في الذكرى 27 أبريل 1994م الجنوبيين يتذكرون وطناً (غائباً) طباعة
حروب وصراعات مسلحة - مواضيع حرب 94م
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
الأربعاء, 25 أبريل 2007 03:25
صوت الجنوب /جلال عبدالله أحمد/2007-04-25
بعد 22 مايو 1990م, كانت المفاضلة بين الجنوبيين في الحوارات والنقاشات, تتركز بين السيء والاسواء, بين المنحوس وخايب الرجاء. أما بعد 27 أبريل 1994م, فقد تأسس هذا اليوم على جريمة حرب
عسكرية, وسياسية كبرى, تجتمع فيها القتل والسرقة والعنصرية, ثم الانقلاب


على شرعية الوحدة, على نحو أدى الى فقدان الوطن وكل مقوماته, أنقلبت الموازين والمعايير
والمقاييس الشرعية, والانسانية, والوطنية رأساً على عقب, وتحولت عن أصولها وأهدافها,
عكست أحقاد تاريخية جاهلية دفينه, تمثلت في تصفية حسابات وعقد قديمة وجديدة, تنطوي على
شطب الحق التاريخي والجغرافي لابناء الجنوب في أرضهم, وبالتالي حرمان الموطنين الاصليين
أصحاب الحق من حقوقهم المشروعة, وأي حقوق؟ أنها ليست ثمناً واجب السداد مقابل بضاعة,
وأنما هو الوطن الذي
نسكنه, والارض التي نمتلكها ونزرعها (منهوبة), ليصبح هذا اليوم ماكث في ذاكرة, ووجدان
الجنوبيين, كبداية ليوم أسود في حياتهم ومستقبلهم.. أرتبط بواحدة من أكبر المؤامرات
وأخطرها على الاطلاق, تعرض لها الجنوب وأهله أرضاً وأنساناً وتاريخاً بأسم الوحدة.. هذا
اليوم هو قرين الامل الكاذب, والفجر الكاذب, والحمل الكاذب أيضاً.. لان ما أنتهت اليه
أحوالنا وأوضاعنا, هو ما نحن فيه من تدهور وأنحطاط وأذلال, الى درجة يوشك أن يجعل ثلاثة
مليون جنوبي, تناسلوا من بين الصلب والترائب, مهددين معرضين من قبل الرئيس اليمني علي

عبدالله صالح ونظامه, بالانقراض والاختفاء من التاريخ والجغرافيا, على غرار ( أمارة
عربستان ), ومن ثم أختزال الزمن والتاريخ كله, في (لحظة تاريخية), التي جسد فيها الرئيس
اليمني, كما يصوره أعلامه, عظمة التاريخ الغائب والقادم, في شخص (البطل المقدس), وصولاً
الى سحب التاريخ الواقعي المباشر للجنوبيين نحو التلاشي, بأسم الاكثرية والقوة, وتحويل
الجنوبيين في وطنهم الى شعب من اللاجئين, وأن كانت الخيام في هذا اللجوء ليست مرئية.
