قائمة الشرف



العودة   منتديات مركز صوت الجنوب العربي (صبر) للحوار > قسم المنتديات الأخبارية و السياسية > المنتدى السياسي

القرآن الكريم - الرئيسية - الناشر - دستور المنتدى - صبر للدراسات - صبر نيوز - صبرالقديم - صبرفي اليوتيوب - سجل الزوار - من نحن - الاتصال بنا - دليل المواقع - قناة عدن

عاجل



آخر المواضيع

آخر 10 مواضيع : الرئيس الزبيدي يلتقي دول مجلس الأمن الخمس في الرياض (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 13001 - الوقت: 03:28 PM - التاريخ: 11-22-2021)           »          لقاء الرئيس الزبيدي بالمبعوث الامريكي بالرياض ١٨ نوفمبر٢٠٢١م (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 4834 - الوقت: 09:12 PM - التاريخ: 11-18-2021)           »          الحرب القادمة ام المعارك (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 9904 - الوقت: 04:32 AM - التاريخ: 11-05-2021)           »          اتجاة الاخوان لمواجهة النخبة الشبوانية في معسكر العلم نهاية لاتفاق الرياض (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 4604 - الوقت: 05:20 AM - التاريخ: 11-02-2021)           »          اقترح تعيين اللواء الركن /صالح علي زنقل محافظ لمحافظة شبوة (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 4423 - الوقت: 02:35 AM - التاريخ: 11-02-2021)           »          ندعو لتقديم الدعم النوعي للقوات الجنوبية لمواجهة قوى الإرهاب (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 4430 - الوقت: 08:52 AM - التاريخ: 10-31-2021)           »          التأهيل والتدريب (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 4373 - الوقت: 04:49 AM - التاريخ: 10-29-2021)           »          الرئيس الزبيدي يجري محادثات مع وفد رفيع المستوى من الاتحاد الأوروبي (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 5000 - الوقت: 12:56 PM - التاريخ: 10-27-2021)           »          تحرير ماتبقى من اراضي الجنوب العربي (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 4528 - الوقت: 02:53 AM - التاريخ: 10-15-2021)           »          الجنوب العربي (الكاتـب : د/عبدالله أحمد بن أحمد - مشاركات : 0 - المشاهدات : 4490 - الوقت: 12:16 AM - التاريخ: 10-15-2021)

 
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع طريقة عرض الموضوع
المشاركة السابقة   المشاركة التالية
  #1  
قديم 09-08-2006, 08:49 AM
الصورة الرمزية صوت الجنوب
المـدير الـعـام
 
تاريخ التسجيل: Dec 2004
المشاركات: 2,259
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي ابوبكر السقاف يكتب عن العلاقة القاتلة بين الوحدة بالحرب والنظام السياسي

2006-09-08
ابوبكر السقاف:صحيفة النداء الأربعاء , 6 سبتمبر 2006 م
* الفدرالية تذكر بوثيقة العهد والاتفاق، التي دمغها الرئيس بالخيانة بعد ان وقع عليها. وتشبيه الاتفاق مع المشترك بها مكر جديد يضمر نية الانقلاب عليه
وحشر كل اعداء الدولة السلطانية في حيز واحد، وهم: الانفصاليون، والملكيون، تمهيداً لحرب يومية ضداً عليهم في السنوات السبع القادمة
* إن ما يزيد القضية تعقيداً أن المعارضة حتى في إطار اللقاء المشترك معارضات، وتلتقي -باستثناء الاشتراكي -عند إنكار وجود قضية اسمها القضية الجنوبية بألف ولام التعريف، وإن كان الإنكار يزيد هنا وينقص هناك، وأضرى صورة نجدها عند السلطة. انها معارضات، لكل واحدة منها حبلها السري الذي يشدها إلى السلطة، وكل الطرق تؤدي إلى القصر، وتختلف تحت تأثير عوامل الجغرافيا السياسية وتواريخ التحالف وروابط «العصبية الجامعة»
الوضع في هذه البلاد، إذا ما وصف بأنه مترد،ٍ فإن هذا القول سيبدو تحسيناً لصورته ومدحاً له؛ فهو، بما يكاد يصبح إجماعاً للعقلاء من الدارسين من جميع الثقافات السائدة في هذا الكوكب، يعاني من أعراض الانهيار الكامل في المستويات كافة. ويكفي أن نوجز فنقول إنه في ذيل كل القوائم التي تصدر عن الأمم المتحدة والهيئات الدولية المعنية برصد أحوال العالم والمؤسسات العلمية، وذلك في ما يتعلق بالتنمية البشرية والحقوق السياسية للمواطنين ودرجة شفافية الإدارة الحكومية، ومكان المرأة والطفل في المجتمع من حيث الحقوق والرعاية وأبجديات مقومات الكرامة الانسانية، واستقلال القضاء وفرص التقاضي في بلد يعج بصراع اجتماعي يذكر بالداروينية الاجتماعية.
