القرآن الكريم - الرئيسية - الناشر - دستور المنتدى - صبر للدراسات - صبر نيوز - صبرالقديم - صبرفي اليوتيوب - سجل الزوار - من نحن - الاتصال بنا - دليل المواقع - قناة عدن
عاجل |
الجزيرة مباشر | الجزيرة | العربية | روسيا اليوم | بي بي سي | الحرة | فرانس 24 | المياديين | العالم | سكاي نيوز | عدن لايف |
آخر المواضيع |
|
#1
|
|||
|
|||
المواطنية والحكم الديمقراطي الرشيد !!!
المواطنية والحكم الديمقراطي الرشيد
بقلم رالف كِتشام يتمعن الكاتب في نموذجين للمواطنية: واحد حافزه المصلحة الذاتية والآخر يدفعه هاجس الصالح العام. يقول كِتشام: إن نموذج الاهتمام بالصالح العام يتطلب من المواطنين الذين لديهم مصالح خاصة أن يملكوا أيضاً ويعدلوا إدراكاً للصالح العام". رالف كِتشام هو أستاذ فخري في التاريخ والشؤون العامة والعلوم السياسية في كلية ماكسويل للمواطنية والشؤون العامة في جامعة سيراكيوز بولاية نيويورك. في حلقة دراسية نظمت أخيراًً في جامعة أميركية، طُلب من مشاركٍ من فيتنام الردّ على وجهة نظر عالم السياسة، روبرت دال، حول الديمقراطية، بأنها "يجب أن تبقى على الدوام مستجيبة للناس،" الذين "يملكون الحرية في تطوير واستخدام وسائل سلمية لانتقاد القيادات والضغط عليها واستبدالها". وتكون القيادات، وفقاً لتحليل دال، مُجبرة على الالتفات إلى آراء وحاجات الناس المختلفة والاستجابة لها، والتي يكون قد تمّ التعبير عنها ليس عن طريق المؤسسات التمثيلية وحسب، بل أيضاً عبر جميع الطرق السلمية الأخرى، كالعرائض والتظاهرات والضغط ومناصرة قضايا معينة، المتوفرة في المجتمع الحر الليبرالي. أعضاء أميريكورز (الفيالق الأميركية)، الذين يتطوعون للعمل طيلة عام لخدمة المجتمعات المحلية في الولايات المتحدة، خلال اجتماع حاشد في بوسطن بولاية مساتشوستس في تشرين الأول/أكتوبر، 2001. (باتريشا ماكدونيل، أسوشييتد بريس) ساهم عالم السياسة، جون مولّر، في النقاش فشرح أن مسؤوليات المواطنية قليلة جداً. قال: "الديمقراطية شيء سهل حقا، أي غبّي يستطيع أن يؤديها... ليس من الضروري أن يكون الناس صالحين أو نبلاء، بل يكفي أن يتوصلوا إلى معرفة مصالحهم الشخصية، وأن يقوموا، إن شعروا بدافع إلى ذلك، بالإعراب عنها". ويكفي المواطنين الديمقراطيين، الذين يكونون بوجه عام لا مبالين ويهتمون بمصالحهم الذاتية، أن يكونوا قادرين على تقييم الواقع والتوصل إلى معرفة مصلحتهم ليقوموا بواجباتهم. فالرغبة في السعي وراء المثل العليا، والسعي إلى الصالح العام، أو غير ذلك من مجالات النبل، تكون، لحسن الحظ، غير ضرورية بنفس القدر الذي تكون فيه معدومة إلى حد كبير في الدوافع الإنسانية. فكيف يجيب الطالب الفيتنامي؟ هل يرى هذا المفهوم للديمقراطية والمواطنية، الذي كثيراً ما يتم تمجيده بأنه يعمل بنجاح في الولايات المتحدة وفي غيرها من الديمقراطيات "الناضجة"، كمثال لبلاده؟ يجيب قائلا: "لا مطلقاً"، شارحاً ردّه بعبارات تردد مفهوماً أغنى وأقوى للمواطنية، وتفهماً للديمقراطية يتخطى بكثير التشديد الإجرائي في النموذج الذي لا يرغب بأن يكون له أي حصة فيه. كانت فكرة المواطنية في ذهنه مفعمة إلى حد أكبر بحب العمل للمصلحة العامة، وترتكز إلى تقييم مختلف للقدرة الإنسانية في التفكير والعمل المتأنّي مع وضع الهواجس العامة نصب العينين. كانت فكرته تفترض أيضاً أن الحكم الديمقراطي قد يعمل إلى حد أكبر بالطرق "الصالحة والنبيلة" التي تزدريها الفكرة القائلة أن الديمقراطية "سهلة بالحقيقة"، وأنها لا تتطلب بالتالي أكثر من إمكانية وصول الجميع إلى مصلحتهم الذاتية في نموذج مواطنية قائم على تضارب المصالح أو سياسات حسب الهوية. وتطلب نموذج المواطنية الأكثر اهتماماً بخدمة الصالح العام الذهاب إلى أبعد بكثير من النشاطات الساعية إلى المصلحة الذاتية على أنواعها، من الانتخابات والتنظيم وتشكيل مجموعات ضغط والتظاهر والانضمام إلى الأحزاب وإلى مجموعات المصالح الخاصة. ويجب انتظار مثل هذه النشاطات من قبل أعضاء المجتمع الحر، وبالطبع، يجب عدم منعها. وهي تُعبّر عما سماه المنظر السياسي البريطاني "هارولد لاسكي" (1893-1950) "تشكيلة الإرادات الإنسانية المنيعة التي لا يمكن طمسها؛... تعددية في الإرادات التي لا يجمع بينها هدف مشترك." وقد أشار الرئيس الأميركي جيمس ماديسون (1751-1863) إلى أن "الأسباب المستترة" لهذه التعددية في الإرادات، والتي تقود، إلى "الأحزاب"، ما هي إلاّ "ظاهرة منغرسة في طبيعة الإنسان، ويمكننا رؤيتها في كل مكان بدرجات مختلفة من النشاط طًبقاً للظروف المختلفة للمجتمع المدني". وهكذا، يتم تشجيع الناس المختلفين في المجتمع الحر على التعبير الذاتي والإبداع والسعي وراء السعادة والنجاح. وتنجم فوائد سياسية، كذلك، عن المصالح المختلفة (وكلما زاد عددها كلما كان ذلك أفضل) التي يُفرض عليها التفاعل والتراضي مع بعضها البعض بطرق تحول دون السيطرة المستبدة لحزب أو حتى لتحالف واحد من الأحزاب: نِعم المجتمع الحر الشمولي المتنوع المنفتح والعادل. لكن بالنسبة للطالب الفيتنامي، وبالنسبة لماديسون كذلك، لم يكن هذا الأمر خاطئاً ولا من الواجب حظره، بل ولا حتى عدم تشجيعه، وإنما كان غير مكتمل، كما لم يكن بالحقيقة ينم عن مواطنية ولا حتى عن حكومة ذات مغزى تعمل بموافقة جميع مواطنيها. إن المواطنية تتطلب في الأساس ما كان يفهمه التفكير الجمهوري المدني في القرن الثامن عشر على أنه الفضيلة السياسية الأساسية الوحيدة: أن يبقى في ذهن المشاركين في الحكم، من القادة أو عامة الناس، إن كان على المستوى القومي أو المحلي، اهتمام بالصالح العام، جزئياً على الأقل، بدلاً من مجرد السعي وراء غايات متحيزة فئوية أو أنانية. كان الجسم السياسي يتطلب، كي يكون المرء مواطناً، النظر من هذا المنظور العام الذي يذهب إلى أبعد من المصلحة الذاتية أو مصلحة المجموعة، وإلى أبعد من حق السعي وراء المصالح الخاصة، والتي كانوا، بالطبع، وبصفتهم سكان مجتمع حرّ، يتمتعون بها أيضاً. "الوظيفة المزدوجة" للمواطن استندت المصلحة العامة، إلى حد ما، إلى الاهتمام بعامة الناس، وإلى قدرة كل مواطن، كما أبلغ "فوكوزاوا يوكيشي" أبناء بلده اليابان في عصر ميجي (1868 - 1911) عندما كانت الدولة تسعى إلى فهم الديمقراطية الغربية، على القيام "بوظيفة مزدوجة". وبالطبع، كما كان يفرض دوماً على الرعايا الصالحين في تلك المملكة (اليابانية) ، كان على "المواطنين الجدد" إطاعة القوانين واتباع عادات البلاد، إلا أنهم، بوصفهم مواطنين، كانوا