مهفوف
11-11-2007, 10:43 PM
عيدروس النقيب:الخطوط الحمراء مفهوم مخابراتي مفخخ
التاريخ : Sunday, November 11, 2007
الوقت : 05:59
الجزء الاول :
أخبار الساعة: الاوضاع تتفاقم في الجنوب والجماهير الشعبية زادت من حجم تحركها من خلال المهرجانات والاعتصامات ومؤتمرات المصالحة وآخرها ماحصل في مديرية المفلحي يافع؟كيف تنظرون للاوضاع في الجنوب وهل هي مقدمة للانفصال والتراجع عن خيار الوحدة؟
د/عيدروس : إذا كنت تتحدث عن الحركة الاحتجاجية الوضع في الجنوب فإنا أرى أنها ليست سوى نتاج طبيعي لسياسة أقل ما يمكن أن يقال عنها بأنها غير رشيدة، سياسة اعتمدت نهج الحرب حتى بعد سكوت المدافع والقاذفات في 7/7/ 1994م، واستمرت حتى اليوم.
الوضع في الجنوب يا سيدي الكريم هو وضع يقوم على رفض تأبيد نتائج الحرب الجائرة ورفض تصوير هذه النتائج على أنها هي الوحدة الحقيقية ، وفي هذا السياق أود الإشارة فقط إلى أنه وبعد الحرب تم تشريع عملية النهب، نهب الأراضي، نهب مؤسسات القطاع العام من مصانع وشركات ومزارع الدولة والتعاونيات، ونهب حتى خزائن فروع الوزارات وتم الاستيلاء على المباني الحكومية ومباني المنظمات الجماهيرية وتسليمها للمنتصرين (كأفراد وليس كمؤسسات) ولم يكتف الأخوة المنتصرون بذلك بل حصلت عملية إقصاء لكل موظف مدني أو عسكري إلا من دخل في عضوية الحزب الحاكم وقام بإدانة أهله ونفسه وماضيه، تم تطهير كل المؤسسات الحكومية العسكرية والمدنية من كل من كان فيها والرمي بعشرات الآلاف وربما مئات الآلاف في الشارع عقابا لهم على ذنب لم يرتكبوه، وإذا ما أضفنا إلى ذلك ما رافق هذه الفترة من مظالم فضيعة تمثلت برفع الدعم عن أسعار المواد الأساسية فارتفع سعر كيس القمح (سعة 50 كجم) من 110 ريالات في العام 1994م إلى 4800 ريال في العام 2007م ( أي أكثر من 4000%) وانتقال جيل واسع من مدارج المحاضرات في الجامعات إلى سوق البطالة، وحرمان أبناء المحافظات الجنوبية (ومعظم أبناء المحافظات الشمالية) من حق الالتحاق بالكليات العسكرية والأمنية فضلا عن رداءة الخدمات وتراجع التعليم وارتفاع تكاليف التعليم الجامعي، فإن حالة من السخط والرفض والغضب تولدت لدى المواطنين تجسدت في ما لاحظناه من مسيرات واعتصامات، واجهتها السلطات بالرصاص الحي، وكنا قد نبهنا لهذا قبل اندلاع المواجهة ونتوقع أنه ما لم تبادر السلطة وتعالج الأسباب الرئيسية لهذه المشاكل فإنها قد تتخذ المزيد من التصاعد لأن الناس لا يمكن أن يتحملوا الظلم والإقصاء والتمييز والحرمان من حقوقهم المشروعة والدستورية إلى الأبد، وأنوه هنا إلى أن من لا يجد مصاريف يومه، ومن يعجز عن توفير العلاج والتعليم لأبنائه ومن يعيش الخوف ويشعر بالضيم والظلم ناهيك عن الذي قتل ابنه على يد قوات الأمن، كل هؤلاء لا ينشغلون كثيرا بمفاهيم مثل الوحدة والانفصال والديمقراطية والاستبداد، والوطنية واللاوطنية لأن كل تلك المفاهيم لا تساوي عندهم قطرة من دم أبنائهم أو أقربائهم الذين سقطوا برصاص القوات التي تدعي أنها تحمي الوحدة والوطن والشعب.
أخبار الساعة: هل هذا يعني انك تبشر بثورة الفقراء والمظلومين في اليمن...وان الاوضاع ستزداد سوء خلال الفترة القادمة ؟
د/عيدروس :للأسف الشديد ما تزال السلطة تبحث عن عدو وهمي يقف وراء مطالب المظلومين تارة تسميه بالانفصاليين وتارة تسميه بقوى خارجية، وهي بذلك تأبى أن ترى الأسباب الحقيقية للمشكلة والكامنة في مخرجات السياسات الخاطئة للسلطة، الأوضاع تذهب من سيء إلى أسوأ وهذا يعني أننا بحاجة إلى معجزة للخروج من المأزق الذي أوصلتنا إليه تلك السياسات.
أنا لا أبشر ولكن الواقع يقول أن الناس قد بلغ بها الأمر ذروته وأن على الحكام أن يختاروا أحد خيارين: إما الاستمرار على نفس النهج الخاطئ الذي يسيرون عليه وسيحملهم التاريخ عواقب كلما سينجم عن هذا الإصرار الأعمى على السير في الطريق الخاطئ، وإما الإصلاح الجذري للأوضاع، وأقول الإصلاح وليس الترقيع، لأن السلطات اليمنية اعتادت على المسكنات التي تزيل الألم ولا تقضي على المرض وأسبابه، ونحن نرى أن الإصلاح الجذري يمكن في إعادة بناء منظومة الحكم على النحو الذي يمكن الناس من الشراكة الحقيقية في إدارة دفة البلاد، ومن ثم القضاء على الفساد، وتسخير الموارد على قلتها لصالح التنمية بهدف تحسين معيشة الناس وتوفير الماء النقي والعلاج والتعليم والكهرباء والسكن النظيف لأبناء هذا البلد وصد وحش الغلاء الذي افترس كل شرائح المجتمع.
بدون هذه المعالجات ستندفع الأمور باتجاه لا يمكن لأي إنسان أن يتنبأ بنتائجها.
أخبار الساعة: عندما ينادي الناس برفع الظلم والكف عن النهب وإحقاق الحق ودحر المنكر، تتعالى الأصوات التي تحذر بأن الوحدة في خطر؟ هل الوحدة لا تستمر إلا بالظلم والنهب والفساد والتمييز في المواطنة وانتهاك الحقوق؟
د/عيدروس :هذه سياسة درجت عليها أجهزة السلطة للوقوف في وجه مقاومة الناس للظلم والفساد وسياسة النهب والاستيلاء والإقصاء، والذين يمارسون هذا السلوك هم بوعي أو بغير وعي ينسبون مساوئ سياساتهم إلى الوحدة، وهم من أساء إلى الصورة الجميلة للوحدة، وهم من جعل الشرائح الواسعة من الشعب تيأس من الوحدة وتكفر بتلك القدسية التي كانت مرسومه لها في وجدان الناس
أعتقد أن الحديث عن الوحدة والانفصال هنا يعد هروبا من معالجة الآثام التي ترتكبها السلطة ويمارسها المتنفذون والفاسدون بحق هذا الشعب، التخويف من الانفصال هو تتويه لأصحاب الحقوق المسلوبة كي لا يطالبوا بحقوقهم التي شرعتها لهم القوانين السماوية والأرضية معا.
أخبار الساعة: احزاب المعارضة ظهرت متاخرة ولم تتحرك جماهيرياً..فتحرك الشارع الجنوبي .. ماهو موقف المشترك من هذه الاحتجاجات الجماهيرية. وهل صحيح انكم حاولتم استغلالها لجعلها احتجاجات عامة وليس في اطار الجنوب فقط.؟
د/عيدروس : أصدقك القول أنني قد كررت هذا مرارا بأن حركة الشارع الجنوبي قد جاءت مفاجئة للكثير من السياسيين، شخصيا لا أدعي العبقرية والنبوغ ولكن كنت قد حذرت من انفجار الأوضاع (وقد توقعت أن يكون الانفجار أشد وقعا مما جرى) وطرحت هذا في مجلس النواب ولكن هناك من لا يزال يفكر بأنه لا يأتي من المعارضة إلا الشر، وهي نظرية استخباراتية تعود إلى عصور الشمولية والرجعية، وكنت قد طالبت بتشكيل لجنة لمقابلة الضباط والجنود المبعدين من أعمالهم ولم يأبه أحد بهذا.