وأما حظه من الاستقرار السياسي فإنه يتدنى عاماً بعد عام، وهو دائماً في جوار أليف ومستدام مع أفغانستان والسودان والصومال، رغم أنه لم يشهد حروباً كما شهدت وتشهد هذه البلدان، إلاَّ في العام 1994، وأحداث صعدة الدامية؛ مما يدل على أن هذا الجوار الأليف تمده بأسباب البقاء والاستمرار حرب يومية في حياة الناس. ومعها لا يحق لنا أن نعكس -كما فعل كثيرون- مقولة كلاوزفتز، فنقول إن السياسة استمرار للحرب بوسائل أخرى، ويصدق هذا على كل الذين يحترقون يومياً بهذا الاستمرار، ليس في الجنوب، بل وفي صعدة التي بدأ سكانها يهاجرون إلى بلدان الجوار، هروباً من عفو مفترس هو في حقيقته استمرار للحرب الظالمة التي شنها النظام. ولا شك أن وسواس الشرعية كان من أسباب تلك الحملة الدموية.
وهناك ملمح ثابت مستمر منذ عهد (ج. ع. ي)، وهو الحروب الصغيرة بين القبائل التي تشتعل وتخبو وفقاً لحاجات الدولة السلطانية، التي تمارس عقيدة سياسية مفادها أن تفكيك المجتمع أفضل وسيلة لحكمه، وتنفذها بهذه الحروب الصغيرة تسليحاً وتمويلاً، وإن كان منها ما ينفجر عفوياً بإرادة مستقلة من قبائل ترى أنها مظلومة من قبل القبيلة المناوبة على الحكم. وأما أداتها الجامعة المانعة التي تكللها فإنها الفساد الذي أصبح نظاماً. والفوضى المنظمة مكون أساسي لإدارة الفساد / النظام. إنه أمر يتجاوز «الدولة الرخوة» التي اكتشفها العالم الاقتصادي ميردال في اندونيسيا وفي غيرها من بلدان آسيا في ستينيات القرن الماضي؛ إذ كانت تعني هناك: كثرة القوانين التي لا تنفذ، أما عندنا حيث القانون ليس أساس التعامل والإدارة، لأن العرف يطرده بانتظام من جميع المجالات ليفسح المجال لسريان طاغوت الامتيازات؛ فإن الفوضى المنظمة هي التي تقوم بدوره بامتياز، فهناك آلاف من الأوامر الصارمة الصادرة عن الرئاسة لحل الوزارات والمؤسسات والقضاء. لا تنفذ. وتنشر الصحف سيلاً من هذه الأوامر العليا التي لا ينفذها أحد. وما يفضح هذه الفوضى المنظمة هو أن الأوامر المتعلقة بالامتيازات تنفذ بسرعة قياسية. كما أن القوانين واللوائح تطبق وفقاً لمنطق الامتيازات الصارم، قوانين الأجور، (عفوا: استراتيجية) لا تشمل ابناء المحافظات الجنوبية، وقوانين التقاعد تصل إليهم مثلومة. الناس في هذه الديار ليسو سواسية حتى في أبسط الحقوق، «الناس مقامات» وبالدلالة البدائية التي يصبح معها التمييز والتمايز الطبقي رحمة، لأن من لا يدخل دنيا المقامات منفي خارجها دون حق أو كرامة.
