هل أصدقاء اليمن ... أعداء للجنوب ! - بقلم: أحمد عمر بن فريد طباعة
مقالات - صفحة/أحمد بن فريد
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
السبت, 02 أكتوبر 2010 07:34

عندما تدير السياسة وجهها بشكل كامل عن منظومة القيم والأعراف الإنسانية , وعن مفاهيم " الحق والباطل " فإنها لا تفعل ذلك غالبا بطريقة فجه وسافرة ,

لأنها تعلم حقيقة وبشاعة ما تفعل وما تحدثه من انتهاكات واضحة للقيم الإنسانية .. ولأنها لا تريد أن تكشف القناع عن وجهها بشكل تام فتفضح نفسها , فإنها غالبا ما تلجأ إلى صناعة المبررات والحجج والذرائع ذات الطابع الأخلاقي لكي تتستر بها ولكي تداري بها جرمها ووقاحتها وربما فضيحتها أمام الرأي العام المحلي في دولها وفي دول العالم الحر بشكل عام .
    " أصدقاء اليمن " .. مسمى سياسي من هذه النوعية التي نتحدث عنها , إذ يتبادر إلى ذهن الذي يطلع عليه للوهلة الأولى أو للذي يتابع أخباره من بعيد سواء كان في المكسيك أو في الكنغو الديمقراطية أو حتى في أي دولة عربية قريبة , بأن هناك مجموعة من الدول " النبيلة " قد قررت لاعتبارات أخلاقية ,أن تعتبر نفسها " صديقة لليمن " وذلك على خلفية الظروف الصعبة التي يمر بها هذا البلد المسكين ! .. وللصداقة مفهوم وقيمة أخلاقية وإنسانية لا علاقة لها بالسياسة , ويحمل المخيال البشري بشكل عام تصور ثابت يفيد بأنه من واجب الصديق تجاه صديقه العزيز ان يهب لنجدته ومساعدته وتقديم العون والمساعدة له , كي ينجو من ورطته او يتجاوز أزمته .. ولأن " الصداقة " تكتسب هذا المعنى الرفيع في الفكر الإنساني العام , فقد اختار الراسخون في السياسة أن تكون هذه المجموعة تحت هذا المسمى تحديدا .
     لكن قواعد اللعبة السياسية أيضا , تخبرنا بأنه لا توجد فيها " صداقة ثابتة " بهذا المعنى الذي تحدثنا عنه , وإنما تتواجد فيها بشكل دائم " مصالح ثابتة " , وربما ان الكشف والتدقيق في قائمة " أصدقاء اليمن " هذه سيخبرنا بسهولة تامة ان " المصلحة الآنية " كانت ولا زالت هي المحدد الرئيسي لعدد ولنوعية هؤلاء الأصدقاء ولغرضهم الرئيسي " النفعي " المحض من هذا التجمع الكبير .
     غير أن هناك حقيقة أخرى تقدمها لنا السياسة أيضا تنبئ بشكل واضح وقاطع , بأن هؤلاء الأصدقاء يمكن أن يتحولوا بين عشية وضحاها إلى " أعداء وخصوم " لليمن .. أو فلنقل بشكل دقيق " خصوم للنظام الحاكم " وذلك إذا ما شعر هؤلاء " الأصدقاء " ان مصالحهم لم تعد ممكنه مع هذا النظام وإنما هي ممكنة مع غيره , فيتحول الصديق إلى عدو, والعدو إلى صديق وفقا لمحددات الصداقة في القاموس السياسي وليس الإنساني بطبيعة الحال .
   إذا .. أصدقاء اليمن .. أو أصدقاء النظام هم أصدقاء لمصالحهم بالدرجة الأولى , وليس في ذلك - حسب العرف السياسي الدولي الجاري - حرج عليهم  .. ولا هم بما يفعلون يأتون بالجديد المقيت , فمن حقهم كدول , بل من واجبهم  ومن صميم مهامهم ان يبحثوا عن مصالحهم ومصالح شعوبهم سواء كانت في اليمن أم في بلاد الهند أو حتى في القمر والفضاء كما هم يفعلون ويجتهدون . ومن حقهم للوصول إلى ذلك بذات المعنى السياسي المتعارف عليه أن يقلبوا الحق باطلا والباطل حق .. ! وعلى الجانب الآخر فانه من حق هذا النظام البائس الذي يحتل أرضنا ان يجتهد بدوره كي يجد له " أصدقاء " يتبادل معهم المنافع والفوائد والمصالح لكي يبقى هو محتلا لأرضنا محققا منها مصالحه ومنافعه, ولا يهمه هو ( كنظام احتلال ) من جهة أو أصدقاءه جهة أخرى , ماذا تعني " قضية الجنوب " .. وما هي مشروعيتها الأخلاقية وما حجم وطبيعة ما تختزنه هذه القضية في جوفها من " حق مطلق " لا غبار عليه .. كما انه لا يهمهم أيضا – لا هم ولا نظام الاحتلال – ما يعانيه شعب الجنوب ولا ما يقدمه في سبيل استعادة وطنه السليب من تضحيات ودماء وأروح زكية لخيرة شبابه المؤمن بقضيته العادلة .. ولا أظنهم جميعا يكترثون كثيرا لعدد التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان الدولية او حجمها , التي تصور بشاعة الجرائم التي ترتكب ضد شعبنا في مسيرته الظافرة – باذن الله – لانتزاع حريته واستقلاله الناجز .
