عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 12-20-2009, 07:40 AM
عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Feb 2008
المشاركات: 627
افتراضي جوانب من النضال الوطني منقوشة في ذاكرة الجنوب العربي 2

نظرة في صفحات مشرقة من تاريخ الجنوب العربي


إلى أجيال الجنوب العربي الواعدة ، وللتاريخ وللحقيقة نروي لهم جوانب من ملاحم نضالية وطنية مشرقة سطروها رجالا أحرار صدقوا الله على ما عاهدوا علية


منقول من كتاب ( الجنوب العربي في هيئة الأمم المتحدة ) 1963



الفصل الأول


هذه هي القصة

(الجزء الثاني )
قضايا في قضية واحدة


ان أول مشكلة كان يمكن أن تقف أمام عرض قضية الجنوب العربي ككل , كما تتبناها الرابطة
وتقود عملية الكفاح من اجلها , ناشئة عن واقع التجزئة التي يعيشها الجنوب العربي حيث ينقسم الجنوب نفسه إلى نحو من ثلاث وعشرين سلطنة وأمارة ومشيخة ومنطقة إذ أن لكل
ولاية من هذه الولايات مشكلة خاصة بها ومعركة تخوضها مع المستعمر .
وقد ساعدت بريطانيا على تعدد هذه المشاكل ليتعثر علاج القضية الكبرى , قضية الوجود
الاستعماري في المنطقة بكاملها .

ولكن الرابطة في عام 1958 وبعد نضال سنوات مريرة استطاعت أن تدمج هذه القضايا
المحلية العديدة في قضية واحدة .
ان عدن مثلا لها قضية متميزة مع بريطانيا حيث تحكمها حكما مباشرا كمستعمرة وكجزء
من ارض التاج , وما يتبع هذا الوضع من قضايا فرعية كفتح باب الهجرة , وكاعتبار العرب
أصحاب الأرض الشرعيين مجرد جالية كغيرها من الجاليات الأجنبية التي وفدت إلى عدن
في ركاب المستعمر البريطاني وتشجيعه .

والأمارات العربية العديدة الممتدة من لحج حتى سلطنة المهرة لها قضايا يختلف بعضها عن
بعض من حيث الشكل , فبعضها فرضت عليها بريطانيا معاهدات حماية , والبعض الآخر
معاهدات الاستشارة بجانب معاهدات الحماية وبعضها تحكم برئيس , وإحداها تحكم بلجنة
صورية كمنطقة دثينة .
البعض منها تحكم فعلا من قبل المستشار البريطاني المفروض أو مساعده والبعض الآخر
تحكم من قبل السلطان أو الأمير والمستشار من ورائه .
البعض منها يحكم بواسطة السلطان المؤيد من قبل المستشار والبعض الآخر جمد سلطانه
وعين الانجليز نائبا عنه من أقاربه يحكم باسمه على الرغم منه .
البعض منها تميز بنوع من الحكم الداخلي المتحرر كلحج والبقية لاحول لهم ولا طول إلا
بالمستشار , وهكذا كان لكل منطقة في الجنوب – كنتيجة حتمية للتجزئة التي يعيشها – قضية
مع الاستعمار البريطاني .
فكفاح الرابطة كفاحا شاقا إذ عملت على دمج هذه القضايا المحلية كلها في قضية واحدة
وسارت عملية التوعية على هذا الأساس .
فلم يقبل عام 1958 حتى تمكنت الرابطة من تحويل هذه القضايا كلها إلى قضية واحدة هي
القضية الرئيسية التي بحلها تحل سائر هذه القضايا !!
ولقد كانت الرابطة منطقية في ذلك بكل معنى المنطق ورغم الصعوبات والعراقيل ومشاكل
المجتمع ودسائس المستعمر فان توفيق الرابطة في خطها المرسوم كان بعيد المدى .

ان قضية لحج مثلا عام 1958 كانت ابرز هذه القضايا المحلية حيث احتلت بريطانيا سلطنة
لحج بالقوة ونهبت المنازل وعزلت سلطانها الوطني المتحرر وعينت مكانه من يسهل عليها
قيادته وتوجيهه وانتهكت بذلك ابسط قواعد العرف والعدالة بل إنها بذلك قد نقضت معاهدة
الحماية والاستشارة التي فرضتها على لحج لصالح بريطانيا .

وكان سلطان لحج الشرعي قد استطاع الخلاص من خطة الاعتقال التي كانت بريطانيا قد
أعدتها له ولم يشأ السلطان علي عبدا لكريم العبدلي – عن فهم وإيمان أن يقع في إخطبوط
التجزئة المفروض على الجنوب ولهذا لم يرى ان تعرض قضية كقضية قائمة بذاتها بل أعلن
أن قضية لحج هي جزء من قضية الجنوب العربي , وأن قضية الجنوب العربي يجب أن
تعرض في هيئة الأمم المتحدة ككل وأن يتخذ ما حدث في لحج كدليل دامغ ملموس ضد
المستعمر البريطاني وسياسته القائمة في الجنوب .