وابتكرت فطانة النظام في الآوانة الأخيرة معركة «دون كيخويتة» جديدة: محاربة الفساد، التي يقوم على تنفيذها الداخلون في تشكيل هرم الفساد من القمة إلى القاعدة، وتحاول الاعلانات أن تقنعنا بأن مشعلي الحرائق هم رجال الاطفاء الشوس.

أعراض الانهيار أفقية ورأسية، فالانقسام الاجتماعي عندنا أقرب إلى التشظي؛ إذ تخترقه عوامل اجتماعية -طبقية، وموروثات مدمرة داخل الجماعات، وتناقضات: الجنوب والشمال، تهامة والجبال، الرعوي والقبيلي. وهو متحد فسيفساء يحتاج إلى ما هو أكثر من حكم رشيد، أي حكمة تضاهي تلك التي نشاهدها في الصين وماليزيا.
إن النظام القائم يضاعف عوامل التشظي. وما دامت ثنائية «الوحدة والنظام» مطروحة منذ نهاية حرب العام 1994 فإن قصر ضرورة الاصلاح والتغيير على أحدهما، وهما توأمان سياسيان، لن ينقذهما؛ فلا بد من إصلاحهما معاً وإلا هلكا معاً. إن تصور أن إصلاح احدهما كافٍ، يبدو تفضيلاً تفرضه أسباب ذاتية أكثر مما هو محاولة للاقتراب من الشروط الموضوعية للاصلاح. إن التعقيد الذي داهم الوحدة بعد الحرب ألغى وحدة قائمة وخلق أخرى جديدة كل الجدة في شروط الواقع وفي النفوس والعقول، فمن الواضح أن طرفي الوحدة لما ينضجا لاستقبالها، ولا يؤكد هذه الحقيقة الطريقة الفوقية التي تمت بها، بل الحرب أم الأدلة وأقصى درجات الفشل حربها التي جاءت بعدها. إنها تمثل عجز العقل والارادة معاً. وأصبحنا في وضع ملتبس، بل شديد الالتباس؛ حيث يؤدي النظام إلى الوحدة، وتقود الوحدة القائمة إلى النظام، وهو جديد لم تلده الوحدة الأولى، وتنكره أشد انكار، سواءً قياساً على حقيقة الوحدة، أم على الوحدة المعيارية التي يزعم كل طرف أنه يمثلها. كما أن أسس البلاد تتمثل في أن الحرب ألغت براعم الديمقراطية التي وجدت قبلها، وكانت براعم مرهقة؛ إذ بدلاً من أن تساعدها شروط نمو على الحياة والايناع، وظفت لتكون وسيلة صراع وساحة قتال، ومن الطبيعي أن تذوي في صقيع الحرب، وتلد بعد حين نقيضها: الحكم المطلق، ولاية العهد. نسينا في تلك السنوات -وما نزال سادرين في النسيان- أن أول شرط للديمقراطية: الوحدة الوطنية، والإنسجام الوطني. فلا توجد يومنا هذا ديمقراطية قامت وتطورت واستقرت في بلد لا يملك هذه الوحدة وهذا الانسجام، منذ القرن السابع عشر حتى اليوم.
صنع نظاما الجنوب والشمال الوحدة على صورتهما إذ اقتصر دور الجمهور على التصفيق. قام بالأمر ممثلو دولتين تسلطيتين، كل واحدة منهما سلطانية جديدة على طريقتها، وهي في الشمال أقرب إلى الصورة القديمة، بينما تسربلت في الجنوب بطبيعة ستالينية وإن تميز حكمها بالقرب من العصر بحكم تطور الادارة والنظام الموروث من الاستعمار الذي مارس الجنوبيون معه عملية مثاقفة ناجحة، واحتفظوا بجوانب ايجابية فيه.