يشغلون أيضاً منصباً كمشاركين في نظام الحكم. وكان هذا يتطلب، كما قال "فوكوزاوا" لطلابه في جامعة كيئيو، أن تُنمّوا "روحاً استقلالية"، وتهتموا بالشؤون العامة، وتشاركوا كمناقشين وناخبين ومنظمين ورسميين في أعمال الدولة العامة. كان عليهم بالتالي "التخطيط... للقيام بجهد لصالح البلد، وكتابة أفكاركم ونشرها بين الجمهور... وأن تكونوا متحمسين للعمل لأجل بلدكم". وقبل كل شيء، كان عليهم "أن تكتسبوا القدرة على التوصل إلى الحكم الصائب" لتأدية وظيفتهم كمواطنين. ورغم أنه مر حوالي قرن قبل أن يسعى نظام الحكم في اليابان إلى تبني هذه المبادئ، إلا أنه من الواضح أن ما كان يفكر به "فوكوزاوا" كان منصب مواطنية أغنى بكثير من "مواطنية الحد الأدنى" التي يتطلبها نموذج تعارض المصالح الآخذ في الهيمنة في الغرب. كان في ذهن "بنجامين فرانكلين" نفس المفهوم تقريباً عندما قال أمام المؤتمر الدستوري سنة 1787، عندما كان ينظر الأخير في اقتراح لحصر "حق التصويت بأصحاب الملكية العقارية المطلقة"، أن العامل الرئيسي الذي يجب أن يؤخذ في الحسبان في ما يتعلق بأهلية التصويت هو "فضيلة وحب العمل للمصلحة لدى عامة أفراد شعبنا." وكان بالتالي متشككاً إزاء شرط تقييد التصويت بشرط الملكية العقارية المطلقة لأن الكثير ممن لا ينطبق عليهم ذلك الشرط قد يتصفون بالفضيلة وروح الخدمة العامة. فأبناء المزارعين الذين لا يملكون الأراضي والجنود الذين حاربوا بروح وطنية في الثورة الأميركية والحرفيون والتجار سوف يكونون، على سبيل المثال، على الأرجح ناخبين ومواطنين مسؤولين. وشرح مندوب آخر "أن كل إنسان يملك أدلة على ارتباطه بالمجتمع ووجود مصلحة مشتركة دائمة تربطه بالمجتمع يستحق أن يشارك في كل حقوقه وامتيازاته". ولاحظ أن امتلاك الثروة والأملاك مؤشرين هزيلين على التحلي بهذه الفضيلة الأساسية. وأكثر من ذلك، إن تجربة المشاركة في الحكم، خاصة على المستوى المحلي، من شأنها على الأرجح أن توسع روح الخدمة العامة وحب العمل لمصلحة المجتمع لدى الناس العاديين وأن تكون بالتالي نوعاً من التدريب لكي يصبح الإنسان مواطناً صالحاً. وقال فرانكلين إنه يكره "كل شيء يميل إلى الحط من روح عامة الشعب"، واعتبر أن حرمانهم من حق التصويت سوف يؤدي إلى ذلك، (لاحظ أيضاً أن أياً من معايير فوكوزاوا أو فرانكلين لم تكن تستبعد النساء أو العبيد أو السود أو من هم في سن الثامنة عشرة أو الانجلو أميركيين، الذين كانوا جميعاً بشكل عام محرومين من حق التصويت ومن المواطنية الكاملة في أميركا القرن الثامن عشر، وذلك عندما يصبح مفهوماً أن تلك الفئات تملك صفات الذكاء والمنطق والقدرة السياسية التي لم يكن يعترف لهم بها في مفهوم القرن الثامن عشر. وكانت المواطنية الكاملة تصبح منطبقة إلزامياً، وفق الأيديولوجية الجمهورية لفرانكلين وتوماس جفرسون والمؤسسيين الآخرين للولايات المتحدة، مع تغيّر الفهم الأنثروبولوجي والثقافي للعرق والجنس في القرون اللاحقة. فكل توسيع لحق التصويت حصل خلال القرنين التاليين ومنحه للسود والنساء والعبيد السابقين ولمن هم في الثامنة عشرة من العمر (وفي بريطانيا للكاثوليك)، حصل عندما تم في نهاية الأمر إدراك كون هذه الفئات، التي كانت تعتبر سابقاً على أنها