    ووفقا لكل ذلك .. فمن الطبيعي جدا ان يتمكن وزير خارجية صنعاء انتزاع " عبارات " ذات مضمون سياسي هام بالنسبة له ولرئيسه تتحدث عن التزام مجموعة " الأصدقاء " بوحدة اليمن ! ومن الطبيعي جدا ان ينتشي الوزير ووفده ورئيسه بهذا الانتصار المعنوي " الوهم " .. غير ان الإصرار على ورود مثل تلك العبارات في البيان الختامي لمؤتمر الأصدقاء الأخير الذي انعقد في نيويورك من قبل النظام , دليل أكيد على أن عرشه  قد  دخل مرحلة السقوط والنهاية, وهو دليل دامغ أيضا على أن الاحتلال قد وصل به الوهن والضعف والانكسار حد الاحتماء بعبارات " الحبر الدبلوماسي " كي يتوسلها ويستجديها من هذا الوزير أو ذاك لكي تعيد له قليلا من التوازن الداخلي المفقود جراء الضربات المتلاحقة التي يتلقاها كل يوم من هذا الجنوب الثائر .
     لكننا كأصحاب حق تراه مجموعة الأصدقاء باطلا .. نود أن نذكرهم بمجموعة حقائق يمكنهم  قراءتها سياسيا أو أخلاقيا في وقت واحد كيفما شاء لهم ,  كونها ستقدم للقارئ المهتم منهم في آخر الأمر " نتيجة واحدة " .. هذه الحقائق التي نتمنى عليهم ان يدركوها ويعوها جيدا تتلخص فيما يلي :
أولا : إننا نحن أصحاب الأرض الأصليين ونحن الذين نقف على تراب هذه الأرض وليس غيرنا, وكنتيجة طبيعية منطقية لوقوفنا على أرضنا فإننا نحن وليس غيرنا من يصنع الحقائق تلو الحقائق على هذه ألأرض كل يوم .. كما إن الحقائق السياسية المستجدة , التي استدعت تشكيل مجموعة " أصدقاء اليمن " على وجه السرعة , والتي أدت إلى ذلك العدد من الاجتماعات المتعاقبة بتوصياتها المتعددة , إنما هي حقائق من " صنع وإنتاج " أهل الجنوب .. أهل الحق ضد أصحاب الباطل .. أي أهل الأرض الأصليين ضد المعتدين علينا وعلى هويتنا وتاريخنا ووجودنا .
ثانيا : ان شعب الجنوب الذي صنع تلك الحقائق الجديدة بحثا عن حقه الشرعي كردة فعل طبيعية – وخلافها يعتبر غير طبيعي وفقا لتجارب الشعوب - هو القادر أيضا على صنع حقائق أخرى جديدة من شأنها ان تضع حقه في ميزان العدالة اليوم او غدا .. ومن شأنها أيضا ان تغير في أرقام المعادلة السياسية التي تعتمدون عليها في تعاملكم مع اليمن , وهذا يعني إنكم أمام معادلة سياسية " متغيرة ومتبدلة " وليست ثابتة .. وان الطرف الذي يغير أرقامها وهو شعب الجنوب ...هو " وحدة " القادر على تثبيتها على الصورة التي ترضي طموحاته وآماله ومصالحه بطبيعة الحال كقانون بشري منذ ان خلق الله هذه البسيطة واستخلفنا فيها .
ثالثا : ان الحوار الذي يدعو إليه نظام الاحتلال ومنظومته السياسية في المعارضة والتي تؤيدون أطرافها – التي هي أطراف الاحتلال - على المضي فيه قدما , إنما هو عملية حوار " عقيمة " لن تنتج الا الفشل والعقم ذاته .. لأننا ببساطة شديدة لن نكون ولن نقبل ان نكون طرفا فيها وذلك لسبب منطقي واحد يتلخص في حقيقة ان هذا الحوار يشترط علينا كجنوبيين , ان نتنازل عن حقنا في وطننا وحقنا في قضيتنا وفقا لرؤيتنا ويشترط ان ننسى جوهر قضيتنا .. والتي هي قضية ارض وشعب وهوية وسيادة ودولة محتلة وهذا يعد في حساباتنا الوطنية " جريمة وخيانة " وطنية عظمى يأبى جميع أبناء الجنوب المشاركة فيها , ولأن الجنوبي الحر لن يقبل ان يشارك في حوار كهذا فمن الطبيعي جدا ان يكون هذا النوع الغريب من الحوار مجرد حوار عقيم لا جدوى ولا منفعة حقيقية منه .
رابعا : إن تجاهل قضية الجنوب " أرضا وشعبا " في الفكر السياسي لأصدقاء اليمن يعتبر خطأ استراتيجي جسيم , كما أن المضي قدما في هذا النهج يعتبر " مضيعة للوقت وللإمكانيات " معا ... كما ان من شأنه تهيئة الظروف المناسبة  التي يمكن ان تساعد على تفجير الوضع " شمالا وجنوبا " لا سمح الله .. وهو الظرف الذي تخشون حدوثه وتعملون من اجل منعه , لأن ما تقومون به لا يتجاوز في حقيقته – مع الأسف الشديد – حدود الترقيع أو تقديم مسكنات " الباندول " لمريض يسري في جسده المنهك سرطان الموت .

*كاتب سياسي وقيادي في الحراك الجنوبي