اننا نفتقد الوحدة والإنسجام بعد الحرب بصورة حادة، واصبحت مقدمات خلقهما اكثر صعوبة من أي وقت مضى. إن الحرب وإن بدا أنها تحل المشاكل بسرعة إلاَّ أنها تخلق مشاكلها الخاصة، وكثيراً ما تزرع بذور حرب جديدة، أو نزاع جديد؛ لا سيما إذا جاء النظام المنتصر دون مستوى التاريخ، أي يمثل الماضي، وليس المستقبل. فالاستقرار الذي تمتعت به الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب، يعود إلى أنموذج التطور الرأسمالي الذي مثَّله الشمال. بينما كان الجنوب بزراعته وقوانينه العبودية عائقاً أمام تطور البلاد. وبعد نحو قرن بدأ التحرر الحقيقي للامريكان الأفارقة، ولنقل بإيجاز هنا إن الصورة في تجربة الوحدة عندنا معكوسة.
إن الدولة السلطانية مرفوضة جملة وتفصيلاً من قبل كل اليمنيين، لا سيما بعد مشروع ولاية العهد. ولم يحلم الجنوبيون يوماً أن يستبدلوا بسلاطينهم سلطاناً غريباً يكرههم ولا يباهي إلا بقبيلته(1) وهو واحد داخل قبيلة صغيرة تنتمي إلى أقلية سكانية كانت تكون نحو ربع سكان البلاد يسكنون ربع مساحتها (ج. ع. ي). إن القبيلة ليست أصل التاريخ كما تتوهم الذهنية القبيلة نفسها، بل هي إحدى نتائجه، التي تجاوزها من رام التحضر وسعى إليه. وهذا ما أدركه بوعي عصري عميق الراحل الحبيب بورقيبة: «كان علينا أن نتخلص من الحياة القبلية التي كانت تعبث بالبلاد والتي باذكائها روح العشيرة تتنافى مع بنيان حضارة حقيقية، إذ لا حضارة إلا للشعوب الحضرية». من الواضح أن الحبيب أدرك أن وعياً تاريخياً مطابقاً للعصر هو دائماً مدخل لمشروع نهضة.
إن قذف سؤال الوحدة اللغز في وجه من يرى أن هناك قضية جنوبية، ينطوي على انكار وجود هذه القضية، مع أن الواقع يؤكد أنها موجودة، وصاحب السؤال ينطلق من أن الاصلاح الوحيد المطلوب إنما هو النظام وليس الوحدة، مع أن العطب والعطن قد سرى فيهما معاً، ولذا يبدو منطلقاً من موقع النظام القائم، ولنقل: من تفكير السلطة، وإن رفع عبقريته معارضاً، فهو ينطلق من إعفائها من كل مسؤولية عن ما لحق بالوحدة على يدها مع الحرب وبعدها، ويبقى النظام الذي يمكن أن نصلحه أو نرممه ونشارك فيه. إن صاحب السؤال يذهب أبعد من ذلك، إذ ينكر على الوضع البائس في الجنوب أن يكون متميزاً ولو بالبؤس والإذلال والشقاء الذي يسد كل آفاقه، باسم لاهوت سياسي يعض بالنواجذ على الوحدة القائمة. «المشاكل التي تعاني منها المحافظات الجنوبية ليست بعيدة عن معاناة المحافظات الشمالية، وهل هي قضية النظام أم هي قضية الوحدة؟»(محمد عبدالملك المتوكل، الأيام، 27/7/2006 ص5).
وهنا اتهام ضمني لمن يتوجه إليهم بالحديث بأنهم يرفضون الوحدة. وهذه النظرة إلى القضية الجنوبية قديمة أفصح عنها الزميل في صورة أشد تطرفا وجموحاً؛ فقد أرجع حديث الجنوبيين عن ويلات ما بعد الحرب 1994 إلى إدمان القات. فبعد أن كتب محقاً: «هذه المشاعر جزء آخر من مأساة الحرب»، أضاف على الفور: «ولا شك أن لشجرة الزقوم -حبشي أو يمني- اثراً سيئاً في طريقة تفكيرنا وتناولنا للأمور وتصرفنا في الحكم». إن صيغة الجمع والاشارة إلى الحكم لا تخفي فجاجة الوصف الذي أطلق على حديث الجنوبيين عن أحوالهم بعد الحرب (راجع ان شئت: محمد عبدالملك المتوكل، حوارات في المهجر وخمس اسر زيدية،الوحدوي،18/8/1998).
