المشروع السياسي الجنوبي الآن طباعة
مقالات - صفحة /عبده النقيب
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
الثلاثاء, 08 يناير 2008 01:21
صوت الجنوب / عبده النقيب/2008-01-08
بادئ ذي بدء أود التنويه إلى أن الحراك السياسي في الساحة الجنوبية كلها قد بلغ ذروته في التصعيد الميداني وفي الخطاب السياسي وضع معها الجنوب وقضيته على أعتاب مرحلة تحول جذري يحدد مستقبله برمته

عندما بدأ الجنوب يقاوم مشروع الاحتلال اليمني منذو اللحظات الأولي التي أعلن فيها عن الوحدة بيين الدولتين والشعبين شهدت المرحلة الانتقالية أول المواجهات بين مشروع الوحدة الجنوبي وبين مشروع الضم والإلحاق اليمني فصارت كل الاتفاقيات واللجان الوحدوية هباءا منثورا.  بدأت مرحلة المقاومة الجنوبية عبر رفض ذلك المشروع - المؤامرة - الفخ الذي دخلت فيه أطراف إقليمية كنظام نظام صدام حسين بشكل خاص بدأت تعبر عنها في التذمر والرفض للضم على كل المستويات من الموظف البسيط حتى نائب الرئيس وأنتقل التذمر إلى الشارع الذي صار يرفض بدون تمييز كل ماهو قادم من اليمن كنتيجة للممارسات الإقصائية والتعسفية والتهميش الذي لحق بكل ماهو جنوبي مواطنا وأرضا كانت أولى مؤشرات ذلك الرفض الشعبي واضحة في انتخابات 1994م الذي حصد فيها الحزب الاشتراكي كل أصوات الجنوب بمن فيها أصوات أولئك الجنوبيين الذين ناصبهم الحزب وناصبوه العداء لمدة 25 عاما.
أنتقل التذمر والرفض الجنوبي للوضع القائم إلى مواجهة بدأتها مرحلة اغتيالات منظمة من قبل الرئيس صالح وأجهزته لكوادر الجنوب وانتهت باجتياح الجنوب عسكريا من قبل القوات اليمنية وتدمير ونهب كل مؤسسات الجنوب ومنجزاته لتمتد أيدي الاحتلال إلى تاريخ الجنوب الحديث والقديم وتدمير الإنسان بشكل ممنهج عبر التغير الديمغرافي وعبر التجويع والتشريد والتنكيل الذي يكاد يشبه ما تعرض له الهنود الحمر قبل عدة قرون في أمريكا.
بدأت طلائع المقاومة الجنوبية لهذا الاحتلال تظهر من خلال المواجهات المسلحة في الضالع بعد حرب الاحتلال سواءا منها العفوية أو تلك التي تبنتها حركة حتم الغير ناضجة والمظاهرات العارمة التي خرجت في حضرموت التي سقط فيها عدد من الشهداء, تطورت لتظهر تلك المقاومة بشكل سياسي عبرت عنه من خلال ظهور اللجان الشعبية التي اتخذت طابع وطني جنوبي والتي سرعان ما حضرت من قبل السلطة وتصدت لها العناصر الغير جنوبية من قيادات الحزب الاشتراكي اليمني الموالية للرئيس بشكل مباشر. كما ظهر ملتقى أبناء المناطق الجنوبية والشرقية الذي مثل أصحابه قطب التحالف الجنوبي اليمني في الحرب أيضا كمؤشر على اتساع دائرة الر فض الجنوبي والاصطفاف الوطني الجنوبي ضد مشروع الاحتلال اليمني ولا يمكن لنا هنا أن نضم الجبهة الوطنية للمعارضة (موج) في عداد عوامل الرفض والمقاومة الجنوبية كونها برغم مما احتوت من عناصر وطنية جنوبية وعدد كبير ممن خاضوا الحرب ببسالة ضد جيش الغزو اليمني لكن القيادة المسيطرة والتي كانت توجه الدفة جعلت من ( موج) مشروع مؤامرة أضر بالقضية الجنوبية وبالجنوب أيما ضرر.