ولكن من يتابع مواقف أحزاب المعارضة يجد أن مواقفها قد كانت مؤازرة لمطالب المعتصمين ومؤخرا تبنت المعارضة طرح قضايا المعتصمين وتشكيل فريق محامين للدفاع عن ضحايا النضال السلمي وهذا واجبها وشخصيا دعوت وما زلت أدعو إلى أن يزداد دور المعارضة في قيادة الحركة الاحتجاجية ليس من باب اغتنام الفرصة أو ركوب الموجة كما يقول الإخوة في الحكم، ولكن حفاظا عليها من الخروج عن السيطرة ولمزيد من العقلنة والترشيد لهذه الحركة وإكسابها المزيد من المضمون السياسي العميق والحيلولة دون أن تغدو حركة موسمية ناشئة عن الغضب والإحباط وتحويلها إلى أداة للتغيير وإصلاح أوضاع البلد الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية و الاجتماعية نحو الأفضل.
أخبار الساعة: ولكن هذه الاحتجاجات تتركز في الجنوب فقط.. بينما محافظات الشمال لاتوجد اي مظاهر للاحتجاجات... هل هذا يعني ان الظلم في الجنوب فقط... ام انها ظاهريا احتجاجات ومطالب حقوقية للشعب.. وفي باطنها دعوة سياسية للانقلاب على الحكم وتهييج الشارع ضد السلطة الحاكمة الان..وخصوصا ان هناك شعارات ترفع في المهرجانات منها" ثورة ثورة ياجنوب " وبالروح والدم نفيد ياجنوب ؟
د/عيدروس : درجات المعاناة تتفاوت من محافظة إلى أخرى كما تتفاوت الجرأة في اختراق ما يسميه الحكام بالخطوط الحمراء لكن هذا التفاوت لا يعني بأي حال من الأحوال بأن الشمال ليعيش في نعيم، في المحافظات الجنوبية نشأ جيل يرى الأرض تسلب من يديه ولا يستطيع توفير فرصة عمل ناهيك عن شراء قطعة أرض وبناء سكن والشروع في الزواج لبناء أسرة، بينما هو يرى الوافدين يسلبون وينهبون، ويتصرفون تصرفات الأباطرة وكل ذلك من خيرات وعائدات الأرض الجنوبية، هذا ما دفع الناس إلى التمرد على أنفسهم وإعلان الرفض للسياسات الرسمية القائمة، وليس صحيحا أن المحافظات الشمالية خانعة، أو أنها راضية بما تعيشة من بؤس ومعاناة، إنما درجة حدة الصراخ قد تكون منخفضة، ومع ذلك بعض المحافظات تحتج على طريقتها من خلال خطف الأجانب، نهب القاطرات ، قطع الطرقات ، هذا شكل من أشكال الاحتجاج على الظلم ولكنه شكل يرتدي ذلك اللون الذي يمكن القول عنه بأنه خروج على القانون، وأذكرك بأن محافظات تعز وأمانة العاصمة وإب وحجة تشهد العديد من الفعاليات الاحتجاجية والاعتصامية وإن كان الإعلام لا يوليها الاهتمام الكافي، وعلى كل أنا أتوقع أن ترتفع نبرة الاحتجاج في المحافظات الشمالية لأن الظلم منتشر وقدرة الناس على التحمل ليست بلا حدود.
أخبار الساعة: الحزب الاشتراكي في وثائقه ذكر ان هناك قضية جنوبية ولكنها بقيت في الوثائق ولم يتحرك لحل تلك المشكله... والاكثر من ذلك صمته عن بعض قياداته التي في السجون ومنهم القيادي حسن باعوم.. هل هذا تغيير في سياسة الحزب كما تخلى عن القضية الجنوبية اليوم يتخلى عن قيادته... وهل هذا هو حزب الجماهير والفقراء والمهمشين؟
د/ عيدروس : لا أدري من أين أتيت بالقول أن الحزب صامت عن انتهاكات حقوق الناس ولا من قال لك أنه تخلى عن القضية الجنوبية؟ ناهيك عن اعتقال عضو قيادي ومناضل حزبي منذ الستينات مثل المناضل حسن باعوم، الحزب لم يكف عن النضال السلمي وبالوسائل السلمية للدفاع عن حقوق المظلومين وكان الحزب أول من حذر من أن استمرار نهج الحرب وعدم معالجة نتائج حرب 1994م سيقود إلى عواقب وخيمة على النسيج الوطني، عواقب لا يمكن التنبؤ بكنهها وأبعادها.
القضية الجنوبية لم تعد سرا يهمس به في الجلسات المغلقة واللقاءات السرية، القضية الجنوبية أعلنت عن نفسها دون ما حاجة لاعتراف الناس بها والذين يريدون إنكارها إنما هم يهربون من مواجهة مرارة الحقائق التي تنضح بها هذه القضية، أما الحزب الاشتراكي اليمني فقد بنى رؤيته للقضية من واقع ما يعتمل على أرض الواقع، فكل المؤشرات تبين أن الأحداث تسير باتجاه شرخ وطني تتحمل السلطة مسئولية أسبابه وعواقبه، لك أن تتصور أن كاتبا يتناول ظاهرة معينة تتصل بالتاريخ اليمني فيشرع في الحديث عن هذه الظاهرة في عهد الإمامة ثم يتناول القضية بعد ثورة سبتمبر ومن ثم ينتقل إلى ما بعد الوحدة وهنا يمكن أن تجده تناول القضية المعينة وتجلياتها في عدن أو حضرموت، أو أبين أو بقية المحافظات الجنوبية، هناك توجه لطمس تاريخ الجنوب ، تصور أنت مدينة مثل زنجار (عاصمة محافظة أبين) تبحث فلا تجد فها زقاق أو شارع أو حارة أو حتى صالة قراءة تحمل اسم سالمين أو جاعم صالح أو محمد علي هيثم، وهؤلاء الرموز هم من هم في تاريخ أبين وفي تاريخ الشطر الجنوبي واليمن عامة؟ إن القضية تبلغ حد الاستفزاز عندما تدخل محافظة مثل عدن منجم صنع الكفاءات والخبرات العلمية والإدارية بها أكثر من أثني عشر مدير عام وافدين من خارجها بل ومن خارج المحافظات الجنوبية والمسئول الوحيد هناك هو أمين عام المجلس المحلي الذي هو أيضا من خارج عدن ، ولك أن تتساءل هل عقمت عدن عن ولادة مدير للأمن أو محافظ أو مدير للمالية أو حتى مدير محو أمية أو وكيل مساعد للمحافظة؟
أخبار الساعة: هل الوحده خط احمر ؟
د/ عيدروس : مفهوم الخطوط الحمراء هو مفهوم مفخخ وأجزم أنه مفهوم مخابراتي الغرض منه إرهاب المعارضين للسياسات الرسمية شخصيا أؤمن بأن الخط الأحمر الوحيد هو الإنسان دينا وكرامة وحرية وازدهار وسؤددا، وما عدا ذلك هو وسائل لتحقيق تلك الغايات الإنسانية، الوحدة اليمنية كانت وما زالت حلما جميلا راود مخيلة الوطنيين اليمنيين منذ مراحل مبكرة لنشوء الحركة الوطنية اليمنية، وعندما تدافع الناس إلى العاصمة صنعاء بعيد إعلان الوحدة في عدن يوم 22 مايو 1990م كانت قلوبهم تخفق بالآمال العريضة المتمثلة باتساع الحريات، وارتفاع مكانة الكرامة الإنسانية وتحقيق المزيد من الرخاء الاقتصادي والتقدم العلمي والتكنولوجي، ولم يدر في خلد أحد أن يبلغ عدد المتسولين أكثر من عدد المتصدقين، ولا أن تغدو عدن أو أي مدينة يمنية نهبا للبلاطجة والمتنفذين، وأن تنحدر معيشة الناس إلى درجة البحث عن الطعام في الغمامة في حين تعيش قلة من العابثين بالثروات عيشة يحسدهم عليها الأمراء، ولم يتصور أحد أن يفقد الناس أهم مورد للمعيشة وهو العمل وأن تغدو ثروات البلد ألعوبة بيد مراكز القوى وأن يعجز المواطن عن توفير قيمة العلاج والغذاء ناهيك عن عجزه عن بناء مسكن محترم وتوفير فرص القدرة على الزواج للعزاب، المواطن الذي يفقد كل هذه المزايا لا يهمه الوحدة أو الانفصال ولا يعني له شيء أن تتهم بعدم الوحدوية، باختصار شديد الوحدة مشروعا حضاريا نبيلا فشل القائمون عليه في صيانته وإيصاله إلى أهدافه وحولوه إلى غنيمة حرب وإلى أداه لتحقيق أهدافهم الشخصية.
