أراد الدكتور الحالمي من خلال هذه المبادرة أن يبرئ ذمته أمام الله وأمام الوطن ، وأنا كمعقّب على المبادرة بعد قراءتي لها إنما يخالجني الشعور ذاته ، ويملي على قلمي مفردات هذا الرد عموم الغاية نفسها فأقول :
لكل مرحلةٍ سماتها ومعطياتها ، وعلينا أن نتفهم خصائص المرحلة التي نعيشها في ظل حراك سلمي يتربص به المحتل ، ويسعى لإلحاق الشتات بعناصره ، من خلال منع المسيرات الإحتجاجية ، وملاحقة نشطاء الحراك ، حرصاً منه على طمس كافة مظاهر الثورة الجنوبية ، واقتلاع جذور القضية التي باتت تشغل حيزاً في الواقع لم يكن يتوقعه المحتل ، بعد أن بذل ما في وسعه لاستقطاب مجموعة من قادة الجنوب ، وما زال يسوّق غزله المغري لشراء ذمم الكثيرين من الأوفياء لوطنهم الغالي .
إن العنصر البشري كما تعلمون هو المرتكز للحراك السلمي ، وعندما نتحدث عن هذا العنصر فإننا نقصد ذلك المواطن البسيط الذي لا يمتلك من الثقافة الشيء الكثير ، كل ما يدخل في دائرة اهتمامهِ هو أن هذا المحتل انتزع منه حقه في العيش الكريم ، وأنه بات لزاماً عليه حمل الحجر إذا عزّت البندقية لمقاومة هذا الظلم ، ويرى أن أولى الأولويات مقارعة المحتل الذي لا يمكن له أن يسلّم بدون العنف المنظم ، وإذاً فأي مبادرات خارج مفهوم المقاومة تظل عبارة عن تنظير لفترة زمنية لم يحن أوانها بعد ، وهي وإن فرضت نفسها بالضرورة كإطار تنظيمي يحدد ملامح النهج المستقبلي ، لكنها لا تلغي دور المرحلة الراهنة ، ولا تحل محل النضال الذي بطبيعته لن يستمر سلمياً في حال جابهته السلطة بأدوات قمعها ، واستمر مسلسل القتل العمد لمتظاهري المسيرات السلمية ، في ظل غياب محاسبتنا لعملاء النظام المكلفين بتنفيذ الإغتيالات بدمٍ بارد .
إن حصول الجنوب على استقلاله الثاني ، وخلاصهِ من مستعمرٍ شرس ، يرى في استيلائه على ثروات الجنوب مغنماً دونه الموت ، يتطلب وضع آلية للكفاح المسلح على غرار ما كانت تقوم به الجبهة القومية ضد الإستعمار البريطاني – حرب عصابات – وتأطير جميع المقاتلين في تنظيم يتبنى القيام بواجبات العمل الثوري المسلح ، كونها اللغة الوحيدة التي يتعاطى معها المستحمر وأعوانه ، ولا يفهم لغةً سواها .
وربما كان تنظيماً واحداً وليكن ( تنظيم ثوار الجنوب العربي ) كافٍ للتواجد على الساحة في الوقت الراهن ، كون الهدف الأساسي هو التحرير ، ومن يرى غير هذه الوجهة فهو بحاجة إلى إعادة النظر في حساباته ، وبالتالي لا شيء يشغل أبناء الجنوب سوى طرد المحتل من بلادهم ، وبناء دولتهم المستقلة ، وبسط سيادتهم على كامل تراب الوطن الغالي ، أما المحتل فيرى في " الجنوب العربي " رمزاً للتلاحم المضاد ، ومن هنا تتضح معالم طرفي الصراع ، ولا أرى جدوى في أن يكون " كل حزبٍ بما لديهم فرحون " وبدلاً من إضمار العداء للمحتل تنشأ أحقاداً بين المكونات الحزبية ذاتها ويتنافسون في استقطاب الموالين لهم ، وتنشأ تجاذبات على حساب الهدف المشترك ، وربما خدمت المحتل بشكل مباشر أو غير مباشر ، فتركيبة المواطن البسيط لا يمكن مقارنتها بالتركيبة اللبنانية من حيث تعدد الأحزاب بحكم عوامل الثقافة ، والدين ، والعرق ، والمذهبية والطائفية ، علاوةً على توفر الأسلحة في شوارع الجنوب كميزة تزيدالأمر تفاقماً في هذه المعادلة .
وإذاً فأي تنظيم في الجنوب لا يضع في حسبانه المقاومة وما يترتب عليها من استحقاقات ، فهو إنما يغرد خارج سرب الجماهير ، وتطلعاتها لنيل حقوقها المسلوبة .
وقبل أن أختم لا يفوتني الإشارة إلى مسمى التنظيم ( نوح ) الذي اقترحه الدكتور الحالمي فأقول بأن الإسم في حد ذاته غير مستساغ مع احترامي الشديد للدكتور فهو – الإسم – يوحي بالنواح ، ولا يتناسب مع إصرار الجنوبيين على المضي بعزيمة وتصميم وليس ببكاء ونواح .
وتبقى هذه المبادرة ذات قيمة عالية من الجانب النظري ، ورؤيا سياسية جديرة بالتداول ، مثلما أن طبيعة الصراع على الساحة يتجه نحو المواجهة ، ويحتم علينا وضع البدائل للعمل السلمي .
تحياتي
طائر الاشجان
|