ومع تصاعد وتيرة التدمير الذي يطبقها الاحتلال اليمني في الجنوب كان الحزب الاشتراكي اليمني أحد الأهداف التي نجحت في تحقيق هدفها منه فقد أسرته سلطاته صنعاء وصار طرفا في المعركة ضد الجنوب خاصة بعد أن تخلى عن القضية الجنوبية وأعطى الاعتراف والشرعية للاحتلال اليمني من خلال إدانته لما يسمى بالانفصال ومن خلال دخوله الانتخابات اليمنية في عام 2001م. ظلت كلدر معارضة جنوبية ظهرت ممثلة بتيار إصلاح مسار الوحدة الذي تبلور بشكل واضح ضم في إطاره العناصر الوطنية الجنوبية كمشروع يرفض السياسية اليمنية العنصرية ويرفض مشاركة الحزب الاشتراكي فيها ويدعو للحق الجنوبي ولو من باب إصلاح مسار الوحدة.
ظلت  كل هذه الحركات وأشكال المقاومة معزولة فلم يستطع أي منها أن يبلور مشروع وطني  يقدمه للشارع الجنوبي برؤية وطنية تستشف أفاق المستقبل وتسمي الحاضر بما هو عليه ويرجع ذلك للخوف والانكسار الذي مني به الجنوب وللقمع والتنكيل الذي تمارسه سلطات الاحتلال التي تفردت بالساحة الداخلية والخارجية على حد سواء .
وفي صيف 2004 تحول يوم سقوط عدن عاصمة الجنوب الأبدية في 7 يوليو إلى يوما لإعلان قيام الثورة الجنوبية وظهور التجمع الديمقراطي الجنوبي (تاج) كحركة أعلنت أن ماهو قائم هو احتلال يمني وأن مسيرة التحرير قد انطلقت لتقرير مصير الجنوب واستعادة الدولة الجنوبية المستقلة.. أثار إعلان ( تاج) هزة قوية حركت الشارع الجنوبي ومياهه الراكدة و شيئا فشيئا بلورت مشروع تحرري يحافظ على الهوية الجنوبية المستقلة ويدعو لسيادة الجنوب أرضا وشعبا. مثل مشروع ( تاج ) الذي شخص الحالة السياسية الراهنة بشكل واضح ورسم أفاق المستقبل حجر الأساس في الوحدة السياسية والوطنية الجنوبية التي تعرضت للتمزق بسبب التنكر للهوية الجنوبية وتاريخ الجنوب المستقل فحقق برنامج ومشروع( تاج) المعجزة التي طالما حلمنا بها وهي إطلاق مشروع الوحدة الجنوبية التي تحققت من خلال مسيرة التصالح والتسامح الجنوبي الجنوبي خلال فترة قصيرة فشلنا في تحقيقها خلالها أربعة عقود..
قدم ( تاج) مشروعة السياسي الجنوبي من الخارج وأطلق العنان لسقفه لما مثلته الحرية التي تمتع بها في المنفى حيث كانت كلمة الاحتلال اليمني التي يرددها في خطابة السياسي بمثابة الانتحار والكفر من قبل الكثيرين الذين قرأوا الواقع السياسي بشكل مغلوط.. لكنها بدأت تتغلغل بين أوساط الجماهير الجنوبية وتسري في الخفاء كما تسري النار في الهشيم..
 كان (تاج) قد وضع نصب عينه حجم الصعوبات والمخاطر المرتبطة بعدم وجود الإمكانيات وسيطرة النظام اليمني على كل شئ من ثروة وقوات أمن تنتشر في كل قرية ومدينة من الجنوب وحجم الدعم الكبير الذي يتلقاه النظام من المؤسسات الدولية والدول المانحة والولايات المتحدة بشكل خاص. لذا فقد كان علينا في ( تاج) أن نختار التكتيك والاستراتيجية المناسبتين اللتان كانتا غائبتين عن الكثير بل وعارضهما الكثير من الجنوبيين.. إنها إستراتيجية العمل السلمي بهوية جنوبية ونقل المعركة من مكاتب الأحزاب والقيادات إلى صفوف الجماهير لتمسك بزمام القيادة وهي التي تعرف كيف تصون وتحافظ على هذه الثورة الوليدة.
هكذا تبلور المشروع الجنوبي التحرري فتحولت جمعيات المتقاعدين والعسكريين والأمنيين والمدنيين الجنوبية وملتقيات التصالح والتسامح والتضامن الجنوبي وجمعيات الشباب إلى دعاة للقضية الجنوبية بآفاقها السياسية التحررية ووقفت سدا منيعا بوجه مؤامرة أحزاب اللقاء المشترك الذي صرفت مئات الملايين من خزينة الرئاسة في محاولة منها لاحتواء هذا الحراك السياسي الجنوبي وتحويله على حركة مطلبية وتهميشه من خلال السيطرة عليه وتفريخه واستنساخه في محافظات اليمن الأسفل في إيحاء منها لإعطاء الثورة الوطنية الجنوبية طابع يمني مطلبي ليس إلا.
  كان لنقل المعركة من أيدي الأحزاب والقيادة السياسية إلى الشارع الجنوبي دورا حاسما في توجيه الضربات الموجعة لمؤامرة أحزاب اللقاء المشترك ومشاريع التساوم والتمييع التي أطلت برأسها من الداخل والخارج فأعطت لهذا الحراك السياسي الشعبي قوة اكبر مكنه من تثبيت أقدامه وبلورة مشروعه السياسي الذي يدعو إلى الاستقلال هذه المرة من عدن وليس من لندن مما دفع بقوات الإحتلال إلى دق ناقوس الخطر واستعراض القوة العسكرية بشكل يومي في مناطق الجنوب دون أن تثني عزم الثورة الجنوبية التي تجاوزت عنق الزجاجة.

هكذا عرفنا أن الوحدة الوطنية الجنوبية وتجاوز التمزق الجنوبي كان عموده الفقري أصلا تحديد هوية الجنوب المستقلة وكذلك إيجاد مشروع يدعو إلى تحرير الجنوب من الاحتلال اليمني دون خلط أو لبس بين مفهومي الوحدة والاحتلال وهذه هي المرحلة الأولى التي أنجزت بنجاح من مسيرة ثورتنا لكننا الآن أمام انعطافة هامة تواجهنا فالوحدة الجنوبية ليس الهدف النهائي الذي نتحدث عنه لأن الحفاظ على هذه الوحدة يتطلب مشروع سياسي ودولة وطنية تصون هذه الوحدة وتحافظ عليها وهي الهدف الأسمى.. هكذا يصبح بلورة مشروع سياسي جنوبي واضح الآن ضرورة ملحة يحافظ على هذا الزخم ويقوده نحو الخلاص من الاحتلال اليمني وينجز الاستقلال الثاني.
إن من يطرح أننا في مرحلة عدم تحديد الكيفية التي يجب أن تحل بها القضية الجنوبية قبل اعتراف حكومة صنعاء بالقضية نفسها قد غابت عنهم أشياء كثيرة أهمها أن نظام الاحتلال اليمني وكل أنظمة الاحتلال التي عرفتها البشرية لا تعترف بأي مشروع تحرري إلا إذا فرض عليها سواءا بالسلم أو بالكفاح المسلح.. وإن أي غياب لرؤية المشروع الجنوبي في كيفية حل القضية الجنوبية سيصيب الشارع الجنوبي وقواه الحية بالتفكك والضياع.. لقد قامت الوحدة الوطنية الجنوبية على أساس هذه الرؤية الواضحة فمثلما فشل تيار إصلاح مسار الوحدة في تقديم مشروعه للشارع الجنوبي وتوحيده فقد ظل يراوح في مكانه حتى تجاوزه الشارع الجنوبي صار هذا المشروع هو أكثر جذبا لأحزاب اللقاء المشترك الذي بدأت تتبناه دون تردد ولو من باب المغالطة.
 هكذا يظهر لنا أن شعار التحرر من الاحتلال اليمني بمضامينه الوطنية الجنوبية هو وحده الذي وحد هذا الشارع وحركه بالاتجاه الصحيح.. كما أن الطرح الذي يقول بنهاية الوحدة كنتيجة لحرب الاحتلال 1994 يعني أن ماهو موجود اليوم يعد احتلالا وأن أي حل لقضية الجنوب لابد أن يكون تحريره من هذا الاحتلال بهدف الاستقلال بالضرورة.. ثم إن الحلول التوفيقية التي تنطلق من حل القضية الجنوبية عبر بوابة مشروع الحكم المحلي أو الفيدرالية تتجاهل بشكل كامل الأسباب التي أدت إلى فشل الوحدة وهي نفس الرؤية الخاطئة التي قادت إلى إعلان قيام الوحدة فالأولى سببت كارثة تاريخية للجنوب ولو كانت بحسن النية أما الثانية فستقضي على كل أمل في الإنعتاق والتحرر وستدفن القضية الجنوبية وإلى الأبد.
الوحدة التي أعلنت وقتلت في المهد قادها مشروع وطني عاطفي فرضته الظروف التي عاشتها المنطقة في ظل تصاعد المد القومي التحرري الذي آل هو أيضا إلى الفشل على كل المستويات وبمختلف تياراته الناصرية والبعثية والماركسية.. لكن أن نكرر المأساة مرة أخرى فإنها ولعمري جريمة لا تغتفر.. لقد فشلت الوحدة لأسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية ونفسية وليس بسبب عدم وطنية سلطات علي عبدالله صالح كما يروج لها البعض وفشلت معها كل الحلول الممكنة خلال ما سمي بالمرحلة الانتقالية التي تلت إعلان قيام الوحدة حيث مثلت وثيقة العهد والاتفاق التي التفت حولها كل القوى الوطنية في الجنوب واليمن والمسنودة عسكريا واقتصاديا وسياسيا من الجنوب دليلا قاطعا على عدم توافر الظروف والشروط لقيام أي نوع من الوحدة ولو بحدودها الدنيا.. لكن أن نطرح مشروع حل القضية الجنوبية عبر بوابة الحكم المحلي أو الفيدرالية بعد فشل كل المحاولات ومنها فشل مشروع إصلاح مسار الوحدة فإنه لن يحل المشكلة الجنوبية ولن يحقق لها أي مكاسب بل أنه سيعطي طوق النجاة لنظام الاحتلال ويمده بمزيدا من العمر حتى يتمكن من هضم الجنوب وتذويبه وشطبه وإلى الأبد..
هكذا أضحى لنا أن بلورة الخطاب السياسي الجنوبي التحرري الذي يرفع شعار الاستقلال مع وجود هيئة وطنية جنوبية تتبنى هذا الخطاب والبرنامج السياسي صار ضرورة ملحة وأن أي تأخير سيضر بمستقبل القضية الجنوبية التي صارت في سباق محموم مع سلطات الاحتلال والمشاريع الأخرى وإن الظرف لن يكون مؤاتيا مثلما هو عليه اليوم حيث يعيش نظام الاحتلال أسوأ أيامه في الجنوب وتعيش السلطات الحاكمة في اليمن مرحلة صراع مستميت مع القوى القبلية التي تنازعها.. لذا فإننا ندعو جميع القوى الفاعلة وجماهير الشعب في الجنوب إلى الالتفاف حول هذا المشروع وان تجعل من فعالية الثالث عشر من يناير الحالي المنطلق والانعطافة الكبرى في مسيرتنا نحو تأسيس المشروع السياسي الجنوبي الآن وليس غدا.

*سكرتير دائرة الإعلام
التجمع الديمقراطي الجنوبي (تاج)
هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته

آخر تحديث الثلاثاء, 08 يناير 2008 01:21