أخبار الساعة: الرئيس قبل ايام في ابين تحدث عن فتح الملفات .. هل يعني ان تاريخ الحزب والنظام هو اسود في الجنوب وابيض بالشمال.. قبل الوحده.. وماذا تردون على كلام الرئيس؟
د/ عيدروس : لقد شعرت بالأسف والقلق وأنا أستمع إلى خطاب الرئيس في محافظة أبين، وهذا الشعور لم يكن بدافع الخوف من أي ثأر شخصي فأنا ليست لي أي ثارات مع أي كان، ولكن مبعث الأسف والقلق هو هذا المستوى غير الديمقراطي الذي يتمتع به الخطاب الرسمي، وكنت كتبت مقالة قصيرة في صحيفة الأيام تناولت فيها هذا الخطاب وتمنيت على المحيطين بالرئيس أن يبينوا له بأن الآلام التي يعيشها أبناء المحافظات الجنوبية جعلتهم ينسون صراعات الماضي ويبحثون عن حلول لمعاناتهم، وإن السبب في حركة الاحتجاجات والاعتصامات هو تلك المعاناة وليس كره الرئيس وأنصاره فهم غير معنيين كثيرا بمن فاز على من أو من هزم من في صراعات الماضي بقدر اهتمامهم بتوفير قرص الرغيف وحبة الدواء لأهليهم.
أما تاريخ النظامين في الشطرين قبل الوحدة فتقييمه يتطلب مجلدات ونحن على استعداد لتقييم تاريخ جمهورية اليمن الديمقراطية والإقرار بأخطائه ولكن مع الاعتراف بما حققته من نجاحات منها توحيد 23 سلطة ودويلة ومشيخة في دولة واحدة لها نظام وقانون يخضع له الوزير والغفير على السواء، ومد شبكة الخدمات إلى كل قرية ومنزل، وتثبيت حضور الدولة في كل مركز ومديرية، ويكفي أن نذكر أنه لأول مرة في تاريخ اليمن يجلس ابن عامل النظافة وابن الوزير أو الرئيس أو الأمين العام على كرسيين جامعيين متجاورين وإن الآلاف من أبناء الفلاحين وعمال الخدمات والفقراء والبدو الرحل قد غدوا أطباء وقضاة ومهندسين وأساتذة جامعيين ورجال علم وأدب، ولا أدري لماذا يسكت الأخوة في الشمال عن تقييم صراعاتهم منذ 62م ولمَ لم يقولوا لنا إلى الآن من الذي قتل الحمدي وقبله الزبيري وعلي عبد المغني وعبد الرقيب عبد الوهاب، ومن المتسبب في أحداث أغسطس 1968م وأحداث أوكتوبر 1978م ولماذا لم يعلنوا للملا أسرار وخفايا تلك الصراعات.
أوردت هذه الأسئلة لا للرد على تسويد تاريخ الجنوب ولكن للتأكيد بأن كل نظام شمولي لا ينجب إلا القمع والقهر والانتقام، وإن الحل لكل ذلك هو إرساء دولة المؤسسات وتطبيق القانون على الجميع من عامل النظافة حتى رئيس الجمهورية واحترام إرادة الشعب وعدم تزييف هذه الإرادة من خلال تزوير نتائج الانتخابات، وعلى كل ليس في وارد اهتماماتنا الرد على كل كلمة تصدر عن النظام ومؤسسته الإعلامية والتاريخ وحده سيكشف الزيف من الحقيقة.
نود فقط أن نذكر أن أهم أبطال تلك الصراعات التي يتحدثون عنها هم اليوم يقفون في صف الرئيس عن يمينه وعن يساره، ولا أدري ما هو شعورهم وهم يسمعون الإعلام الرسمي ورئيس الجمهورية شخصيا يسخر بهم ويذكرهم صباح مساء بتاريخهم وأخطائهم، وكنت أتمنى عليه أن لا يحرجهم ويذكرهم بما وقعوا فيه من أخطاء أما نحن فقد طوينا صفحة الماضي واعتبرناها مرحلة لا يمكن العودة إليها إلا لأخذ العبرة والعظة فقط
أخبار الساعة: ولكن سيدي.. عندما قامت الوحده في 22 مايو1990 اشترط الحزب الاشتراكي استبعاد علي ناصر محمد من صنعاء... وايضا لم يقم باستيعاب القيادات التي كانت نازحه بالشمال منذ 13يناير1986 ولم يتم استيعابهم في اطار دولة الوحدة حينها..وكان الكل يردد ان الوحدة تجب ماقبلها والكل بدء صفحة جديدة...وهو الامر الذي لم يحصل حيث تكرر المشهد في 7 يوليو1994 ونزح الكثير من القيادات الحزبية واطيح بالحزب الاشتراكي من كل مفاصل السلطة..ولم يتم استيعابه حتى الان في اطار النظام... بمعنى اخر ان ثقافة المنتصر هي المسيطرة على الحكم.. وان التاريخ دار على الاشتراكيين من جديد.. وماحرموه سابقا على غيرهم... عاد مرتدا اليهم وتكررت المأسي والان يطالبون باعادة القيادات الاشتراكية الى جهاز الدولة ووظائفهم .. سؤالي سيدي..هل انتم نادمون على ماجري ..وكيف تبررون كحزب اشتراكي ذلك؟
د/ عيدروس :لست مطلعا على الكثير من تفاصيل الحدث عند قيام الوحدة ولكنني أعترف أن تسارع الأحداث لم يتح للحزب الاشتراكي اليمني معالجة أمور كثيرة ليس فقط ما يتعلق بــ13 يناير، بل وحتى تصحيح العلاقة مع القوى الأخرى، من المعارضة التي كانت غير معلنة، من الرابطة إلى الناصريين إلى جبهة التحرير، وربما كان موضوع أطراف 13 يناير ما يزال يثير بعض الحساسية حينها واستفادت السلطة في الشمال من هذا لتغذية خلافات كامنة لتأجيجها في المستقبل وهذا ما حصل.
لكن صدقني لم يعد هذا الموضوع يشغل أي من أطراف صراع 86م لأن الجميع صار ضحية لهذا الغول الذي لم يترك أحدا إلا وألحق به الضرر، ثم أن أطراف الصراع في 86م قد طووا هذه الصفحة ولم يعودوا يلتفتوا إليها، ولو سألت أحد الإخوة المسئولين المحسوبين على أنصار السلطة ممن يحسبون على 13 يناير لوجدته متبرما ساخطا ربما أكثر منك بسبب سوء المعاملة، لأن السلطة لا تتعامل مع شركاء بل هي تتعامل مع الناس، جميع الناس، على أنهم رعية أو أجراء يخدمونها مقابل بعض ما تمنحهم إياه من مصالح تافهة لا تساوي شيئا مقارنة بالوضع المهين الذي يعيشه الشعب وهم جزء منه.