ولقد كان هذا الموقف الذي وقفه سلطان لحج حاسما ومثمرا اعان به الحركة الوطنية في الجنوب العربي على التخلص من هذه المشكلة مشكلة تعدد القضايا في الجنوب مع المستعمر
البريطاني , هذا النفوذ الذي لو لم تتمكن الرابطة من القضاء عليه لنال الجنوب العربي من
ورائه شر مستطير ولتمكن المستعمر من تثبيت قواعده في الجنوب تثبيتا بعيد المدى .


موقف اليمن والجامعة العربية من قضية الجنوب العربي


وليس هذا الكتاب أو هذه المقدمة قد وضع أو وضعت وتحليل علاقة قضية الجنوب العربي باليمن أو بالجامعة العربية , ولا يستهدف هذا الكتاب أو هذه المقدمة توضيح الموقف المخزي
الذي وقفته الحكومة اليمنية السابقة من قضية الجنوب ولا التلكؤ والإهمال والتستر الذي نهجت
عليه الجامعة العربية إزاء هذه القضية , فان لذلك مجالا آخر أو كتابا آخر يشرح الخفايا ويبين
المآسي التي عاشتها ولا تزال تعيشها قضية الجنوب في المجال العربي الغارق في الأوهام والتشاحن والمجاملات ولو كان ذلك على حساب قضية الإنسان العربي وهدرا لنضاله وتمكينا
لأعدائه . ان لذلك مجالا آخر غير هذا الكتاب وهذه المقدمة .

بيد إننا ونحن نسجل خطوات الطريق الذي سار عليه رجال الحركة الوطنية في الجنوب بقضيتهم إلى هيئة الأمم المتحدة فانه يتحتم علينا أن نتعرض لموقف الحكومة اليمنية السابقة
والجامعة العربية من محاولاتنا للولوج بالقضية إلى هذا المعترك الدولي , وبقدر محدود نفرض على أنفسنا وعلى مشاعرنا وعلى أقلامنا أن نقف عنده لا نتخطاه .

لم نكن نحن رجال الحركة الوطنية في الجنوب على خبرة كبيرة بدخائل المسئولين في اليمن
أو الأوضاع فيها , سوى الشعور المتزايد في الوطن العربي سيما المناطق المجاورة لليمن
بسوء الأوضاع الداخلية , والآلام التي يعيشها اليمن العربي من جراء الطريقة التي يحكم بها
على الرغم من النصائح التي كان يقدمها بعض الجنوبيين الخبراء بشئون اليمن , هذه النصائح
التي تكشف سوء نوايا القائمين بالحكم فيها وقدرتهم الكبيرة على الدسائس .

وعندما انفجر البركان الشعبي في الجنوب عام 1956 كنا نأمل ان تقف اليمن وقفة هادفة بجانب هذا النضال ولكن تجربتنا خلال عامين أقنعتنا انه لا أمل في هذا السند المعنوي المطلوب وأن المسئولين في اليمن يعيشون في أوهامهم من ناحية , وأنهم غارقون حتى الأذقان في مآسيهم من ناحية أخرى , ثم هم بالإضافة إلى ذلك يعيشون في حذر بالغ من
الانتفاضة الشعبية في الجنوب العربي .


وبصراحة المناضلين يهمنا أن نسجل هنا أننا حتى منتصف 1958 لم نكن نعتقد أن موقف اليمن سيتجاوز السلبية إلى الايجابية المدمرة ضد الحركة الوطنية في الجنوب .

ولكن هذا – مع الأسف الشديد – هو الذي حدث بالفعل , ولم يكن موقف اليمن سلبيا من البداية
بل ايجابيا ضد حركتنا الوطنية في الجنوب منذ بروزها على مسرح الأحداث غير أننا في غمرة النضال ضد الاستعمار , ولضعف خبرتنا وتجاربنا خيل إلينا حينذاك أن الأمر لا يعدو
مجرد السلبية والعجز .

وفي الأشهر المتتابعة من ابريل حتى أكتوبر سنة 1958 ظهر لنا بوضوح كيف يعمل المسئولين اليمنيون على تخريب حركتنا الوطنية وهدم الجسور أمامنا وتلغيم الطريق في المجال العربي وعلى كافة المستويات الشعبية والرسمية والصحفية والجامعة العربية وفي سنة 1954 بدأ أول احتكاك سياسي على مستوى يشمل الجنوب كله بين ( الرابطة ) وحكومة
عدن الانجليزية وذلك عندما تقدم حاكم عدن الأسبق ( توم هيكم بوتام ) بمشروعه الأول
للاتحاد الفيدرالي للمحميات الغربية وبمشروع مماثل له للمحميات الشرقية , وباقتراحات
دستورية خاصة بمستعمرة عدن .