هذه خفة لا تراعي مقتضى الحال، في تعريف قديم للجاحظ، ولم تظفر لا بالبلاغة ولا بالتعاطف الوجداني مع قوم كانوا قريبي العهد بنار الحرب. ولا أدري كيف استطاع اختزال سياق سياسي وتاريخي واجتماعي مثقل بكل قتامة الحرب ودمارها، إلى عامل فيزيولوجي ناتج عن إدمان القات. إن تفكير الجنوبيين، في إطار هذا «الفهم»، ليس إلاَّ خدارة قات، كما يقول الاخوة في الشمال. ولن أطيل فقد فصلت في مقال بعنوان «أقنعة الطائفية السبعة» وحاولت أن أرجع هذا الفهم إلى أصول الفكر السياسي الزيدي وسياسة الدولة الزيدية منذ أيام الهادي واستمراره في الممارسة الفكرية والسياسية قبل وبعد العام 1962.
«ليست بعيدة»، تقدير وإن كان غير صحيح أفضل من الحديث عن شياطين شجرة الزقوم. وما طرحه الزميل في السؤال السابق صرح به في إجابته على سؤال لصحيفة «الثوري» قبيل مؤتمر الاشتراكي الأخير عن رأيه في البرنامج المطروح فأجاب بأن المسألة إنما هي إصلاح النظام ولا داعي لطرح قضية إصلاح مسار الوحدة.
إن المقلق حقاً هو ما يثيره هذا الانكار العنيد لوجود قضية جنوبية ليس من قبل السلطة، بل والمعارضة، إذ يصعب تصور وحدة متخيلة تجمع الناس جميعاً مع تمكن هذا الرفض من عقول بعضنا، أقول متخيلة وفقاً لرأي طرحه منذ الثمانينات أحد الكتاب الغربيين (بندكت اندرسون في كتابه «الجماعات المتخيلة») أي أن الوحدة تتحق وهم يمرون معاً بتجربة مشتركة يشعرون بالتوحد بها حتى وإن كانت سباقاً للدرجات في جولة حول البلاد. في السياق النفسي والعقلي القائم في هذه البلاد هل نستطيع أن نظفر بصورة لجماعة متخيلة، ونحن على هذه الدرجة من الاختلاف الحاد في النظر إلى القضايا الأساسية في واقعنا وإلى بعضنا؟
إن ما يزيد القضية تعقيداً أن المعارضة حتى في إطار اللقاء المشترك معارضات، وتلتقي -باستثناء الاشتراكي -عند إنكار وجود قضية اسمها القضية الجنوبية بألف ولام التعريف، وإن كان الإنكار يزيد هنا وينقص هناك، وأضرى صورة نجدها عند السلطة.
انها معارضات، لكل واحدة منها حبلها السري الذي يشدها إلى السلطة، وكل الطرق تؤدي إلى القصر، وتختلف تحت تأثير عوامل الجغرافيا السياسية وتواريخ التحالف وروابط «العصبية الجامعة»(2)، وكلها تواقة إلى المشاركة بنصيب في السلطة أو إعادة صوغ شروط التقاسم، ولكن لا أحد يريد تغيير بنية الدولة السلطانية، لأنها الوعاء المناسب للمشاركة أو التقاسم؛ واستمرار الوحدة. ومن هنا خلا برنامج المشترك من المطلب المحوري الذي يقرر نوع النظام السياسي في البلاد، من حيث انتمائه إلى الدولة العسكرية -السلطانية، أو إلى العصر الحديث ودولته المدنية.