الحزب الاشتراكي لم يطلب قط العودة إلى السلطة والخروج من السلطة في أي لحظة ليس عيبا ولا نقيصة، ولكن مثل هذا الخروج ينبغي أن يكون خروجا قائم على التنافس الديمقراطي النزيه والشفاف وليس بقوة الدبابة والمدفع.
وعلى كل حال ما نطرحه ليس السلطة أو النفوذ ما نطرحه هو أنه لا يجوز للمنتصر أن يتعامل مع التاريخ على أنه بدأ يوم انتصاره، وإذا كان الماضي قد حمل معه بعض الأخطاء وهي أخطاء في الشطرين، فقد كانت تلك الأخطاء نتاج لنظام الكبت واللون الواحد والرأي الواحد، أما اليوم وفي ظل الحديث عن الديمقراطية والحرية والتعددية والتداول السلمي للسلطة فلا يجوز أن يتعامل الناس فيما بينهم على أساس منتصر ومهزوم، أو غالب ومغلوب، وسالب ومسلوب، هذا المنهج ينبغي أن يزول من قاموس الممارسة السياسية حتى نبرهن فعلا أننا استوعبنا متطلبات الممارسة الديمقراطية.
أخبار الساعة: علي عبدالله صالح رئيس لليمن ام رئيس المؤتمر وايهاما يمثل اكثر؟
د/عيدروس : لو كنت مكان الرئيس علي عبد الله صالح لكان أول شيء أعمله هو الانسحاب من المؤتمر الشعبي العام وتركه يجرب الاعتماد على نفسه ويخوض المعركة السياسية بالاعتماد على كفاءته وخبرته، وهو بالمناسبة لديه العديد من أفضل الكفاءات السياسية و القانونية والاقتصادية، لكن الوضع الحالي جعل نجم الرئيس يطغى على نجم المؤتمر وولد حالة من الركود والاسترخاء والاتكالية لدى الكثير من مؤسسات وكوادر وقواعد المؤتمر وإذا هناك نجاحات يحققها المؤتمر فالفضل فيها يعود بعد الغش والتزوير إلى الرئيس ، وكم كنت أتمنى لو أن المؤتمر يمارس دوره كمؤسسة ويبرز من بين صفوفه من ينافس الرئيس في الانتخابات الرئاسية داخل المؤتمر قبل إعلان مرشحه لتلك الانتخابات لكن هيبة الرئيس والخوف من شخصه أبهت دور المؤتمر وحوله إلى جوقة لا تجيد إلا التهليل لما يقوله الرئيس حتى لو قال "أن الشمس تشرق من الشرق وأن المطر يهطل من السماء".
أخبار الساعة: هل هذا يعني أن المؤتمر الشعبي ليس حزبا سياسيا وانه تجمع لاصحاب المصالح والمنتفعين وان بقاء الرئيس هو ضمان وحماية لمصالحهم...ام ان المؤتمر الشعبي لا يضم بين صفوفه من هم اكفاء لقيادة العمل السياسي ومنافسة الرئيس في زعامة الحزب والبلاد؟
د/ عيدروس: لا هذا ولا ذاك!
المؤتمر حزي سياسي مثل أي حزب في اليمن لكن ميزته أنه من صنع السلطة وهو رديف لها، ويستمد قوته من المؤسسة العسكري والأمنية ومن شخص الرئيس أكثر مما يستمدها من قاعدته الجماهيرية المؤمنة بمبادئه، والميزة الأخرى للمؤتمر أنه لم يجرب العمل المعارض وأتصور أن أي خروج للمؤتمر من السلطة سوف يؤدي إلى تلاشيه واختفائه وهذا سيشكل خسارة كبيرة للحركة السياسية اليمنية، صحيح أ، الكثير من أعضاء وقيادات وأنصار المؤتمر هم من أصحاب المصالح لكن هناك نوعان من المصالح: هناك مصالح تكونت بفعل نشاط وكد ومعاناة أصحابها وهؤلاء لا فضل للمؤتمر عليهم بل ربما كانوا هم أصحاب الفضل على المؤتمر لما يقدمونه من إمكانيات ودعم مادي ومعنوي، وهناك مصالح طفيلية تكونت بفعل الانتماء للمؤتمر والتقرب من السلطة، أصحاب هذه المصالح سيكونون أول من يتخلى عن المؤتمر إذا ما تعرض لأي وعكة لا سمح الله، أما موضوع الكفاءات فاعتقد أن المؤتمر أخذ من كل الأحزاب الكثير من أفضل ما لديها من كفاءات بيد إن هذه الكفاءات تحولت إلى مخزون جامد نتيجة لعدم تسخيرها في صنع السياسات وغيابها عن موقع اتخاذ القرار الاقتصادي والإدارة والسياسي.
أخبار الساعة: علي سالم البيض حسب اخر الاخبار الصحفية يقال انه سيعود مجددا لممارسة العمل السياسي هل تعتقد ان عودته هي عودة لتعزيز الوحدة اليمنية ام عودة لمشروع الانفصال؟ وهل لديكم علم بذلك باعتبار البيض عضو لجنة مركزية بالحزب الاشتراكي؟
د/ عيدروس:لم أعرف المناضل علي سالم البيض إلا زعيما وطنيا وحدويا متجردا من كل نزعات المناطقية والجهوية ناهيك عن الانفصالية، طبعا لكي لا يقول أحد: وماذا عن انفصال 1994م؟ أقول أن هذا الحدث كان نتيجة وليس سببا فهو كان أحد تداعيات الحرب وبالتالي فكل ما ينجم عن الحرب يقيم في سياق تقييم الحرب وتداعياتها
أما عودته إلى الحياة السياسية فهذا حقه وهو مواطن يمني ومن حقه أن يمارس جميع الحقوق التي كفلها له الدستور، ثم إن البيض ليس شخصية هامشية جديدة على السياسة أو على العمل الوحدوي، إنه محقق الوحدة اليمنية وصانع المشروع الوحدوي السلمي التعددي الديمقراطي، فلا غرابة أن يمارس حقه في الحياة السياسية، ومع ذلك أعترف أن اتصالاتي الشخصية بالمناضل البيض معدومة ولا علم لي كيف يمارس حياته وما هي اهتماماته الراهنة ولكن عندما يقرر العودة إلأى البلد وممارسة دوره السياسي والوطني لن نقول له إلا على الرحب والسعة وأهلا بك لتشارك في إعادة مياه الوحدة اليمنية إلى مجاريها تماما كما صنعتها في 22 مايو 1990م
الجزء الثاني مع اسئلة القراء:
اخبار الساعة " سؤال من فتحي الازرق "لماذا اقصاء الكوادر الجنوبية عن الحزب الاشتراكي في الوقت الحالي
د/ عيدروس ـ ـ أشكرك أخي الكريم وبصدد سؤالك ينبغي أن تعلم أن العضوية في الحزب الاشتراكي هي عضوية طوعية وكل من يدخل الحزب الاشتراكي يعلم أنه لن يجني أي مكاسب من وراء هذا الانتماء إلى الحزب الاشتراكي بل ربما جنى بعض الخسائر نظرا للوضع الاستثنائي المفروض على الحزب والتعامل العدائي مع الحزب من قبل السلطة وأجهزتها.
ولست أدري من أين جاءت فكرة أن هناك إقصاء؟ ومن الذي يمارس الإقصاء؟
الحزب الاشتراكي ليس لدية اعتبارات جهوية ولا قبلية، الحزب الاشتراكي حزب وطني من كل محافظات اليمن، وكل من يصل إلى منصب قيادي في الحزب يعرف جيدا أنه يقدم على مجازفة ستجر عليه الكثير من المتاعب والأخطار ومن هنا يأتي الخوف من الالتحاق في الحزب الاشتراكي اليمني.
وليتك تعلم كم من الجهود نبذلها لنقنع هذا الزميل أو تلك الزميلة لتحمل هذه المسئولية أو تلك في قيادة الحزب، لأن الكل يعلم أن البقاء في المنصب القيادي للحزب معناه البقاء على مقربة من الخطر الذي يتطلب الكثير من التضحيات.