لذلك, فأن الكلمات ترتجف وتهتز, وتسابق الانفاس ضربات القلب كمداً وخنقاً وغيظاً, حينما

يكون الحديث يتعلق بواقعنا نحن كجنوبيين, عند ئذ, كما قال قال بن غوريون مؤسس دولة
أسرائيل على أرض فلسطين:" الكبار يموتون والصغار ينسون وأنا حتى الآن لم أمت ولن
أنسى".. وطبقاً لذلك, وبصفتي أحد المشاركين, كعسكري جنوبي, في الحرب بين اليمن الشمالي
واليمن الجنوبي عام 1994م, تحت ذريعة الوحدة ضد الانفصال, فأنا أيضاً لازلت حياً ولن
أنسى, سيما وتلك الحرب كانت (داعرة), لم تكن بين وحدويين وأنفصاليين, وأنما حرب مقاصد
وغايات ومصالح محلية وأقليمية ودولية, كرس الرئيس اليمني جهده وتعامله
لخدمة هذه المصالح خلال الحرب, ولازال بعدها.. وبالتالي قدم نفسه, وكأنه ظل الله على
الارض, كمفوض بأمر الهي عسكري وديني لحماية الوحدة, بحيث قال يومها, أن الله مع القوي,
وبصفته رئيساً للجمهورية والقائد الاعلى للقوات المسلحة, يأمره الله بأعتلاء منصة
التاريخ في ميدان السبعين, بجانب النصب الذي كتب عليه مبادئ  26 سبتمبر 1962م, ليرسل
للجنوبيين رسالة من أبليس الى المناحيس, ذات مضمون مقتضب وزع فيها التهم الغليظة, ذات
العيار الثقيل, تمثل في وصم الجنوبيين بالخيانة الوطنية, وهذه الخيانة دفعت فخامة
الرئيس, كما يؤكد دائما للوقوف بحسم, مما جعله يعلن الحرب على الجنوب الكافر في 27
أبريل 1994م, بموجب فتوى دينية للشيخ البائس (الديلمي), المستندة على سنة الله ورسوله,
وقد قال الرئيس اليمني عبارة مشهورة, كانت تتداول أيام الحرب الاهلية التي نشبت عام
1968م بين الملكيين وأولادهم الجمهوريين على السلطة, حيث قال أحد المدافعين عن النظام
الجمهوري يومذاك:" جمهورية أو الموت", بينما فخامته أدخل عليها تحسينات بديعية, وقال:"
وحدة أو الموت".
هكذا, بفضل حنكت الرئيس, كما يقول الاعلام اليمني, الذي مارس اللعبة حسب الاصول, جسد
ذلك في تحالفه الحذر في البداية مع كوكبة من خيرة الكوادر العسكرية الجنوبية, المجربة
والمقتدرة عسكرياً وهي في نفس الوقت حاملة لواء المعارضة الجنوبية القوية, لنظام الحزب
الاشتراكي أنذاك, وهو حزب (مجفي مناحه), وكانت معروفة على مستوى الجنوب, وتتمتع بثقل
عسكري وسياسي كبير, فلم يعطي الحزب أهتمام لها, ويبدو أن الحزب كابر, وحاول الاستهانة
بها والتقليل, ليس من دورها وتأثيرها, ولكن من قوة خصمه الشمال أيضا, مما جعل الرئيس
يقتنص الفرصة النادرة وأستغلالها, فقد أصدر جملة من القرارات أثناء الحرب, تقضي ليس على
تعيين هذه القيادات, كقادة لجبهات القتال ضد الجنوب فحسب, بل حملت أكثر من معنى
سياسي وعسكري للعالم, ويومذاك, أسند المهام القتالية على مختلف جبهات القتال لهذه
القيادات, التي برزت متعطشة للعمل العسكري, للثأر من الحزب الاشتراكي, ومن ثم زج بها في
المعارك كمقدمة عسكرية وسياسية, ولمعت أعلامياً في المقابلات والحوارات في خضم المعارك,
وقد نفذت المهام على أكمل وجه, وكانت في مستوى المسؤولية العسكرية المناطة للتنفيذ,
وكان لها الدور الحاسم في أحراز النصر المبين ضد الجنوب, خصوصاً بعد ما تباعدت المسافات
الاهداف والمصالح بين الجنوبيين, ثم تقاطعت الطرق, وفي نفس الوقت تشرذم الجنوبيين
عسكرياً وسياسياً, بالولاءات والحسابات فيما بينهم, الى درجة أن بعض القيادات هزمت قبل
الدخول في المعارك, والبعض الاخر كانت أهدافهم تصفية حسابات سياسية والاخذ بالثأر, وكما
كان يردد أحد القادة العسكريين (ديك يوم ولا دجاجة عام), مما جعل بعض القيادات الاساسية
تدخل الحرب مترددة, قال كاتب عربي, بنصف أقتناع وبنصف عزم وبنصف جهد, بالاضافة الى شراء
الذمم والمبادئ والاخلاق والاهداف الكبرى والصغرى, لبعض ضعاف النفوس من
القيادات العسكرية, وقد تم قبل نشوب الحرب, حسب أهمية البضاعة وعرضها للتسويق أعلامياً,
كيفما أتفق, وبسعر التكلفة, وهناك كانت الهزيمة المروعة, نتيجة لذلك.