الدولة السلطانية القائمة نقيض الدولة المدنية، والسياسة المدنية بعقلانيتها وعصريتها وأول شروطها: حاكم مدني، رئيس مدني لا يمكنه بالتعريف أن يجمع بين قيادة القوات المسلحة والأمن ورئاسة الدولة. هذه قضية القضايا. هي السؤال المزمن الذي تطرحه السياسة في كل بلد الحكم فيه للسيد الإنقلاب. يبدأ التحضر -بدلالته العميقة وكذلك العصرية- مع الدولة المدنية وسياستها. إن الجمع بين الرئاستين استمرار عصري لديناصور قديم إسمه: «دولة الجُند» و«إمارة الاستيلاء» والدولة السلطانية. وهذه الطبعة الأخيرة هي التي ورثناها من عصر الانحطاط العربي / الاسلامي، ولا نزال في مستنقعه، فنحن لم نزحزح، رغم المظاهر الديكورية، أية مؤسسة قديمة أو علاقة حقوقية قديمة أو تصوراً قديماً للدولة. لأن الانقلابات العسكرية ألغت بدايات التحديث العصري الذي أطل على العرب في عشرينيات القرن الماضي بدأت بالدستور ثم القضاء والاحزاب، واستولى العسكر على عرش الحكم والتفكير والافتاء. فخبت جذوة التفكير في مجتمعات اصبح التفكير في السياسة فيها خيانة كاملة الأركان. وهذا سر وصف الزعيم بأنه ملهم، أي إن علمه «لدني» خارق للمألوف. هذه الدولة تنتهي بالسقوط المدوي لتضع الناس أمام سؤال البداية. والمفاضلة في إطار هذه الدولة بين النظام البرلماني والرئاسي تجنب للسؤال عن مصدر السلطة والمرجعية والسيادة العليا.
وإذا كان القدماء قد سوغوا إمارة الاستيلاء بأن «السلطان الغشوم خير من فتنة تدوم» أي صيانة وحدة الأمة والخلافة، بعد إقرارهم بأنها مناقضة للخلافة التي أصبح الظفر بها مستحيلاً، فإن تخريج الراحل ميشيل عفلق للفكرة نفسها جاءت في ما أسماه: «القائد الضرورة»(3).
ان الفكر السياسي عندنا لم يقطع صلته بما قبل الحداثة، لأسباب تكوينية واجتماعية وسياسية وثقافية، ولضعف وعي وتنظيم ممثلي القوى الجديدة في المجتمع. فالاصلاح مثلاً لا يستطيع ولا يريد وليس قادراً باجنحته: الاخوانية والسلفية والقبيلية، أن ينطلق من معارضة تقرر القطيعة مع البنية السياسية والاجتماعية القائمة، بسبب ثقل المصالح المشتركة المحكومة باعتماد الإصلاح والنظام القائم على قاعدة اجتماعية تكاد تكون متطابقة، وما يشوب هذه القاعدة من ممثلي القوى الجديدة -الحديثة؛ فإن سمتها الأساسية -من حيث وعي الذات- أنها لا تبدو قادرة على تمثيل نفسها، فتقوم الجهات المسيطرة بتمثيلها، وهذه تقرر مصير السياسة. «والمصالح العليا»، هاتان الكلمتان كانتا الاجابة المقتضبة على سؤال طرحه مراسل إذاعة «مونت كارلو» على الأحمر الأب، في ذروة الاتهامات المتبادلة قبيل إجراء انتخابات العام 1997: كيف تشاركون في الانتخابات رغم أنها مزورة؟!
كان الهدف الأول من تلك الانتخابات إضفاء شرعية على نتائج الحرب، بما فيها التعديلات الدستورية وإلغاء قضية الجنوب من جدول أعمال السياسة. ولا يزال هذا المسعى التاريخي للدولة السلطانية قائماً، والاصلاح يعرف هذا جيداً. ويصعب في هذا السياق تصديق ان «الكل متحمس بمن فيهم الاصلاح -بصراحة- الذي كان شريكاً في الحرب وشاعراً بالخطأ، بل على العكس عنده احساس بأنه لازم يكفر عن الخطأ الذي فعله وقد أعلنوا ذلك صراحة»(محمد عبدالملك المتوكل،المصدر نفسه(الأيام)27/7/2006م).