التاريخ : Sunday, November 11, 2007
الوقت : 05:59
الجزء الاول :
أخبار الساعة: الاوضاع تتفاقم في الجنوب والجماهير الشعبية زادت من حجم تحركها من خلال المهرجانات والاعتصامات ومؤتمرات المصالحة وآخرها ماحصل في مديرية المفلحي يافع؟كيف تنظرون للاوضاع في الجنوب وهل هي مقدمة للانفصال والتراجع عن خيار الوحدة؟
د/عيدروس : إذا كنت تتحدث عن الحركة الاحتجاجية الوضع في الجنوب فإنا أرى أنها ليست سوى نتاج طبيعي لسياسة أقل ما يمكن أن يقال عنها بأنها غير رشيدة، سياسة اعتمدت نهج الحرب حتى بعد سكوت المدافع والقاذفات في 7/7/ 1994م، واستمرت حتى اليوم.
الوضع في الجنوب يا سيدي الكريم هو وضع يقوم على رفض تأبيد نتائج الحرب الجائرة ورفض تصوير هذه النتائج على أنها هي الوحدة الحقيقية ، وفي هذا السياق أود الإشارة فقط إلى أنه وبعد الحرب تم تشريع عملية النهب، نهب الأراضي، نهب مؤسسات القطاع العام من مصانع وشركات ومزارع الدولة والتعاونيات، ونهب حتى خزائن فروع الوزارات وتم الاستيلاء على المباني الحكومية ومباني المنظمات الجماهيرية وتسليمها للمنتصرين (كأفراد وليس كمؤسسات) ولم يكتف الأخوة المنتصرون بذلك بل حصلت عملية إقصاء لكل موظف مدني أو عسكري إلا من دخل في عضوية الحزب الحاكم وقام بإدانة أهله ونفسه وماضيه، تم تطهير كل المؤسسات الحكومية العسكرية والمدنية من كل من كان فيها والرمي بعشرات الآلاف وربما مئات الآلاف في الشارع عقابا لهم على ذنب لم يرتكبوه، وإذا ما أضفنا إلى ذلك ما رافق هذه الفترة من مظالم فضيعة تمثلت برفع الدعم عن أسعار المواد الأساسية فارتفع سعر كيس القمح (سعة 50 كجم) من 110 ريالات في العام 1994م إلى 4800 ريال في العام 2007م ( أي أكثر من 4000%) وانتقال جيل واسع من مدارج المحاضرات في الجامعات إلى سوق البطالة، وحرمان أبناء المحافظات الجنوبية (ومعظم أبناء المحافظات الشمالية) من حق الالتحاق بالكليات العسكرية والأمنية فضلا عن رداءة الخدمات وتراجع التعليم وارتفاع تكاليف التعليم الجامعي، فإن حالة من السخط والرفض والغضب تولدت لدى المواطنين تجسدت في ما لاحظناه من مسيرات واعتصامات، واجهتها السلطات بالرصاص الحي، وكنا قد نبهنا لهذا قبل اندلاع المواجهة ونتوقع أنه ما لم تبادر السلطة وتعالج الأسباب الرئيسية لهذه المشاكل فإنها قد تتخذ المزيد من التصاعد لأن الناس لا يمكن أن يتحملوا الظلم والإقصاء والتمييز والحرمان من حقوقهم المشروعة والدستورية إلى الأبد، وأنوه هنا إلى أن من لا يجد مصاريف يومه، ومن يعجز عن توفير العلاج والتعليم لأبنائه ومن يعيش الخوف ويشعر بالضيم والظلم ناهيك عن الذي قتل ابنه على يد قوات الأمن، كل هؤلاء لا ينشغلون كثيرا بمفاهيم مثل الوحدة والانفصال والديمقراطية والاستبداد، والوطنية واللاوطنية لأن كل تلك المفاهيم لا تساوي عندهم قطرة من دم أبنائهم أو أقربائهم الذين سقطوا برصاص القوات التي تدعي أنها تحمي الوحدة والوطن والشعب.
أخبار الساعة: هل هذا يعني انك تبشر بثورة الفقراء والمظلومين في اليمن...وان الاوضاع ستزداد سوء خلال الفترة القادمة ؟
د/عيدروس :للأسف الشديد ما تزال السلطة تبحث عن عدو وهمي يقف وراء مطالب المظلومين تارة تسميه بالانفصاليين وتارة تسميه بقوى خارجية، وهي بذلك تأبى أن ترى الأسباب الحقيقية للمشكلة والكامنة في مخرجات السياسات الخاطئة للسلطة، الأوضاع تذهب من سيء إلى أسوأ وهذا يعني أننا بحاجة إلى معجزة للخروج من المأزق الذي أوصلتنا إليه تلك السياسات.
أنا لا أبشر ولكن الواقع يقول أن الناس قد بلغ بها الأمر ذروته وأن على الحكام أن يختاروا أحد خيارين: إما الاستمرار على نفس النهج الخاطئ الذي يسيرون عليه وسيحملهم التاريخ عواقب كلما سينجم عن هذا الإصرار الأعمى على السير في الطريق الخاطئ، وإما الإصلاح الجذري للأوضاع، وأقول الإصلاح وليس الترقيع، لأن السلطات اليمنية اعتادت على المسكنات التي تزيل الألم ولا تقضي على المرض وأسبابه، ونحن نرى أن الإصلاح الجذري يمكن في إعادة بناء منظومة الحكم على النحو الذي يمكن الناس من الشراكة الحقيقية في إدارة دفة البلاد، ومن ثم القضاء على الفساد، وتسخير الموارد على قلتها لصالح التنمية بهدف تحسين معيشة الناس وتوفير الماء النقي والعلاج والتعليم والكهرباء والسكن النظيف لأبناء هذا البلد وصد وحش الغلاء الذي افترس كل شرائح المجتمع.
بدون هذه المعالجات ستندفع الأمور باتجاه لا يمكن لأي إنسان أن يتنبأ بنتائجها.
أخبار الساعة: عندما ينادي الناس برفع الظلم والكف عن النهب وإحقاق الحق ودحر المنكر، تتعالى الأصوات التي تحذر بأن الوحدة في خطر؟ هل الوحدة لا تستمر إلا بالظلم والنهب والفساد والتمييز في المواطنة وانتهاك الحقوق؟
د/عيدروس :هذه سياسة درجت عليها أجهزة السلطة للوقوف في وجه مقاومة الناس للظلم والفساد وسياسة النهب والاستيلاء والإقصاء، والذين يمارسون هذا السلوك هم بوعي أو بغير وعي ينسبون مساوئ سياساتهم إلى الوحدة، وهم من أساء إلى الصورة الجميلة للوحدة، وهم من جعل الشرائح الواسعة من الشعب تيأس من الوحدة وتكفر بتلك القدسية التي كانت مرسومه لها في وجدان الناس
أعتقد أن الحديث عن الوحدة والانفصال هنا يعد هروبا من معالجة الآثام التي ترتكبها السلطة ويمارسها المتنفذون والفاسدون بحق هذا الشعب، التخويف من الانفصال هو تتويه لأصحاب الحقوق المسلوبة كي لا يطالبوا بحقوقهم التي شرعتها لهم القوانين السماوية والأرضية معا.
أخبار الساعة: احزاب المعارضة ظهرت متاخرة ولم تتحرك جماهيرياً..فتحرك الشارع الجنوبي .. ماهو موقف المشترك من هذه الاحتجاجات الجماهيرية. وهل صحيح انكم حاولتم استغلالها لجعلها احتجاجات عامة وليس في اطار الجنوب فقط.؟
د/عيدروس : أصدقك القول أنني قد كررت هذا مرارا بأن حركة الشارع الجنوبي قد جاءت مفاجئة للكثير من السياسيين، شخصيا لا أدعي العبقرية والنبوغ ولكن كنت قد حذرت من انفجار الأوضاع (وقد توقعت أن يكون الانفجار أشد وقعا مما جرى) وطرحت هذا في مجلس النواب ولكن هناك من لا يزال يفكر بأنه لا يأتي من المعارضة إلا الشر، وهي نظرية استخباراتية تعود إلى عصور الشمولية والرجعية، وكنت قد طالبت بتشكيل لجنة لمقابلة الضباط والجنود المبعدين من أعمالهم ولم يأبه أحد بهذا.
