بلاد سبــــأ الواردة في قصة الهدهد هل كانت في جنوب الجزيرة حقــاً أم كانت في شمالها ؟

[شعيفان]

فيما يلي مجموعة آيات يسرد لنا القرآن الكريم فيها حادثة النبي سليمان عليه السلام مع الهدهد في سورة النمل [ 20 : 44 ] وفيها إرساله عليه السلام كتاباً الى ملكة سبأ بعد قصة الهدهد المعروفة

إرسال النبي سليمان عليه السلام كتاباً وهو في فلسطين الى قوم سبأ ( لو كان المقصود بهم بلاد سبأ في جنوب الجزيرة العربية ) لايستقيم مع كون عالمية الدعوة وعموميتها خاصة بالرسول الأعظم محمد عليه الصلاة والسلام ومع بيان القرآن الكريم في مواضع أخرى انه مامن أمة الا وفيها نذير كما في قوله تعالى :


{ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله }
[النحل:36].


وقوله صلى الله عليم وسلم : ( أُعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر وجُعِلت لي الارض مسجدا وطهورا وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث الى قومه خاصة وبعثت الى الناس عامة )


فظاهر حادثة إرسال الكتاب من النبي سليمان عليه السلام إلى بلاد سبأ لايتوافق ظاهرياً مع كل من النصين الكريمين السابقين اللذين يدلان على أنه مامن قوم إلا وأرسل الله إليهم رسولاً او نبياً وهو مايستوجب وجود نذير غير النبي سليمان عليه السلام لقوم سبأ في جنوب الجزيرة العربية وهم الذين بالتأكيد ليسوا من قومه , كما لا يستقيم مع كون (عالمية الدعوة ) أمر خاص بخاتم الأنبياء والمرسلين في حين كان يرسل كل نبي الى قومه ومن المعلوم أن قوم نبي الله سليمان لم يكونوا في بلاد سبأ بجنوب الجزيرة العربية فكيف يمكن الجمع بين هذه النصوص إذن ؟

تعارض ظاهر النصوص الكريمة قد يزول فيما لو صح ماجاء في بعض الكتابات التاريخية عن وجود مستوطنات سبئية ذات صبغة تجارية في شمال الجزيرة العربية أقامها عرب جنوب الجزيرة لأغراض التجارة وبخاصة بعد مماحكات الآشوريين لهم في القرن السابع قبل الميلاد وقد يؤيده حديث بعض المؤرخين الذي يشير إلى أن النساء اللاتي حملن إسم ( بلقيس ) في قمة الهرم السبئي كنَّ في الأرجح أكثر من ثلاث نساء لعل رابعهن هي التي عاصرت فترة النبي سليمان عليه السلام وهي نفسها التي كانت في شمال الجزيرة العربية في بعض مدن الشام بحسب ماسبق الإشارة إليه

أمام هذا الذي تقدم فإن اعتبار بلاد سبأ الواردة في حادثة الهدهد التي وثقها القرآن الكريم بأنها هي الواقعة في جنوب الجزيرة العربية أمر لايمكن الجزم به فضلاً عن أن النصوص القرآنية الكريمة والنبوية الشريفة تشيران إلى ترجيح كون المقصود ببلاد سبأ انما هي إحدى المستعمرات السبئية التي أقامها النازحون من جنوب الجزيرة إلى شمالها تماماً مثلما أقاموا مدناً أخرى في أصقاع كثيرة من المنطقة حملت أسماء كبرائهم أو قبائلهم أو أسماء مناطقهم ومساقط رؤوسهم وبالتالي فإن التمسك بكون المقصود انما هي بلاد سبأ الواقعة في جنوب الجزيرة سيتطلب ( من القائلين به ) مايفك الاشتباك الظاهري على الأقل بين خصوصية كل نبي ودعوته إلى قومه فقط عدا خاتم المرسلين وبين إرسال النبي سليمان عليه السلام كتاباً إلى جنوب الجزيرة وهو في شمالها !!