القرآن الكريم - الرئيسية - الناشر - دستور المنتدى - صبر للدراسات - صبر نيوز - صبرالقديم - صبرفي اليوتيوب - سجل الزوار - من نحن - الاتصال بنا - دليل المواقع - قناة عدن
عاجل |
الجزيرة مباشر | الجزيرة | العربية | روسيا اليوم | بي بي سي | الحرة | فرانس 24 | المياديين | العالم | سكاي نيوز | عدن لايف |
آخر المواضيع |
#1
|
||||
|
||||
عدن القطب المغناطيسي1951
يعد الأديب والصحفي الفرنسي فيليب سوبو أحد أشهر الشعراء/الرحّالة في القرن العشرين. وقد أسهم، بين سنة 1918 وسنة 1920، وبشكل فعّال، في الحركة الدادية وذلك قبل أن يضع، هو وأندره بريتون ولويس أراجون، اللبنات الأولى للسريالية وينشروا معاً بياناتها الحماسية ويؤسسوا مجلة Litterature. لكن فيليب سوبو لم يلبث أن ابتعد عن أصدقائه السرياليين الذين اتهموه بعدم الالتزام السياسي والولع بالرواية إذ إنه نشر بين سنة 1923 وسنة 1928 خمس روايات. وفي سنة 1926، غادر فيليب سوبو باريس و بدأ سلسلة طويلة من الرحلات عبر العالم أراد أن يكون من خلالها شاهداً على عصره. ففي كتابه "رحلة إلى الاتحاد السوفييتي" 1930، قدّم وصفاً دقيقاً لمظاهر الحياة الجديدة هناك. وظلّ في الوقت نفسه يهتم بالشعر والشعراء حيث ألّف ديوانين وثلاث دراسات عن لوتريامون ووليام بليك وأندره بريتون. وستظل "الحقول المغناطيسية"- الديوان الذي مارس فيه سوبو وبريتون الكتابة التلقائية écriture automatique- معلماً بارزاً في تاريخ الشعر الحديث. في ما يأتي ترجمة للصفحات التي كتبها سوبو عن عدن إثر زيارته لها سنة 1951. من الطائرة التي كانت تدور في السماء في انتظار الحصول على تصريح الهبوط، لمحت عـدن محاطة ببراكينها الساكنة. كان باستطاعتي أن أتبيّن من فوق حيوية ميناء عدن: أسطول من سفن الحمول الضخمة وقد ارتصت بمحاذاة الأرصفة، مخازن الوقود الكبيرة التي تشبه أكواماً من الفطريات الملتصقة بعضها ببعض، وكذلك الملاّحات الشاسعة التي تلمع في الأفق وقد تناثرت وسطها الطواحين الهوائية، وحركة السيارات الداخلة والخارجة دون انقطاع كأنّها شجيرة لبلاب متسلقة. وعندما انحرفت الطائرة لتبدأ عملية الهبوط استطعت أن ألمح تحتي الرجال كالنمل وهم يتجهون نحو أرصفة الميناء، ومراكب وقوارب آلية لا تختلف عن الأحياء المائية الضخمة وهي تدور حول البواخر الكبيرة التي بدت بمصابيحها ونوافذها المضاءة وكأنها تقيم عرساً. قيل لي - لكني لم أكن لأصدّق قبل مجيئي إلى هنا- إن عدن الواقعة على حافة الصحراء العربية قد غدت أحد أهم مراكز التوزيع في العالم: فالسفن القادمة من أوروبا باتجاه الشرق الأقصى واستراليا وجزر أوقيانيا والهند تتوقف جميعها في عدن لسد حاجتها من الوقود. ويمكننا بالفعل أن نشاهد في الميناء السفن العملاقة والمركب الشراعية وناقلات النفط وهي تشق طريقها كالثعالب باتجاه محطات خزن الوقود. لهذا يمكننا التأكيد أنّ عدن تسيطر على حركة التجارة المنتعشة بين البحر الأحمر والمحيط الهندي مثلما يسيطر جبل طارق على حركة الملاحة بين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسّط. عند وصول البريطانيين إلى عدن، سنة 1839، كان من الصعب التنبؤ بحجم التطور الكبير الذي أحدثه حفر قناة السويس في اقتصاد العالم. فقبل مائة سنة كان البحر الأحمر خليجاً مغلقاً لا تمر في مياهه إلاّ المراكب الشراعية، وكانت عدن بلدة صغيرة تقطنها خمس مائة نسمة من العرب. وقد سعت الحكومة البريطانية إلى احتلالها لتجعلها دعامة لها في طريق الهند. ومن ذلك الحين، وبالتحديد بعد افتتاح قناة السويس، أصبحت عدن أحد أنشط الموانئ في العالم. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار الصهاريج التاريخية الضخمة التي لا تزال قائمة في عدن يمكننا القول إن هذه المدينة كانت مهمة أيضاً في الماضي. حطّت الطائرة في مدرج شاسع شُيِّد بين الجبال البركانية والبحر وتحيط به المعسكرات التابعة للقوات الجوية الملكية. في تلك اللحظات كان سربٌ من الطائرات العسكرية يتأهب للإقلاع للقيام ببعض التمرينات الليلية. غادرت المطار بسرعة واتجهت نحو المدينة. ولكني لم استطع العثور علي غرفة في أي فندق. في تلك الليلة لم استطع النوم فوق سرير إلاّ بفضل لطف خمسة من المسافرين الذين قبلوا أن أشاركهم غرفتهم. وكي يفسروا لي هذا النقص الحاد في الغرف أكدوا أن المدينة تكبر وتتسع بسرعة فائقة وأنّ عدداً كبيراً من الخطوط الجوية تمر في عدن، ومن الصعب بناء عدد من الفنادق يكفي لإيواء المسافرين الذين يرتفع عددهم باستمرار. في صباح اليوم التالي، خرجت لزيارة الحي التجاري [الهلال] في منطقة التواهي حيث يقع الفندق المكتظ بالمسافرين الذي تمكنت أخيراً من الحصول على غرفة فيه. وسط الهلال تقع عيناك على حديقة صغيرة مستديرة، وهي أحد الأماكن الخضراء النادرة في هذه المستعمرة. لقد نمت الأعشاب والأشجار الاستوائية والإنجليزية حول تمثال الملكة فكتوريا. أمّا حول الحديقة فقد ارتصت الدكاكين في شكل قوس يمكن استخدامه سوقاً ومتنزه. وفي الواجهات يبرز كل ما يمكن أن يغري السائح؛ فالتسهيلات الجمركية في عدن تسمح للتجار باستيراد معظم أنواع السلع الموجودة في العالم. في الشارع : حشود ملونة من البشر تمشي الهوينى: عرب بعمائمهم، هنود بكوافيهم الصوفية السوداء، يهود بطرابيشهم الحمراء، صومال بلون الأبنوس وقد بدوا في مآزرهم المخططة الفاقعة الألوان وعصيهم الطويلة في غاية الأناقة، ويمنيون وقد غطّى وجوههم غبار الفحم، وبعض الإنجليز الذين يشبهون، في سراويلهم الكاكية القصيرة، صبية عمالقة. فجأة دبّت في تلك الحشود المرقشة حركة هائجة و - بالنسبة إلي- غامضة وقد ذكّرتني تلك الحالة التي تنتاب أبطال الأفلام الحديثة : أرباب الدكاكين والباعة الجوالون والمرشدون وسائقو سيارات الأجرة وكذلك السماسرة المشبوهون أخذوا يتأهبون بحماس كبير لحدث ما وقد علت وجوههم ابتسامات عريضة. وبعد لحظات تبيّن لي مصدر هذا الاستنفار العام: ركاب سفينة ضخمة تابعة لخطوط الشرق الأقصى على وشك النزول لقضاء بضع ساعات في عدن. التجار من مختلف الجنسيات كانوا مستعدين تماماً لإغواء هؤلاء المسافرين الذين انتفخت جيوبهم بالأوراق النقدية بعد برهة من الزمن بدأ الفوج الأول من المسافرين يتزاحم في الدكاكين المضاءة بالأنوار الكهربائية في وضح النهار. جميعهم تقريباً كانوا مسلحين بآلات تصوير وقبعات عريضة: رجال بيض يصحبون نساء يلبسن سراويل قصيرة وأطفالاً مشاكسين مدفوعين بإشارات التجار الهائجين وصبيتهم الذين يصرخون بأعلى أصواتهم، أخذوا جميعهم يشترون أشياء غريبة وغير مفيدة وذلك رغبةً في إشباع لذة الشراء فقط. ولمست أن التجار في عدن يدخلون في منازلات أشد وطيساً من تلك المعارك التجارية التي نشاهدها في أسواق الأعياد عندنا، فعجلة المشتريين هنا تتناسب وشراهة الباعة. في أثناء فترة إقامتي في منطقة التواهي، تفرجت عدة مرات على هذا المشهد الذي يتكرر ثلاث مرات على الأقل أسبوعيا. وفي الواقع، بفضل نشاط الميناء يعيش ليس التجار ومساعدوهم فقط، بل جميع الثمانين ألف نسمة التي تقطن عدن اليوم: العرب الذين يأتون من داخل الجزيرة العربية، اليهود الذين يفرون من غضب المسلمين، الهنود الذين يأتون للتجارة، والأفريقيون الذين يغادرون السواحل الصومالية -حيث البطالة- للبحث عن عمل، والبيض الذين يستقرون ردحاً من الزمن وسط هذه الجبال البركانية القاحلة كي يديروا شريان التجارة ويراقبوه من هذه البقعة من العالم. التعديل الأخير تم بواسطة شعيفان ; 07-16-2005 الساعة 05:41 PM |
«
الموضوع السابق
|
الموضوع التالي
»
أدوات الموضوع | |
طريقة عرض الموضوع | تقييم هذا الموضوع |
|
|
الساعة الآن 10:41 AM.