسيت لأغنية عن الأنسان.. قيمة بوستر الطفل الباكي ليعلق على حائط المدرسة..الخ..الخ. الآف الأشياء اليومية التي نعصر أرواحنا للحصول عليها نستطيع أن نكتب عنها.. يجب أن ينتج الحراك أدبة وأدباءه الخارجون من رحم المعاناة والوجع اليومي.

اليس من الأجدى أن نترك الكلام الذي عفا علية الزمن. اليس من الأفضل أن يكون للحراك الجنوبي السلمي قاموسه الخاص الذي يتحدث عن الظلم والمأساة كما هما بعيدا عن أناشيد (برع يا أستعمار). نحن الذين كنا نتعشى ونفطر على شعارات الوحدة. نحن الذين سلمنا الجنوب بأختيارنا ولم يجبرنا أحد على ذلك. لذلك فأن الحراك السلمي كان ظاهرة تنم عن شعب حي كان المفروض أن ينتج قاموسه الخاص ولغتة الخاصة.. ليسوا جميعا شياطين ولسنا جميعا ملائكة بل أن شياطيننا أسواء من شياطينهم بكثير. لنتحاور مع الجنود والضباط في الشارع ونقدم لهم الزهور أن أستطعنا ونقول لهم أن مشكلتنا ليست معهم فهم أخوتنا على كل حال، سيتفهمون والأغلبية منهم فاهمين فقط نحن الذين دفعناهم إلى مربع التعصب عندما أعتلى (الثوارجة) صهوة الحراك السلمي وحولوه إلى ظاهره شعاراتية كأنها مزيفة وغير حقيقية لولا الأحساس الصادق والمد المتجدد للجماهير في الميدان.. أن (الثوارجه) الذين طبعوا الحراك بقاموس الستينات ولغته وأناشيده لم يقدموا أي شي لتعزيز ثورة الجماهير وأغلبهم في الخارج بعيدين عن المعاناة الحقيقية للناس وكأن مهمتهم توزيع صكوك الغفران والتخوين وفعلا نجحوا في خلق حراك أفتراضي على النت لا أكثر ولا أقل، هؤلا أستنفذوا كل ما عندهم والأفضل لهم أن يتركوا الناس تنتج خياراتها وتستنبط وسائل نضالها بعيدا عن التهريج الشعاراتي لأن هذا السلوك فعلا مقزز.

علينا أن نمقت الخطاب العنصري. لأن كل مافعلتوه بشعب الجنوب كان من أجل و(حدتكم) أما نحن شعب الجنوب من المهره إلى باب المندب لم يكن لنا في الأمر ناقة ولا جمل ومعظمنا أستقبلناكم في صنعاء كمشردين. تواضعوا وأتركوا شعب الجنوب ليقرر مصيرة بعيدا عن شعاراتكم ولغوكم الكرية.

أعود إلى محمد وأقول لة الصبر فأنت وأمثالك من زهور وبراعم الجنوب ينتظركم مستقبل أجمل بفضل هذه الجماهير التي تضحي من أجل الحرية بسواعدها العارية في الميدان بعيدا عن العنف والتعصب والعنصرية بل من أجل نصرة قضية الأنسان ذاتة في التخلص من هذا الكابوس الذي أثقل زوره ضلوع المتعبين الجوعى الا من الكرامة والأباء.

نوتنجهام

نوفمبر2010م

نقل عن عدن تايمز
مع تحياتي أخوكم :
أنا هو
[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]

[احمد عمر محمد]

تحيه لابن الجبواني , المعصوره كلماته بحب الوطن الجنوب , واعانك واعاننا الله على البعد عن
الوطن .

ولكن اقول كما قال نزار قباني :
كيف لي ان اشتاق للوطن , والوطن يسكن بداخلي .