ولان فخامته مبروك, فقد كسب الحرب بالخدعة, وأصطاد الجنوب بالجنوبيين, وهم غافلون,
مستلهماً – رغم خبرته العسكرية والثقافية المحدودة- مقولة نابليون:"أنك تستطيع أن تفعل
كل شيء بالحراب, عدا الجلوس عليها". فلو لا ماالقيادات الجنوبية العسكرية, لما قامت
الحرب من الاساس, ولو لاهم لما وصل (فخامته) الى هذه المكانة المرموقة, ليلبس ثوباً
أكبر من ثوبه, والله يجازي من كان السبب, علماً أن هذه القيادات الجنوبية, التي قادة
الحرب ضد الجنوب, هي نفسها تلك القيادات التي قادة الحرب ضد الشمال عامي 1972م, و1979م,
ووصلت في حرب 1979م الى مشارف صنعاء, دون أن تنهب علبة كبريت, وبعدما نفذت هذه القيادات
واجباتها, بالحق أو الباطل لخدمة الرئيس علي عبدالله صالح, وحققت له أكثر مما كان يحلم
به, بقناعات وطنية أو تصفية حسابات, فقد قرر (الافندم) بأحالتهم الى التقاعد.
هكذا قدمت الجنوب للرئيس, على (طبق) من ذهب, فاق الانتصار كل التوقعات والسقف والمخطط
للحرب, ليصبح الرئيس, هو المالك الشرعي الوحيد للجنوب دون منازع, وكل شاردة وواردة
بيده, مالك الماء والكلاء, والتاجر الوحيد لمعظم موارد الجنوب ومحاصيله وبضائعه على
النحو التالي:
أولاً: منذ دخول القوات الشمالية الجنوب وأحتلاله, كان (فخامته) في سباق مع الزمن وتصرف
مع القيادات العسكرية والامنية على قاعدة: "الوقت كالسيف, الم تقطعه قطعك". ولانه
لايدري ماذا سيحصل غداً, فقد فوض القيادات العسكرية والامنية الشمالية منذ 7/7/1994م,
المرابطة في الجنوب, بالعمل على مصادرة أراضي الجنوب والاستيلاء عليها, وبالذات في عدن
وحضرموت, وحمايتها بالاطقم العسكرية, ومن ثم تقسيمها وتوزيعها على أفراد القوات المسلحة
الشمالية داخل الجنوب, والحسب والنسب, كل حسب درجته وكرامته, بأعتبار الجنوب وأهله,
غنائم حرب, وبأوامر مباشرة
من الرئيس, يجري التعامل والصرف, عبره شخصياً, وعبر مؤسسته الاقتصادية العسكرية, علاوة
على ذلك, ترك الحبل على الغارب لهذه القيادات الشمالية, تسرح وتمرح كما يحلو لها, منذ
دخولها لغاية اليوم, كونها الخصم والحكم والادارة والقانون.
ثانياً: وضعت خطة سياسية محكمة بعد 7/7/1994م, تقضي بأستقدام الالاف من المواطنين
الشماليين تفوق عدد المواطنين الجنوبيين الى الجنوب, وبالذات عدن وحضرموت, ومن ثم العمل
على صرف الاراضي وتمليكها لهذه الاعداد  من المستوطنين الجدد, بحماية القوات الشمالية
في الجنوب, ومن ثم تسليح هذه الاعداد الى جانب الجيش الشمالي المحتل, بينما الجنوبيين
ممنوع عليهم حمل السلاح في وطنهم, وان وجد ففي بيوتهم.