لا تمتلك الذكاء والنضج السياسي المطلوبين، تمتلك تلك القدرات.) وقد ثبّت الالتفات إلى صفات المواطنية الأساسية هذه، بالطبع، أسساً منطقية للحكم الديمقراطي مختلفة إلى حد كبير عن تلك التي استدامت في نموذج تضارب المصالح المتطلب حداً أدنى من المواطنية. فقد عالج الفكرتين المثاليتين الرئيسيتين في إعلان الاستقلال الأميركي (1776): أن الجميع خلقوا متساوين ويملكون حقوقاً لا تقبل المساومة حولها، وأن الحكومات تستمد "سلطاتها العادلة من موافقة المحكومين". وينص إعلان الاستقلال أيضاً على أن "الحيف والاغتصاب دون حق" الأول الذي ارتكبه ملك بريطانيا العظمى كان "رفضه منح موافقته على القوانين الأكثر فائدة وضرورة للصالح العام". بمعنى آخر، أن جزءاً أساسياً من الجسم السياسي المحكوم ذاتياً هو أن المواطنين يجب أن يكونوا، بصورة ما، قادرين على إعطاء موافقتهم والتعبير عن قبولهم المتروي للمصادقة على إجراءات نظام الحكم، وأن العدالة تقتضي أنه لا يمكن لأي سلطة أن تقف عائقاً بين هذه الموافقة وسن القوانين "المفيدة والضرورية للصالح العام". فبدون هذه المشاركة النشيطة والبناءة، سوف يُنظر إلى المواطنين، كما فسّر ذلك "بريكليس" قبل ألفي عام في أثينا، "ليس على أنه لا طموح لديهم بل على أنه لا فائدة منهم". أي أنه لا يمكن لأي إنسان غبي القيام بذلك؛ فأهالي أثينا "قادرون على تكوين الرأي وبدلاً من النظر إلى النقاش على أنه حجر عثرة في طريق العمل [مُجّرد فئات متصارعة] نعتقد أنه يُشكّل مقدمة لا غنى عنها لأي عمل حكيم." وللمحافظة على بقاء هذا المثال الأعلى للمواطنية، سوف يكون من الضروري معالجة العديد من نواحي الحياة إن كان للحكم الذاتي أن يكون نظام حكم رشيدا. فكيف يمكن أن يكون الأمر كذلك؟ أولاً، يجب أن يكون نظام الحكم متحرراًً من كل سيطرة أجنبية أو اضطهاد داخلي؛ من هنا انبثقت الطاقة التي أشعلت مئات الثورات ضد الطغيان عبر الزمن وحول العالم. لكن حتى عندما يتم "النجاح" في قهر الطاغية (البيوريتانيون الانكليز وكروموال سنة 1649؛ الشيوعيون الروس ولينين في 1917-1921؛ هو شي مين سنة 1953 و1975؛ وبشكل آخر، حتى السلاح الأميركي ضد صدام حسين سنة 2003, الخ…)، تبقى هناك مشكلة تحقيق هدف حكم ذاتي رشيد. وقد أشار الدبلوماسي الأميركي "جورج كينان"، سنة 1993، إلى أن من بين الأضرار العديدة التي ألحقها النظام السوفياتي بروسيا، كان الضرر الأسوأ "كونه ترك، عندما رحل، شعباً هزيل الأهلية [لاحظ العبارة] لدرجة يصعب عليه معها استبداله (أي استبدال ذلك النظام) بشيء أفضل". وقد ظل الاهتمام الهائل الذي حظيت به هذه المسألة الصعبة الاستثنائية المثقلة بالاحتمالات وما كتب عنها، في صميم المناقشات حول المواطنية والمجتمع المدني والحكم الرشيد، على الأقل منذ زمن بريكليس وأرسطو، بما في ذلك، على الأخص في الولايات المتحدة، من مخاوف "فرانكلين" سنة 1787، مروراً بهواجس "ألكسي دو توكفيل" بشأن حكم الأكثرية في الثلاثينات من القرن التاسع عشر، وحجج ما بعد النظرية الداروينية التي جادل بها العلماء من أن جميع أنظمة الحكم هي مُجّرد مجموعات مصالح ذاتية تناضل في سبيل تولي السلطة، وصولاً إلى الهواجس المعاصرة حول وجود أو خلق "الرأسمال الاجتماعي". إذاً، مرة أخرى، ما هي العادات، ما هي الذهنية، ما هي المؤسسات التي سوف تغذي "الفضيلة وروح الخدمة العامة" الحيوية بالنسبة لمجموعات المواطنين في الديمقراطيات الطموحة "الانتقالية" والناضجة على حد سواء؟ تعليم المواطنية لقد كان الداعون إلى الحكم الرشيد من أفلاطون وأرسطوطاليس وكونفوشيوس وإيرازموس إلى جون لوك وتوماس جفرسون وهوراس مان وجون ديووي وفاكلاف هافل جميعاً معلمين وكتاباً وفلاسفة في التربية منكبون على التأكد من أن الذين سيحكمون سيكونون جاهزين لتلك المهمة المتطلبة براعة وعناية فائقتين وروح الخدمة العامة والتساوق الأخلاقي. وكلهم يجادلون أيضاً بأن حكم غير المؤهلين بما فيه الكفاية يقود إلى أنظمة الحكم السيئة، بغض النظر عن عدد من يتولون الحكم. ويتوصل تحليل أرسطوطاليس الكلاسيكي إلى أن حكم الفرد الواحد، أو القليل من الناس، أو العديد منهم قد يكون جيداً كما في الأنظمة الملكية أو الأرستقراطية أو أنظمة الحكم الدستوري الجيدة، أو قد يكون سيئاً بنفس القدر الذي يكون فيه الطغيان، أو حكم القلة (الأوليغاركية)، أو الحكم الديمقراطي (ويعني فيها حكم الرعاع تحت سيطرة الديماغوجية) سيئاً. والتمييز ليس في عدد الذين يحكمون بل إلى أي حد يحكمون جيداً. وتصبح المشكلة أكثر تعقيداً، إلى حد ما، ولكن ليس أقل أهمية، عندما يتعاظم عدد الحاكمين من فرد واحد أو بعض الأفراد إلى أكبر عدد، أي جميع المواطنين كما في الأنظمة الديمقراطية. وقد اقترح توماس جفرسون، أحد واضعي إعلان الاستقلال والرئيس الأميركي الثالث، سنة 1776، أنه يجب أن يكون في ولاية فرجينيا، الولاية المستقلة حديثاً وذات الحكم الذاتي، نظام تعليم عام (وحتى شامل) ليصبح الجميع "مؤهلين لفهم حقوقهم والحفاظ عليها وممارسة دورهم في الحكم الذاتي عن معرفة". وأشار المربّي الأميركي، هوراس مان، إلى الشيء نفسه سنة 1848 عندما قال إن على الجميع دفع الضرائب لدعم المدارس الرسمية "لأن هيمنة الجهل العام والمعتقدات الخرافية والرذائل، سوف تولّد الهمجية والتخريب العام في الداخل وهذا الأمر أكثر خطورة (في الديمقراطية) على المصلحة العامة من أي همجية أو تخريب من الخارج". وقد نشر جون ديوي في حياته المهنية الطويلة، في النصف الأول من القرن العشرين، التي ربطت الديمقراطية بالتعليم والتي سعت إلى تحويل المدارس الأميركية إلى "مختبرات للديمقراطية" حيث يمارس الطلاب و "يتعلمون بالممارسة" مواقف ومهارات الحكومات الديمقراطية، نشر الفكرة ذاتها: إن الحكم الذاتي، على أي مستوى كان، لن يعمل بشكل جيد ولن يؤدي إلى نتائج جيدة (للمصلحة العامة) إلاّ إذا كان الذين يمارسونه، الوافدون من الخارج أو المولودون في البلاد، قد تلقوا تعليماً (جذبهم واستقطبهم) للقيام بهذه المسؤولية. وهكذا فإن نظاماً من الجامعات والمدارس الحكومية و/أو الخاصة مع مقررات دراسية موجهة بتأنٍ بحيث تكون متناسقة مع تشجيع المواطنية المسؤولة والقيادة التي تخدم الصالح العام، ضروري لقيام أنظمة الحكم الديمقراطية الجيدة. وقد بدت هذه المعادلة في الواقع، في بعض المجتمعات الآسيوية بنوع خاص، محورية إلى حد جعلها تفكر بأنه من الضروري إرجاء الممارسات الديمقراطية ومشاركة الناس في الحكم إلى اليوم الذي يصبح فيه الجميع مدربين