عدن والجنوب .. لا بد من مراجعة (الحلقة الأولى) ( بقلم : ناصر قحطان )

[ابن المعلا]

أثار السجال الذي أحدثته تلميحات قيادي جنوبي في الخارج بأن الفائزين بإنتخابات حزب جنوبي في الخارج أيضاً إنما هم شماليين لا ينتمون لعدن, ذلك الجدل العتيق حول الهوية العدنية وعلاقة عدن بالمحميات (الجنوب). كما أثار الرد عليه من ناشط جنوبي آخر في الخارج بأن هؤلاء العدنيين هم من صمدوا أمام دبابات الإحتلال في الوقت التي كانت دبابات (الإخوة) أيضاً تدك عدن كعادتها, أثار نفس الجدل. إذ يآخذ الكثير من الجنوبيين على أبناء عدن عدم مشاركتهم في فعاليات الحراك بنفس (درجة) مشاركة أبناء مناطق الجنوب الأخرى. وذلك على الرغم من الإختلاف في حجم الهامش المتوفر في جميع مناطق الجنوب ذات الطابع القبلي غالباً وبين عدن ذات الطابع المدني.

وفي نفس الوقت فأن هناك أصوات أخرى تقول أن لا يوجد ما يسمى ب"العدنيين" أصلاً وأن كل ما في الأمر أن سكان عدن هم بين أكثرية شمالية أستوطنت عدن منذ عقود وربما قرون وبين أقلية جنوبية أستوطنتها أيضاً. وهنا يبدأ الجدل التاريخي حول الهوية العدنية. فكون أن أبناء عدن بأغلبيتهم شماليين فهذا يعفيهم ويعفي عدن من المشاركة في الفعاليات الجنوبية. ويعفي عدن من أي إلتزام وطني بالإنضمام للدولة الجنوبية القادمة. فهم بتشكيكهم بهوية أبناء عدن إنما يجعلون من عدن Enclave شمالي تحده أراضي جنوبية كمحافظة مسندم العُمانية التي تحيط بها الإمارات من جميع الجهات وكامبيوني الإيطالية الواقعة بالكامل داخل الأراضي السويسرية والأمثلة كثيرة.


أن تكرار الخطاب الإقصائي الذي بدأ بعد 1967 بأنه لا يوجد شيء إسمه عدني وأن الهوية العدنية مكونة من شماليين هاجروا إلى عدن يسقط كذلك عن عدن أي إلتزام أخلاقي للإنضمام للدولة الجنوبية القادمة كما أن القول بأن أبناء عدن إنما هم جنوبيين هاجروا إليها من مختلف مناطق الجنوب يسقط من عدن اللوم بأن أبناءها لا يشاركون في الفعاليات بنفس (الدرجة) إذ أن اللوم هنا يقع على أبناء المناطق الجنوبية المقيمين في عدن. على الجنوبي أن يقرر, هل عدن منطقة شمالية عميلة للشمال أم هي منطقة جنوبية مكونة من جميع أبناء الجنوب أم هي منطقة عدنية الهوية ولكنها متخاذلة. أم أن كل ما في الأمر أن عدن مدينة يفرض عليها الحكم القمعي قيود أكثر من تلك المفروضة على المناطق الريفية القبلية وبالتالي فعلى الجنوبي أن يبدأ بخطاب المراجعة مع عدن التي يتم تخوينها منذ ما بعد 1967. أن من سخريات القدر أن نفس الخطاب الإقصائي والإنكاري الذي مورس ضد عدن وأبناءها من النظام الحاكم في الجنوب ما بعد 1967 مورس ضد أبناء الجنوب من قبل النظام الحاكم في صنعاء ما بعد 1994. فلا يوجد "هوية جنوبية" ولا يوجد شيء إسمه "جنوب" وكلهم -حسب صنعاء- بين قبائل يمنية أو بين هنود وصومال وما أشبه الليلة بالبارحة.