ولم يقرأ أحد في صحف الاصلاح شيئاً عن مثل هذا الندم في حدود علمي، بل إن احد مقار الاشتراكي التي احتلها الإصلاح الغازي أعيد إليه قبل بضعة أشهر. فكم عمر التوبة؟ وهل هي نصوح؟ وهل نسخ فتوى التكفير التي جعلت الحرب غزوا لدار كفر (الجنوب) وهي على أية حال لا تزال دار اضطهاد حتى يحررها ابناؤها وبناتها؟!
يريد الاصلاح إقامة الخلافة. وهذه نقطة انطلاق جميع حركات الاسلام السياسي السنية والشيعية(4) وهذا الهدف معيار المعايير كافة عندهم جميعاً. والتوبة -وإن تقية- ستفسد مشروع الخلافة، التي لا يطوى لها علم.
إن المغالطة المقصودة أو العفوية في سؤال الوحدة اللاهوتي تهب من أفق تصور الناس للوحدة المعيارية التي يتوق إليها المسلمون منذ الفتنة الكبرى، ومقتل الشهيد عثمان وهو يقرأ القرآن. فكل ظلم يصبر عليه باسمها، ويهرب الناس من التعدد لأنه إختلاف يؤدي إلى الفتنة. حتى أن مفكراً ليبرالياً رائداً مثل طه حسين ذم الفرقة التي حدثت في صفوف المسلمين في ذلك العهد، مع أن ابجدية الليبرالية الحرية والاختلاف. وكان هذا جزءاً من مرحلة ما بعد «في الشعر الجاهلي».
لا يتحدث أحد عن الوحدة المعيارية الغائبة بل عن هذه التي تأكل الحرث والنسل، هذا التنين النهم الذي لا يشبع مثل بئر لا قرار لها.
أضرى وأخبث ما في هذه الوحدة القائمة انها تدمر -بمنهجية «نظرية الإذلال»- مركز الثقل في الشخصية الانسانية، أي الكرامة، التي لا يستقيم أي أمر في غيابها، يستوي في هذا: المواطن/الوطن، الدستور / القوانين. وليس مصادفة البتة أن المادة الأولى في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان هي الكرامة، ومن هذا المبدأ يستخرج الدستور الألماني كل الحقوق، من التقاضي أمام المحكمة الفيدرالية العليا حتى حق التعويض إذا ما بنت الدولة مطاراً قرب منزل مواطن/ مواطنين.
«والنقمة هذه أوصلت الناس في الجنوب إلى أن يروا أبناء الشمال من مسؤولين وغير مسؤولين كل النعم تذهب إليهم ونحن بقينا بدون وظائف ودون مال ودون حياة سوية ودون عدالة. العدالة انتهت تماماً، وهذا ما دفعنا جميعاً إلى أن نقول: يجب أن ننفصل، الانفصال ليس جريمة إذا كانت له مبررات قوية.. أنا مثلاً مهندس مدني إنشائي كانت لي صولات وجولات قبل الوحدة من خلال وظيفتي وكنت اشعر بارتياح كبير وبالغ جداً باننا موظف ولي كرامتي ولي حقوقي كاملة؛ ولكن بعد الوحدة على طول وبعد الحرب اضمحل دخلي وشعرت بغبن وباننا انسان مضطهد وأننا انسان غير مطلوب في هذا البلد فإذا كان هذا شعوري؟! وشعور آخرين كغريم في الجنوب، فما تنتظر مني؟! أن أبارك الوحدة؟! أو أقول مشارك بقوة في الانتخابات؟! لا، هذا شيء لا يرضاه الله ولا رسوله»(محمد شفيق، المصدر السابق).