ولكن من يتابع مواقف أحزاب المعارضة يجد أن مواقفها قد كانت مؤازرة لمطالب المعتصمين ومؤخرا تبنت المعارضة طرح قضايا المعتصمين وتشكيل فريق محامين للدفاع عن ضحايا النضال السلمي وهذا واجبها وشخصيا دعوت وما زلت أدعو إلى أن يزداد دور المعارضة في قيادة الحركة الاحتجاجية ليس من باب اغتنام الفرصة أو ركوب الموجة كما يقول الإخوة في الحكم، ولكن حفاظا عليها من الخروج عن السيطرة ولمزيد من العقلنة والترشيد لهذه الحركة وإكسابها المزيد من المضمون السياسي العميق والحيلولة دون أن تغدو حركة موسمية ناشئة عن الغضب والإحباط وتحويلها إلى أداة للتغيير وإصلاح أوضاع البلد الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية و الاجتماعية نحو الأفضل.
أخبار الساعة: ولكن هذه الاحتجاجات تتركز في الجنوب فقط.. بينما محافظات الشمال لاتوجد اي مظاهر للاحتجاجات... هل هذا يعني ان الظلم في الجنوب فقط... ام انها ظاهريا احتجاجات ومطالب حقوقية للشعب.. وفي باطنها دعوة سياسية للانقلاب على الحكم وتهييج الشارع ضد السلطة الحاكمة الان..وخصوصا ان هناك شعارات ترفع في المهرجانات منها" ثورة ثورة ياجنوب " وبالروح والدم نفيد ياجنوب ؟
د/عيدروس : درجات المعاناة تتفاوت من محافظة إلى أخرى كما تتفاوت الجرأة في اختراق ما يسميه الحكام بالخطوط الحمراء لكن هذا التفاوت لا يعني بأي حال من الأحوال بأن الشمال ليعيش في نعيم، في المحافظات الجنوبية نشأ جيل يرى الأرض تسلب من يديه ولا يستطيع توفير فرصة عمل ناهيك عن شراء قطعة أرض وبناء سكن والشروع في الزواج لبناء أسرة، بينما هو يرى الوافدين يسلبون وينهبون، ويتصرفون تصرفات الأباطرة وكل ذلك من خيرات وعائدات الأرض الجنوبية، هذا ما دفع الناس إلى التمرد على أنفسهم وإعلان الرفض للسياسات الرسمية القائمة، وليس صحيحا أن المحافظات الشمالية خانعة، أو أنها راضية بما تعيشة من بؤس ومعاناة، إنما درجة حدة الصراخ قد تكون منخفضة، ومع ذلك بعض المحافظات تحتج على طريقتها من خلال خطف الأجانب، نهب القاطرات ، قطع الطرقات ، هذا شكل من أشكال الاحتجاج على الظلم ولكنه شكل يرتدي ذلك اللون الذي يمكن القول عنه بأنه خروج على القانون، وأذكرك بأن محافظات تعز وأمانة العاصمة وإب وحجة تشهد العديد من الفعاليات الاحتجاجية والاعتصامية وإن كان الإعلام لا يوليها الاهتمام الكافي، وعلى كل أنا أتوقع أن ترتفع نبرة الاحتجاج في المحافظات الشمالية لأن الظلم منتشر وقدرة الناس على التحمل ليست بلا حدود.
أخبار الساعة: الحزب الاشتراكي في وثائقه ذكر ان هناك قضية جنوبية ولكنها بقيت في الوثائق ولم يتحرك لحل تلك المشكله... والاكثر من ذلك صمته عن بعض قياداته التي في السجون ومنهم القيادي حسن باعوم.. هل هذا تغيير في سياسة الحزب كما تخلى عن القضية الجنوبية اليوم يتخلى عن قيادته... وهل هذا هو حزب الجماهير والفقراء والمهمشين؟
د/ عيدروس : لا أدري من أين أتيت بالقول أن الحزب صامت عن انتهاكات حقوق الناس ولا من قال لك أنه تخلى عن القضية الجنوبية؟ ناهيك عن اعتقال عضو قيادي ومناضل حزبي منذ الستينات مثل المناضل حسن باعوم، الحزب لم يكف عن النضال السلمي وبالوسائل السلمية للدفاع عن حقوق المظلومين وكان الحزب أول من حذر من أن استمرار نهج الحرب وعدم معالجة نتائج حرب 1994م سيقود إلى عواقب وخيمة على النسيج الوطني، عواقب لا يمكن التنبؤ بكنهها وأبعادها.
القضية الجنوبية لم تعد سرا يهمس به في الجلسات المغلقة واللقاءات السرية، القضية الجنوبية أعلنت عن نفسها دون ما حاجة لاعتراف الناس بها والذين يريدون إنكارها إنما هم يهربون من مواجهة مرارة الحقائق التي تنضح بها هذه القضية، أما الحزب الاشتراكي اليمني فقد بنى رؤيته للقضية من واقع ما يعتمل على أرض الواقع، فكل المؤشرات تبين أن الأحداث تسير باتجاه شرخ وطني تتحمل السلطة مسئولية أسبابه وعواقبه، لك أن تتصور أن كاتبا يتناول ظاهرة معينة تتصل بالتاريخ اليمني فيشرع في الحديث عن هذه الظاهرة في عهد الإمامة ثم يتناول القضية بعد ثورة سبتمبر ومن ثم ينتقل إلى ما بعد الوحدة وهنا يمكن أن تجده تناول القضية المعينة وتجلياتها في عدن أو حضرموت، أو أبين أو بقية المحافظات الجنوبية، هناك توجه لطمس تاريخ الجنوب ، تصور أنت مدينة مثل زنجار (عاصمة محافظة أبين) تبحث فلا تجد فها زقاق أو شارع أو حارة أو حتى صالة قراءة تحمل اسم سالمين أو جاعم صالح أو محمد علي هيثم، وهؤلاء الرموز هم من هم في تاريخ أبين وفي تاريخ الشطر الجنوبي واليمن عامة؟ إن القضية تبلغ حد الاستفزاز عندما تدخل محافظة مثل عدن منجم صنع الكفاءات والخبرات العلمية والإدارية بها أكثر من أثني عشر مدير عام وافدين من خارجها بل ومن خارج المحافظات الجنوبية والمسئول الوحيد هناك هو أمين عام المجلس المحلي الذي هو أيضا من خارج عدن ، ولك أن تتساءل هل عقمت عدن عن ولادة مدير للأمن أو محافظ أو مدير للمالية أو حتى مدير محو أمية أو وكيل مساعد للمحافظة؟
أخبار الساعة: هل الوحده خط احمر ؟
د/ عيدروس : مفهوم الخطوط الحمراء هو مفهوم مفخخ وأجزم أنه مفهوم مخابراتي الغرض منه إرهاب المعارضين للسياسات الرسمية شخصيا أؤمن بأن الخط الأحمر الوحيد هو الإنسان دينا وكرامة وحرية وازدهار وسؤددا، وما عدا ذلك هو وسائل لتحقيق تلك الغايات الإنسانية، الوحدة اليمنية كانت وما زالت حلما جميلا راود مخيلة الوطنيين اليمنيين منذ مراحل مبكرة لنشوء الحركة الوطنية اليمنية، وعندما تدافع الناس إلى العاصمة صنعاء بعيد إعلان الوحدة في عدن يوم 22 مايو 1990م كانت قلوبهم تخفق بالآمال العريضة المتمثلة باتساع الحريات، وارتفاع مكانة الكرامة الإنسانية وتحقيق المزيد من الرخاء الاقتصادي والتقدم العلمي والتكنولوجي، ولم يدر في خلد أحد أن يبلغ عدد المتسولين أكثر من عدد المتصدقين، ولا أن تغدو عدن أو أي مدينة يمنية نهبا للبلاطجة والمتنفذين، وأن تنحدر معيشة الناس إلى درجة البحث عن الطعام في الغمامة في حين تعيش قلة من العابثين بالثروات عيشة يحسدهم عليها الأمراء، ولم يتصور أحد أن يفقد الناس أهم مورد للمعيشة وهو العمل وأن تغدو ثروات البلد ألعوبة بيد مراكز القوى وأن يعجز المواطن عن توفير قيمة العلاج والغذاء ناهيك عن عجزه عن بناء مسكن محترم وتوفير فرص القدرة على الزواج للعزاب، المواطن الذي يفقد كل هذه المزايا لا يهمه الوحدة أو الانفصال ولا يعني له شيء أن تتهم بعدم الوحدوية، باختصار شديد الوحدة مشروعا حضاريا نبيلا فشل القائمون عليه في صيانته وإيصاله إلى أهدافه وحولوه إلى غنيمة حرب وإلى أداه لتحقيق أهدافهم الشخصية.
أخبار الساعة: الرئيس قبل ايام في ابين تحدث عن فتح الملفات .. هل يعني ان تاريخ الحزب والنظام هو اسود في الجنوب وابيض بالشمال.. قبل الوحده.. وماذا تردون على كلام الرئيس؟
د/ عيدروس : لقد شعرت بالأسف والقلق وأنا أستمع إلى خطاب الرئيس في محافظة أبين، وهذا الشعور لم يكن بدافع الخوف من أي ثأر شخصي فأنا ليست لي أي ثارات مع أي كان، ولكن مبعث الأسف والقلق هو هذا المستوى غير الديمقراطي الذي يتمتع به الخطاب الرسمي، وكنت كتبت مقالة قصيرة في صحيفة الأيام تناولت فيها هذا الخطاب وتمنيت على المحيطين بالرئيس أن يبينوا له بأن الآلام التي يعيشها أبناء المحافظات الجنوبية جعلتهم ينسون صراعات الماضي ويبحثون عن حلول لمعاناتهم، وإن السبب في حركة الاحتجاجات والاعتصامات هو تلك المعاناة وليس كره الرئيس وأنصاره فهم غير معنيين كثيرا بمن فاز على من أو من هزم من في صراعات الماضي بقدر اهتمامهم بتوفير قرص الرغيف وحبة الدواء لأهليهم.
أما تاريخ النظامين في الشطرين قبل الوحدة فتقييمه يتطلب مجلدات ونحن على استعداد لتقييم تاريخ جمهورية اليمن الديمقراطية والإقرار بأخطائه ولكن مع الاعتراف بما حققته من نجاحات منها توحيد 23 سلطة ودويلة ومشيخة في دولة واحدة لها نظام وقانون يخضع له الوزير والغفير على السواء، ومد شبكة الخدمات إلى كل قرية ومنزل، وتثبيت حضور الدولة في كل مركز ومديرية، ويكفي أن نذكر أنه لأول مرة في تاريخ اليمن يجلس ابن عامل النظافة وابن الوزير أو الرئيس أو الأمين العام على كرسيين جامعيين متجاورين وإن الآلاف من أبناء الفلاحين وعمال الخدمات والفقراء والبدو الرحل قد غدوا أطباء وقضاة ومهندسين وأساتذة جامعيين ورجال علم وأدب، ولا أدري لماذا يسكت الأخوة في الشمال عن تقييم صراعاتهم منذ 62م ولمَ لم يقولوا لنا إلى الآن من الذي قتل الحمدي وقبله الزبيري وعلي عبد المغني وعبد الرقيب عبد الوهاب، ومن المتسبب في أحداث أغسطس 1968م وأحداث أوكتوبر 1978م ولماذا لم يعلنوا للملا أسرار وخفايا تلك الصراعات.
أوردت هذه الأسئلة لا للرد على تسويد تاريخ الجنوب ولكن للتأكيد بأن كل نظام شمولي لا ينجب إلا القمع والقهر والانتقام، وإن الحل لكل ذلك هو إرساء دولة المؤسسات وتطبيق القانون على الجميع من عامل النظافة حتى رئيس الجمهورية واحترام إرادة الشعب وعدم تزييف هذه الإرادة من خلال تزوير نتائج الانتخابات، وعلى كل ليس في وارد اهتماماتنا الرد على كل كلمة تصدر عن النظام ومؤسسته الإعلامية والتاريخ وحده سيكشف الزيف من الحقيقة.
نود فقط أن نذكر أن أهم أبطال تلك الصراعات التي يتحدثون عنها هم اليوم يقفون في صف الرئيس عن يمينه وعن يساره، ولا أدري ما هو شعورهم وهم يسمعون الإعلام الرسمي ورئيس الجمهورية شخصيا يسخر بهم ويذكرهم صباح مساء بتاريخهم وأخطائهم، وكنت أتمنى عليه أن لا يحرجهم ويذكرهم بما وقعوا فيه من أخطاء أما نحن فقد طوينا صفحة الماضي واعتبرناها مرحلة لا يمكن العودة إليها إلا لأخذ العبرة والعظة فقط
أخبار الساعة: ولكن سيدي.. عندما قامت الوحده في 22 مايو1990 اشترط الحزب الاشتراكي استبعاد علي ناصر محمد من صنعاء... وايضا لم يقم باستيعاب القيادات التي كانت نازحه بالشمال منذ 13يناير1986 ولم يتم استيعابهم في اطار دولة الوحدة حينها..وكان الكل يردد ان الوحدة تجب ماقبلها والكل بدء صفحة جديدة...وهو الامر الذي لم يحصل حيث تكرر المشهد في 7 يوليو1994 ونزح الكثير من القيادات الحزبية واطيح بالحزب الاشتراكي من كل مفاصل السلطة..ولم يتم استيعابه حتى الان في اطار النظام... بمعنى اخر ان ثقافة المنتصر هي المسيطرة على الحكم.. وان التاريخ دار على الاشتراكيين من جديد.. وماحرموه سابقا على غيرهم... عاد مرتدا اليهم وتكررت المأسي والان يطالبون باعادة القيادات الاشتراكية الى جهاز الدولة ووظائفهم .. سؤالي سيدي..هل انتم نادمون على ماجري ..وكيف تبررون كحزب اشتراكي ذلك؟
د/ عيدروس :لست مطلعا على الكثير من تفاصيل الحدث عند قيام الوحدة ولكنني أعترف أن تسارع الأحداث لم يتح للحزب الاشتراكي اليمني معالجة أمور كثيرة ليس فقط ما يتعلق بــ13 يناير، بل وحتى تصحيح العلاقة مع القوى الأخرى، من المعارضة التي كانت غير معلنة، من الرابطة إلى الناصريين إلى جبهة التحرير، وربما كان موضوع أطراف 13 يناير ما يزال يثير بعض الحساسية حينها واستفادت السلطة في الشمال من هذا لتغذية خلافات كامنة لتأجيجها في المستقبل وهذا ما حصل.
لكن صدقني لم يعد هذا الموضوع يشغل أي من أطراف صراع 86م لأن الجميع صار ضحية لهذا الغول الذي لم يترك أحدا إلا وألحق به الضرر، ثم أن أطراف الصراع في 86م قد طووا هذه الصفحة ولم يعودوا يلتفتوا إليها، ولو سألت أحد الإخوة المسئولين المحسوبين على أنصار السلطة ممن يحسبون على 13 يناير لوجدته متبرما ساخطا ربما أكثر منك بسبب سوء المعاملة، لأن السلطة لا تتعامل مع شركاء بل هي تتعامل مع الناس، جميع الناس، على أنهم رعية أو أجراء يخدمونها مقابل بعض ما تمنحهم إياه من مصالح تافهة لا تساوي شيئا مقارنة بالوضع المهين الذي يعيشه الشعب وهم جزء منه.
الحزب الاشتراكي لم يطلب قط العودة إلى السلطة والخروج من السلطة في أي لحظة ليس عيبا ولا نقيصة، ولكن مثل هذا الخروج ينبغي أن يكون خروجا قائم على التنافس الديمقراطي النزيه والشفاف وليس بقوة الدبابة والمدفع.
وعلى كل حال ما نطرحه ليس السلطة أو النفوذ ما نطرحه هو أنه لا يجوز للمنتصر أن يتعامل مع التاريخ على أنه بدأ يوم انتصاره، وإذا كان الماضي قد حمل معه بعض الأخطاء وهي أخطاء في الشطرين، فقد كانت تلك الأخطاء نتاج لنظام الكبت واللون الواحد والرأي الواحد، أما اليوم وفي ظل الحديث عن الديمقراطية والحرية والتعددية والتداول السلمي للسلطة فلا يجوز أن يتعامل الناس فيما بينهم على أساس منتصر ومهزوم، أو غالب ومغلوب، وسالب ومسلوب، هذا المنهج ينبغي أن يزول من قاموس الممارسة السياسية حتى نبرهن فعلا أننا استوعبنا متطلبات الممارسة الديمقراطية.
أخبار الساعة: علي عبدالله صالح رئيس لليمن ام رئيس المؤتمر وايهاما يمثل اكثر؟
د/عيدروس : لو كنت مكان الرئيس علي عبد الله صالح لكان أول شيء أعمله هو الانسحاب من المؤتمر الشعبي العام وتركه يجرب الاعتماد على نفسه ويخوض المعركة السياسية بالاعتماد على كفاءته وخبرته، وهو بالمناسبة لديه العديد من أفضل الكفاءات السياسية و القانونية والاقتصادية، لكن الوضع الحالي جعل نجم الرئيس يطغى على نجم المؤتمر وولد حالة من الركود والاسترخاء والاتكالية لدى الكثير من مؤسسات وكوادر وقواعد المؤتمر وإذا هناك نجاحات يحققها المؤتمر فالفضل فيها يعود بعد الغش والتزوير إلى الرئيس ، وكم كنت أتمنى لو أن المؤتمر يمارس دوره كمؤسسة ويبرز من بين صفوفه من ينافس الرئيس في الانتخابات الرئاسية داخل المؤتمر قبل إعلان مرشحه لتلك الانتخابات لكن هيبة الرئيس والخوف من شخصه أبهت دور المؤتمر وحوله إلى جوقة لا تجيد إلا التهليل لما يقوله الرئيس حتى لو قال "أن الشمس تشرق من الشرق وأن المطر يهطل من السماء".
أخبار الساعة: هل هذا يعني أن المؤتمر الشعبي ليس حزبا سياسيا وانه تجمع لاصحاب المصالح والمنتفعين وان بقاء الرئيس هو ضمان وحماية لمصالحهم...ام ان المؤتمر الشعبي لا يضم بين صفوفه من هم اكفاء لقيادة العمل السياسي ومنافسة الرئيس في زعامة الحزب والبلاد؟
د/ عيدروس: لا هذا ولا ذاك!
المؤتمر حزي سياسي مثل أي حزب في اليمن لكن ميزته أنه من صنع السلطة وهو رديف لها، ويستمد قوته من المؤسسة العسكري والأمنية ومن شخص الرئيس أكثر مما يستمدها من قاعدته الجماهيرية المؤمنة بمبادئه، والميزة الأخرى للمؤتمر أنه لم يجرب العمل المعارض وأتصور أن أي خروج للمؤتمر من السلطة سوف يؤدي إلى تلاشيه واختفائه وهذا سيشكل خسارة كبيرة للحركة السياسية اليمنية، صحيح أ، الكثير من أعضاء وقيادات وأنصار المؤتمر هم من أصحاب المصالح لكن هناك نوعان من المصالح: هناك مصالح تكونت بفعل نشاط وكد ومعاناة أصحابها وهؤلاء لا فضل للمؤتمر عليهم بل ربما كانوا هم أصحاب الفضل على المؤتمر لما يقدمونه من إمكانيات ودعم مادي ومعنوي، وهناك مصالح طفيلية تكونت بفعل الانتماء للمؤتمر والتقرب من السلطة، أصحاب هذه المصالح سيكونون أول من يتخلى عن المؤتمر إذا ما تعرض لأي وعكة لا سمح الله، أما موضوع الكفاءات فاعتقد أن المؤتمر أخذ من كل الأحزاب الكثير من أفضل ما لديها من كفاءات بيد إن هذه الكفاءات تحولت إلى مخزون جامد نتيجة لعدم تسخيرها في صنع السياسات وغيابها عن موقع اتخاذ القرار الاقتصادي والإدارة والسياسي.
أخبار الساعة: علي سالم البيض حسب اخر الاخبار الصحفية يقال انه سيعود مجددا لممارسة العمل السياسي هل تعتقد ان عودته هي عودة لتعزيز الوحدة اليمنية ام عودة لمشروع الانفصال؟ وهل لديكم علم بذلك باعتبار البيض عضو لجنة مركزية بالحزب الاشتراكي؟
د/ عيدروس:لم أعرف المناضل علي سالم البيض إلا زعيما وطنيا وحدويا متجردا من كل نزعات المناطقية والجهوية ناهيك عن الانفصالية، طبعا لكي لا يقول أحد: وماذا عن انفصال 1994م؟ أقول أن هذا الحدث كان نتيجة وليس سببا فهو كان أحد تداعيات الحرب وبالتالي فكل ما ينجم عن الحرب يقيم في سياق تقييم الحرب وتداعياتها
أما عودته إلى الحياة السياسية فهذا حقه وهو مواطن يمني ومن حقه أن يمارس جميع الحقوق التي كفلها له الدستور، ثم إن البيض ليس شخصية هامشية جديدة على السياسة أو على العمل الوحدوي، إنه محقق الوحدة اليمنية وصانع المشروع الوحدوي السلمي التعددي الديمقراطي، فلا غرابة أن يمارس حقه في الحياة السياسية، ومع ذلك أعترف أن اتصالاتي الشخصية بالمناضل البيض معدومة ولا علم لي كيف يمارس حياته وما هي اهتماماته الراهنة ولكن عندما يقرر العودة إلأى البلد وممارسة دوره السياسي والوطني لن نقول له إلا على الرحب والسعة وأهلا بك لتشارك في إعادة مياه الوحدة اليمنية إلى مجاريها تماما كما صنعتها في 22 مايو 1990م
الجزء الثاني مع اسئلة القراء:
اخبار الساعة " سؤال من فتحي الازرق "لماذا اقصاء الكوادر الجنوبية عن الحزب الاشتراكي في الوقت الحالي
د/ عيدروس ـ ـ أشكرك أخي الكريم وبصدد سؤالك ينبغي أن تعلم أن العضوية في الحزب الاشتراكي هي عضوية طوعية وكل من يدخل الحزب الاشتراكي يعلم أنه لن يجني أي مكاسب من وراء هذا الانتماء إلى الحزب الاشتراكي بل ربما جنى بعض الخسائر نظرا للوضع الاستثنائي المفروض على الحزب والتعامل العدائي مع الحزب من قبل السلطة وأجهزتها.
ولست أدري من أين جاءت فكرة أن هناك إقصاء؟ ومن الذي يمارس الإقصاء؟
الحزب الاشتراكي ليس لدية اعتبارات جهوية ولا قبلية، الحزب الاشتراكي حزب وطني من كل محافظات اليمن، وكل من يصل إلى منصب قيادي في الحزب يعرف جيدا أنه يقدم على مجازفة ستجر عليه الكثير من المتاعب والأخطار ومن هنا يأتي الخوف من الالتحاق في الحزب الاشتراكي اليمني.
وليتك تعلم كم من الجهود نبذلها لنقنع هذا الزميل أو تلك الزميلة لتحمل هذه المسئولية أو تلك في قيادة الحزب، لأن الكل يعلم أن البقاء في المنصب القيادي للحزب معناه البقاء على مقربة من الخطر الذي يتطلب الكثير من التضحيات.