ثالثاً: حقق الرئيس مهمة وطنية تضاف الى الانجازات الوحدوية, وهي القيام بتشكيل جهاز
أمني جديد, أطلق عليه الامن القومي, ليتولى مسؤولية أمن المطارات والموانئ والمنافذ,
دون ما يوجد بين صفوف هذا الجهاز جنوبي واحد, وبالذات في الجنوب, وهذا الانجاز تحقق
(بفضل ربي).
رابعاً: أوغلت القوات الشمالية في الظلم والاستهانة بالجنوب, وكأن كل ما تفعله القوات
الشمالية من ممارسات غير أخلاقية, لايأتيها الباطل من بين يديها أوخلفها. فقد أمعنت في
أستباحة حقوق الانسان وكرامته وحياته. ففي كثير من خطابات الرئيس وأحاديثه, العامة
والخاصة, يوحي للاخرين , بأن الجنوب هبة من الله لنا, ويقول:"اليوم أتممت رسالتي لقواتي
في الجنوب, وسلمته لكم, ورضيت لكم بالجنوب أرضاً.. فدافعوا عنه وأستميتوا وموتوا فيه".

وبناء على ذلك, ليس في اليمن وحدة, ولكن لدى الرئيس شعارات عن الوحدة (تطير العقل),
وبالتالي ليس لدى فخامته شيء جديد يقدمه لليمن, أكثر مما قدم نفسه في مؤتمر الدول
المانحة لليمن المنعقد في لندن من 15-16 نوفمبر 2006م, فقد أصبحت أهم القضايا
الاقتصادية والاجتماعية المكتوبة بدماء الشهداء, ودموع الايتام والارامل, مادة للتندر
والفكاهة, وخفت الدم لدى المواطنين.
لذلك, فمن الذي وضع الجنوبيين في هذا الوضع المهين, الذي أصبحوا فيه خاضعين, مستكينين,
ذليلين, مستسلمين, يتلقوا الضربات والطعنات في جميع زوايا أجسامهم؟ من الذي حطم كبرياء
الجنوب, وحطم من شأن الجنوبيين؟ من الذي أهدر ماضينا وحاضرنا, وسرق مستقبلنا؟ اليس في
الجنوب من يحزن على حالنا ويرفض ما وصلنا اليه؟ الم يعد في العروق دماء تجري, وقلوب
تنبض بالشرف والكرامة لرفض هذا الاحتلال البائس المتخلف, الذي يعتبر بكل المعايير أسواء
من الاستعمار الاجنبي؟
مسكين الجنوب والجنوبيين, سيظلوا يبكوا ويتنحبوا.. الضعيف هو الذي يدفع الثمن.. نحن
أخترنا بكامل أرادتنا, أن نكون ضعفاء, خاضعين منذ 7/7/1994م, والان يتمتع سارقوا الوطن
بكل ما فيه من خيرات, وكأن البلد والناس مجموعة من الغنم, لا رأي لهم ولا قول.
وكجنوبيين, نحن نعرف من أوصلنا الى هذه الماسآة, فمن تسبب في أحداث 13 يناير 1986م
المشؤومة (وجابها الملب) وترك عدن تحترق؟, ومن ورطنا في قرار الوحدة الفورية من داخل
النفق؟ هما المسؤولين بالدرجة الاولى أمام الله والوطن وأمام التاريخ.
وفي الختام أقول لفخامة الرئيس علي عبدالله صالح:"أن دوام الحال من المحال, في أبوك و
أبوي ما دامت لك".

جلال عبدالله أحمد
24 أبريل 2007
أبين
آخر تحديث الأربعاء, 25 أبريل 2007 03:25