هذا كلام «مفرد بصيغة الجمع» وصاحبه صادق عندما يتحدث باسم الجميع: الناس، والماضي والحاضر والمستقبل المنشود. إن المهندس شعر بأنه خارج دائرة الكرامة التي عاش فيها وهو مثل وطنه غير مطلوب إلا ليكون موضوع حكم غريب ظالم، عينه على ثروات الارض والبحر والموقع. هذه صراحة وشجاعة، وكلتاهما من شيم أهل عدن، فليسوا ماهرين في الحديث الاعتباطي المزدوج. إذا حرمت الانسان - الفرد والجماعة- من الكرامة فلن تستطيع أن تهبه شيئاً يمت إلى الخيرات والطيبات المادية والروحية. الصولات والجولات تعبير عفوي شفهي جميل مفهوم في سياق الشخصية المدنية بأريحيتها وطلاقتها. كان الرجل يشعر أنه كل شيء إذ به يكاد يكون لا شيء، لولا أنه يعتصم داخل رفضه الشجاع للأمر الواقع فيصون كرامته. قال الفيلسوف هوبس: «إن ظهور القيمة التي نتبادلها ونسميها الاحترام، تعني اننا إذا ما قدرنا شخصاً تقديراً عالياً أننا نحترمه وإذا ما تدنى هذا التقدير فذلك يعني اننا لا نحترمه. بيد أن التقدير العالي والمتدني يجب ان يفهم مقارنة بتلك القيمة التي يراها الانسان في نفسه»(5). ومن يستطيع الحديث عن الاخوة داخل شروط العبودية عبد زنيم، وهو لغة: اللئيم الملتحق بقوم ليس منهم ولا يحتاجون إليه، الذي هجاه القرآن.
إن أهداف «نظرية الإذلال» قديماً وحديثاً تتلخص في حط قدر الانسان في نظر نفسه. وهذا ما لم تنجزه هذه النظرية التي تمارسها السلطة بلا كلل في الجنوب.
سؤال الوحدة والنظام يذكر بحكاية البيضة والدجاجة، البيزنطية، التي لا تزال شهرتها قائمة رغم أن علوم الاحياء ونظرية التطور تعرف أين البداية ومنذ زمن طويل.
إن الوحدة التي تحميها السلطة بالحراب تقود إلى نظامها، كما أن نظامها الذي يجسد الدولة السلطانية يقود إلى وحدتها، هما شيء واحد. وهناك سؤال يضاهيه في الزيف. كان كل نقد للدولة الاشتراكية في روسيا أو غيرها يواجه بإجابة كسول ومزهوة بنفسها: إن الخطأ في التطبيق وليس في النظرية. مع أن الفحص الفكري والتاريخي الدقيق قد أثبت منذ زمن طويل قبل سقوط دول «رأسمالية الدولة» أن الخطأ الأساسي في النظرية والتطبيق معاً.يكفي أن نذكر من حشو من الاسماء الأوروبية والروسية المفكر الاقتصادي والعربي سمير أمين، فقد ظل يعالج هذا السؤال على امتداد ثلاثين عاماً ومن زوايا متنوعة. فالنظرية التي مورست كانت استجابة لسؤال ملح: كيف يمكن تصنيع روسيا والنجاة من طوق الرأسمالية الأوروبية المتقدمة التي تملك مرتكزات في اقتصاد روسيا القيصرية؟ باختصار: كيف يمكن انقاذ الوطن روسيا الأم وليس بناء الاشتراكية والممارسة العملية السياسية كانت استمراراً للميراث القيصري الامبراطوري في صورة الاتحاد السوفييتي حيث الحاكم مالك (خازاين في الروسية) يشبه في جوانب عدة السلطان في الدولة السلطانية العربية الاسلامية. ولعل هذا الملمح من أسباب سلاسة التعامل بين عوامل أخرى، بين عبدالناصر وحكام روسيا وبعد ذلك مع طبعة فاشية ودموية من السلطان: صدام، والقذافي.. وهناك في آسيا وأفريقيا أمثلة أخرى. ولأسباب كثيرة سقطت القلعة من داخلها وكان الخارج عاملاً مساعداً فقط(6).
__________________
رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:50 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
الحقوق محفوظة لدى منتديات مركز صوت الجنوب العربي (صبر) للحوار 2004-2012م

ما ينشر يعبر عن وجهة نظر الكاتب أو المصدر و لا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة