القضية الجنوبية بين مطرقة السلطة وسندان النخبة طباعة
مقالات - صفحة /عبده النقيب
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
الثلاثاء, 20 نوفمبر 2007 16:17
صوت الجنوب/تاج عدن: عبده النقيب/2007-11-20
هكذا بعثت القضية الجنوبية أو قل حصحص الحق فصارت محورا للأزمة العميقة التي تمسك بمفاصل النظام العسكري والقبلي اليمني وطغت بشكل كامل على أي قضايا أخرى في الخطاب السياسي والإعلامي الرسمي لهذا النظام والمستقل على حد سواء,

فلم يعد أحد يذكر قضايا التنمية في كل المناسبات التي تقام كالندوات الاقتصادية والحقوقية وحتى الاحتفالات العسكرية إلا بشكل عابر لينتقل الحديث عن الوحدة والتأكيد على متانتها في الخطاب الرسمي وعلى زوالها في الخطاب السياسي الغير رسمي وبالتحديد الجنوبي.
إن البحت في الأسباب التي أدت إلى بروز القضية الجنوبية بهذه الحدة وبهذا الزخم يعود إلى عدد من العوامل الذاتية والموضوعية التي كان لها تأثير على شكل الأزمة وجوهرها أيضا.. فقد كان لممارسات النظام اليمني التعسفية والعنصرية ضد أبناء الجنوب المتمثلة في الإقصاء الكامل والممنهج من المشاركة السياسية والحرمان من حقوق المواطنة منذو أن انتصرت القوات اليمنية في حربها ضد الجنوب في صيف 1994 آثار سلبية كبيرة جعلت من شكل المطالبة بالحق الجنوبي يأخذ طابع الحدة عبر عنه في رفع الشعارات التي تجاوزت المطالبة بخروج الاحتلال وعودة الحق الجنوبي كشعارات واقعية سليمة إلى رفع بعض الشعارات الطائفية التي لم نكن نرفعها في الجنوب. هذه الشعارات هي رد فعل تلقائي نتيجة لهول المعاناة والجور الذي وقع على شعب الجنوب وهذا شئ مبرر أيضا لأنه لا أحد يستطيع أن يتحكم بموجات الغضب التي تجتاح مشاعر أبناء الجنوب تؤججها قمع القوات اليمنية الوحشي للإعتصامات السلمية الجنوبية التي تطالب بأبسط الحقوق بالطرق الحضارية المشروعة. هذا هو الطرح الذي تفضل به الأستاذ القدير الدكتور محمد عبدالملك المتوكل في مقالة الأخير " هم الوحدويون حقا" المنشور على موقع الشورى.. والذي حصر أسباب الحراك السياسي الجنوبي القوي الذي يطالب بعودة الدولة الجنوبية بردود أفعال فقط كنتيجة لممارسات السلطات الحاكمة.. وهنا وقع في خطأ في الاستنتاج وعدم التفريق بين الشعارات الواقعية وبين الشعارات الحادة قاده إلى أن يصف المطالب الجنوبية بالسوء..
لقد وقع الأستاذ المتوكل في هذا الخطأ وهو المثقف الذي لا يجب أن يفوته وكان الأحرى به أن يبحث في أسباب شيوع الممارسات السيئة والعنصرية في طبيعة النظام اليمني السائد !! عندما حصر أسباب المطالب السياسية الجنوبية بمجرد ردود أفعال على ممارسات السلطة الحاكمة فهو يبرر لحلول غير واقعية وغير ممكنة وبالتالي يقطع الطريق أمام مسيرة البحث عن الحلول الممكنة.. لقد أراد أن يقول أن عملية إصلاح النظام هو الحل وبمجرد إصلاح النظام ستزول ردود الفعل الجنوبية وبالتالي هذا هو سبيلنا إلى الوحدة الحقيقية!!
 كنت أود أن اسمع من الدكتور المتوكل عن تلك الوصفة السحرية التي بها يمكن أن يصلح النظام الحالي من الممارسات السلبية السائدة والمتأصلة في تركيبة النظام السياسي و الاجتماعي في الجمهورية العربية اليمنية. لا نريد أن نذهب بعيدا ونسأل لماذا فشل مشروع الوحدة الذي حمله الجنوب ؟ ولماذا باءت كل المحاولات في إصلاح الفساد الشامل وكبح جماح النزعة الانفصالية والعنصرية اليمنية في إقصاء أبناء الجنوب من بعد إعلان الوحدة مباشرة بلغت ذروة تلك المحاولات في إنجاز وثيقة العهد والاتفاق أو ما تسمى بوثيقة الإجماع الوطني وهي الوثيقة التي تحدثت عن شكل من الفيدرالية أو الحكم المحلي الواسع..
إن أي مشروع سياسي يصعب تخيله دون وجود مبررات منطقية تدفعنا لتبنيه إذ لا يمكن له أن يتحقق دون وجود قوى لها حضورإقتصادي وسياسي تفرضه على الواقع وقد كان حينها الحزب الاشتراكي وقواته العسكرية والأمنية الجنوبية الموالية له يتصدر محاولات الإصلاح.. ومع ذلك ضرب ذلك المشروع بقوة بل وأدين أصحابه بالخيانة العظمى أو كما وصفها الرئيس بوثيقة الخيانة وأصحابها بالانفصاليين..
 السؤال هنا يطرح نفسه علينا.. لماذا فشل المشروع السياسي المعزز بالقوة العسكرية والسياسية ذات الحضور الكبير على الساحة؟ وماهو حظ مثل هذا المشروع الذي يعاد طرحه اليوم من جديد رغم غياب القوة التي تسنده؟!!
بالطبع الإصرار على مثل تجاهل الإجابة وطرح حل إصلاح النظام الفاسد أو حتى إسقاطه عبر الصناديق هو مجرد هروب من الحقائق, هروب من مواجهة الواقع والبحث في الحلول العقيمة التي تترك الأزمة تتفاقم وتتعمق وهذا ما نلمسه اليوم بشكل واضح وجلي فيما نشاهد من أخطار محدقة تهدد السلام الاجتماعي لبس بين البلدين والدولتين الجمهورية العربية اليمنية والجنوب فقط بل وداخل كل بلد لوحده أيضا. لقد صارت نذر الحرب الأهلية و"الصوملة" تلوح في الأفق فلا جدال بوجود الشروخ النفسية والاجتماعية والسياسية العميقة التي تزداد تصدعاتها وفي المقابل تنحسر يوما عن يوم قدرات السلطات التي يشكل وجودها جوهرا للأزمة في التصدي لهذه الأخطار وتتضاءل البدائل والحلول التي يمكنها تجنب الكارثة. 
هكذا يقودنا مثل هذا التسطيح لقضية الجنوب إلى إحباط أي محاولات جادة للخروج من الأزمة وبالتالي فإن السلطات القائمة هي المستفيد الأوحد من عملية جر الشعب في الجنوب إلى طريق الوهم وطرح الحلول والمشاريع التي لا يسندها المنطق..
لو عدنا قليلا إلى ما قبل إعلان الوحدة المرحومة وتمعنا في التغيرات التي رافقت تبدل السلطات التي حكمت حقبة ما قبل الرئيس علي عبدالله صالح فلم نلحظ وجود تغييرات ذات شأن في طبيعة النظام السياسي والاجتماعي في الجمهورية العربية اليمنية رغم وجود الفوارق الكبيرة بين الرؤساء من السلال والإرياني والحمدي ثم الغشمي وأخيرا الرئيس الحالي ظلت القبيلة هي العامل المهيمن والوحيد في تقرير شكل النظام والتحالف القائم.. كانت هناك محاولات جادة من قبل الرئيس السلال وكذلك ألحمدي لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل وصار نظام الرئيس الحالي علي عبدالله صالح الموسوم بالفساد الإخلاقي والسياسي والاقتصادي الشامل هو الأطول عمرا والقدرة علي البقاء.. إن حركة التطور الإحتماعي لا تسير بالصدفة فهذا النظام الحالي هو الأكثر تطابقا ومقاربة مع طبيعة التركيبة الإجتماعية والنفسية في الجمهورية العربية اليمنية إذ يتماهى مع الثقافة الجمعية بشكل شبه كامل ويجسد القيم المتوارثة في المجتمع. أنتقل المجتمع من الحكم الفردي إلى التحالف القبلي العسكري التجاري المحصور والذي يهيمن على السلطة والثروة ويستعبد الأغلبية الساحقة من الشعب الذين لم يتمكنوا من الهجرة خارج البلد.
وجود مثل هذا الطرح من الحلول والمعالجات للقضية الجنوبية لم يعد له أنصار في الجنوب وقد تراجع تدريجيا حتى سادت القناعة بين صفوف الأغلبية الساحقة من أبناء الجنوب بعدم جدوى مثل هذا الطرح وبالتالي فإن خيار عودة الدولة الجنوبية المستقلة هو الأكثر شعبية والأكثر حضورا في عقول ووجدان الجنوبيين وهذا ما أنعكس في كتابات المثقفين والسياسيين وفي الشعارات التي ترفعها المظاهرات ألكبري التي تجوب شوارع مختلف مدن الجنوب بشكل شبة يومي.
هكذا نصل إلى الأسباب الحقيقية لفشل وعدم إمكانية قيام المشروع الوحدوي بين الجمهورية العربية اليمنية والجنوب في الوقت الحالي على الأقل والمتمثل بغياب الدولة الوطنية في إطار ما يسمى بالجمهورية العربية اليمنية التي تسود فيها العلاقات الاجتماعية القبلية القديمة علاقات عصر ما قبل قيام الدولة الوطنية.هكذا أدت المحاولات الغير مدروسة في توحيد البلدين إلى تدمير البني الحديثة والعصرية للدولة في الجنوب تبعها تدمير للقيم والعلاقات الاجتماعية العصرية والعودة بالمجتمع الجنوبي إلى الخلف قرون عديدة .
على سبيل المثال تعرض النظام القضائي الجنوبي الحديث إلى إلإفراغ من محتواه وعاد العرف القبلي بديلا للقانون وعادوا بالمجتمع إلى عصر ما قبل الدولة وصار وجود الدولة وجودا شكليا لا يعتد به.
هنا نجد إن خيار العودة لوضع ما قبل إعلان الوحدة هو الحل الممكن والمثل وأصبح خيار العودة السلمية ممكنا دون كوارث أو حرب وهذا ما يطرحه الشارع الجنوبي بقوة ويفرضه على السلطات اليمنية التي لازالت تكابر وتنكر وجود قضية جنوبية أصلا. لكن خطر التفكك و"الصوملة" يضل قائما إذا لم تساهم القوى الوطنية في الجمهورية العربية اليمنية - التي بدا البعض منها على استحياء في الاعتراف المنقوص بالقضية الجنوبية - بالدفع باتجاه إنجاح الحل العملي للقضية الجنوبية.
مع الأسف أن السلطات اليمنية بممارساتها الفجة تميل إلى ما يطرحه البعض من مفكري النخبة من حلول تتمثل في الخيار الديموغرافي على أن يتم غمر الجنوب بالسكان من الجمهورية العربية اليمنية وبعثرة أبناء الجنوب في أماكن مختلفة من المناطق الشمالية اليمنية في خطة تذوب فيها الهوية الجنوبية سكانا وتاريخا وهذا ما يتبناه الدكتور عبدالله الفقيه القريب من مؤسسة الحكم.
كلا الطرحتين من قبل قطبيين مختلفين يمثلان توجه النخبة في الجمهورية العربية اليمنية لن يفضيان إلى حل عملي بل أنهما يخدمان مشروع السلطة في تفكيك البلدين و"صوملتهما". طرح كهذا يتجاهل تلك الصعوبات التي أعاقت مشروع تحقيق الوحدة بين البلدين والشعبين وهو في أحسن الظروف.. فما بالنا اليوم وقد زالت تلك الظروف الإيجابية المتمثلة بمكانة القوى الوطنية المتميزة صاحبة المشروع في كلتا الدولتين والبلدين ضف إليها الصعوبات الاجتماعية والنفسية التي ظهرت بعد إعلان الوحدة وتفاقمت تدريجيا حتى صارت تمثل شبح كارثة وشيكة.
 يبدو أن البعض لن يقتنع بما هو موضوعي وموجود ويظل يعيش في الحلم حتى يأتي وضع أسوأ منه يحلم معه الحالمون حتى بالعودة إلى الوضع السيئ الذي نعيشه اليوم. لذا فإن ما يطرحه الشارع الجنوبي يصب في المحصلة النهائية في مصلحة شعبينا وبلدينا وبالتالي يجنبهما كارثة أسوأ من هذه التي نعيشها اليوم. فإذا كان إعلان الوحدة بتلك الطريقة العشوائية خطأ قاتلا أدى إلى وجود أزمة حانقة فإن الإصرار على التمسك بهذا الخطأ سيؤدي إلى الكارثة الكبرى وهذا ما نبه له التجمع الديمقراطي الجنوبي "تاج" مرارا.
 فالجنوب الذي جرب جميع الحلول خلال 17 عاما مضت صار اليوم أكثر وعيا بمصالحه وبالتالي أنتصر لعودة الدولة الجنوبية كخيار إستراتيجي لكي يضمن لنفسه عدم التفريط بحقوق المواطنة والوطن وعدم الوقوع في براثن الاضطهاد والتمزق.
*كاتب يمني- بريطاني مقيم في المملكة المتحدة
سكرتير دائرة الإعلام للتجمع الديقمراطي الجنوبي ( تاج)

آخر تحديث الثلاثاء, 20 نوفمبر 2007 16:17