في المقابل, هناك في عدن من المنتميين إلى فترة ما قبل 1967 من يقول بأن أبناء المحميات-المحافظات الجنوبية إنما ساهموا في ما بعد 1967 بتأصيل الخطاب الإقصائي الذي يمارس ضدهم اليوم. فهم عندما جاءوا عدن من الأرياف فيما بعد 1967 وجدوا فيها طبقتين إجتماعيتين, واحدة عدنية, مدنية, تأثرت بإنفتاح عدن على العالم فأختلفت بعض الشيء عن الجنوبي الريفي القادم من مشيخات وسلطنات بعاداته وموروثه السياسي والإجتماعي وطبقة أخرى من العمال -الشماليين في أغلبيتهم- اللذين طرأوا على عدن كعمالة بسبب الإنفتاح الإقتصادي الذي حصل فيها. فقام الثوار الجدد بإستبدال العدني بالشمالي المقيم في عدن الأقرب إليهم من العدني المدني أو ما وصف عبثاً بالبرجوازي. وبلغت درجة هذا الإستبدال حدوث مالم يحدث في أي مكان في العالم وهو تولي رئاسة البلد شخص لم يلد فيها إنما طرأ عليها لفترة من الزمن. عبدالفتاح إسماعيل الشمالي مولداً ونشأة. حصلت مرحلة من الإقصاء المتعمد والإحلال الممنهج للعدني المدني بالآخر الشمالي المستوطن أو الريفي القادم مع الثورة. تبرر كل تلك الممارسات اليوم أنها كانت لحماية الثورة ضد المحتل البريطاني وتناسى المبررون بأن الثائر الحاكم إنما هو من تفاوض مع المحتل على إنسحاب دون إلتزامات بدلاً عن إنسحاب مجدول وبإلتزامات, ووافق المحتل عن طيب خاطر وبدون أي تعويضات يدفعها فهو كان منسحب على كل حال. فمن الخائف على الجنوب هنا وومن ومن ماذا أصلاً؟


أن ما يكرره المحتلين الشماليين اليوم بأن الجنوب العربي والهوية الجنوبية إنما هما صنيعة الإنجليز هو نسخة معدلة لما كرره القادمون إلى عدن مع الثورة بعد 1967 أن الهوية العدنية إنما هي هوية أخترعها الإنجليز أيضاً. كما أن ما يمارسه الشماليين اليوم من إيقاف للعسكريين والمدنيين الجنوبيين عن العمل وإحلالهم بشماليين أو بجنوبيين قادمين مع "الشرعية" إنما هو جريمة بحق الجنوب وبحق إستقراره الإجتماعي. المتضررين الرئيسيين من هذا الإقصاء هم أبناء مناطق جنوبية, إخوة لنا لا نضمر لهم سوءاً. ولكن, ألم يقصى الموظفين المدنيين والعسكريين العدنيين فيما بعد 1967 وأستبدلوا تخويناً بآخر شمالي طارئ أو جنوبي قادم إلى عدن مع "الثورة"؟ ألم يسجن العقيد عبدالهادي شهاب في بئر من قبل قيادي قادم من الريف لم يكن يفك الخط؟. إخوتي, لن يستقيم الحال ولن تلتئم الجراح حتى نراجع تاريخنا. نعم كلنا بنا نفس الألم لكن لابد أن يشعر كل منا بألم الآخر. العدني -على سبيل المثال- يشعر بنفس الحزن والحنين الغاضب على إلغاء طيران اليمدا الذي يشعر به أبناء الجنوب. لكن, هل يشعر أبناء الجنوب بحزن العدني وغضبه على إلغاء طيران إيدن إيرويز والإستيلاء عليها من ملاكها الأصليين؟. قال لي أحدهم مرة أن هناك فرق, فإيدن إيرويز تأسست تحت ظل الإحتلال الإنجليزي, تبسمت وأنا أحاول البحث عن كلمة أصف فيها التأثير السوفيتي في الجنوب بعد 1967 والتي تأسست في ظله اليمدا. طمست كل ملامح الجنوب بعد 1994 وطمست كل ملامح عدن بعد 1967 تحت ذات المبررات الواهية. ولظلم ذو القربى أشد مضاضة. أن المراجعة والمكاشفة وفي هذه الوقت بالذات هي السبيل الوحيد لرص الصفوف.


يتبع



[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]