على القراءة والكتابة ومتناغمين مع سبل الحكم عن طريق النقاش العام. وبعد ذلك يصبح من المنطقي منحهم ذلك الحق؛ إذ يكونون قد أصبحوا مواطنين مؤهلين لا رعايا مطيعين كما كان دورهم التقليدي. وقد أظهرت كل من كوريا الجنوبية وماليزيا، وحتى الصين، تقديمها لهذه الأولوية في مقاربتها للحكم الذاتي، كما فعلت اليابان في أوائل عهد تفكيرها باعتماد النظام الديمقراطي. المواطن المسؤول في ختام دراسة حول أفكار وحياة فاكلاف هافل المهنية، الرئيس السابق للجمهورية التشيكية، أعاد بول برمان سنة 1997إلى الأذهان قول هافل إنه رغم كثرة الحديث عن حقوق الإنسان والقوانين والدساتير والمنظمات غير الحكومية، فان العديد من البلدان "تخفق رغم ذلك في تحقيق الكثير من الديمقراطية. وما هو سبب ذلك؟" يقول برمان، مستمداً قوله من هافل، "لأن الديمقراطية تتطلب نوعاً معيناً من المواطنين. إنها تتطلب مواطنين يشعرون بأنهم مسؤولون عن شيء يتعدى زاويتهم الصغيرة المريحة؛ مواطنين يريدون المشاركة في شؤون المجتمع ويُصرّون على ذلك؛ مواطنين من أصحاب الإرادة القوية؛ مواطنين يؤمنون بأفكارهم عن الديمقراطية على أعمق مستوى" (وهذا ما عناه "بريكليس" عندما وصف المواطنين غير الناشطين بأنهم "لا فائدة منهم".) و"النوع المُعيّن من المواطنين" المطلوب لنظام الحكم الديمقراطي الجيد هو الذي يمتلك صفات شخصية تستند إلى الأخلاق والذي يهتم بالصالح العام، الأمر الذي يقود إلى السلوك الفاضل الذي يخدم المصلحة العامة على كافة مستويات الخطاب الاجتماعي، بما في ذلك الأسرة والشؤون المحلية والمسؤولية القومية والاهتمام بإحلال السلام والعدالة في جميع أنحاء العالم. إذن، بدا أن هذه الفكرة مثالية مستحيلة لا تتوافق مع الطبيعة البشرية، فأنها قد لا تكون أقل واقعية من الافتراض بأن كل شيء سوف يسير نحو الأفضل عندما يُسمح بكل بساطة للمصالح الذاتية الشمولية المتباينة بأن تتصادم من خلال نموذج تضارب المصالح والحد الأدنى من المواطنية في الحياة العامة. وعلاوة على ذلك، يتطلب النموذج المستند إلى حب العمل للمصلحة العامة أن يمتلك المواطنون الذين لديهم مصالح خاصة إدراكاً للصالح العام واهتماماً به. كما يفترض هذا النموذج أن بعض المصلحة الذاتية يشكل جزءاً ثابتاً من الحياة البشرية وسوف يكون دائماً موجوداً بدرجة ما في السلوك البشري، لكن هذه صفة يجب تقييدها أو ضبطها وليس الاحتفاء بها، في الحياة العامة والخاصة أيضا. ويتقبل هذا النموذج أيضاً أن بعض البشر يحققون هذا التقييد والتكييف بشكل أفضل من غيرهم (الأمثلة على هذا التنوع كثيرة طبعاً في تواريخ جميع الشعوب)، وأنه يمكن أن يكون للعادات الاجتماعية والدين والقيم الثقافية والتعليم تأثير هام بالنسبة لكيفية عمل هذا الأمر في أي مجتمع كان. ويمكن لمزيج يجمع بين تأثير القيم العائلية والرأسمال الاجتماعي وممارسات الوسائل الإعلامية والمدارس والقيادات السياسية أن يؤثر على نوعية الحياة العامة في أي دولة، ويمكن الشعور بالتأثير المفيد، من حيث روح الخدمة العامة، بصورة مصغرة في أي وقت أو أي مكان كلما تحلى مواطن بهذه الروح وتصرف على أساسها. تقديم ونقل!!! د نبض عدن |
«
الموضوع السابق
|
الموضوع التالي
»
|
|
الساعة الآن 08:41 PM.