وثارت في ذلك العام قبيلتا الدماني ( في السلطنة العوذلية ) والربيزي في ( سلطنة العوالق العليا ) كما ثار المشايخ آل ابوبكر بن فريد ثورتهم الأولى معلنين المقاومة للمشاريع البريطانية
وللأوضاع الداخلية التي فرضها الانجليز في منطقتهم .

وقبل هذه الأحداث وإثناؤها زارت بعثة من الجامعة العربية اليمن حيث استمعت إلى وجهة
نظر الإمام في التطورات الجديدة كما زارت البيضا واتصلت ببعض الجنوبيين ثم غادرت اليمن إلى القاهرة مارة بعدن .
وكان في البعثة عدد من رجالات العرب من مصر والعراق وغيرهما وعلى رأسهم السيد الأمين العام للجامعة .
وعلمت الرابطة بنبأ وصولهم فرتبت لهم استقبالا على عجل ونجح الاستقبال في نقل مشاعر
الشعب في الجنوب نحو إخوانهم , وآراؤهم في التطورات الجديدة , وفي 27 يناير 1954
أصدرت الجامعة العربية بيانا موجها إلى الشعب العربي في الجنوب جاء فيه ما يلي :

"" وقد كانت الجامعة العربية وما تزال تراقب بقلق بالغ سير هذه المحاولة وما تتذرع به
السلطات البريطانية في تحقيقها من وسائل الضغط والعنف مشاركة أخوانها أهل تلك
المناطق العربية العزيزة ما يكابد به من ألم وضيق , وقد تلقت الجامعة بارتياح أن إخواننا سكان تلك المناطق يرفضون جريا على تقاليدهم العربية النبيلة الاستسلام لما يقع عليهم من ضغط , ويتشبثون بحقوقهم وحقوق بلادهم , مستنكرين في إباء وشمم هذه المحاولة المنافية لقواعد الدين والحق والعدل ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأنهم مصممون على رفض كل مشروع يسلبهم حريتهم ويربطهم بعجلة السياسة البريطانية ،
وأن الجامعة لتحي أولئك الأحرار من السلاطين والأمراء والمشايخ الذين رفضوا ذلك المشروع وعلى ما بدا منهم من التصميم على المضي فيه معتمدين على الله عز وجل وعلى
الحق الذي لابد ان ينتصر , والجامعة العربية مدفوعة بروابط الأخوة العربية ستبذل قصارى
جهدها لمقاومة السياسة التي بنيت لتلك الأقاليم العزيزة وهي تحرص على تحريرها من كل
نفوذ أجنبي والاحتفاظ بها لأهلها ، لهذا نناشد إخواننا الثبات في موقفهم الوطني وأن الجامعة
لن تتوانى في شد أزرهم ومناصرتهم بكل ما تستطيع من جهد حتى تنتهي جهودنا جميعا إلى
الظفر بالغاية التي نصبو إليها فتنجوا البلاد من كل شر ويعيش أهلها سادة أحرارا ""

ولم يكن الشعب في الجنوب منتظرا إشارة البدء من أيه جهة ليشرع في نضاله في سبيل أهدافه المثلى , بل انه قد قال كلمته ولكن الشعب العربي في الجنوب كان منتظرا من إخوانه
العرب في الجامعة أن يسندوه في نضاله وان يدعموا كفاحه ولو بجهد متواضع .
ولذلك فأن هذا البيان الذي قرأه وسمعه المناضلون حينذاك بفرحة غامرة يمسك به المناضلون
اليوم كوثيقة ومستند تاريخي يضعونه أمام الجامعة لترى مدى ما قدمت لهم من سند وعون في نضالهم المرير .
كان هذا أول اتصال من الحركة الوطنية في الجنوب بالجامعة إذا أغفلنا الاتصالات العابرة
والمجاملات المعتادة كالاحتفال بيوم الجامعة والعمل على أن يكون عطلة رسمية في الجنوب
بل وتنفيذ ذلك عمليا في بعض الأحيان .
وفي الستة الأشهر الأخيرة من عام 1956 كان رئيس الرابطة وأمينها العام على اتصال مستمر بالأمانة العامة بالجامعة لشرح القضية وتوضيحها وتقدما بعدة طلبات تستهدف إسناد
هذه القضية .
وفي فبراير سنة 1957 تمكن رئيس الرابطة بعد جهد من التحادث أمام حضرات أعضاء
اللجنة السياسية المنعقدة حينذاك بالقاهرة , وناشدهم بالعروبة والأخوة الوقوف إلى جانب
شعب الجنوب في نضاله بعد أن شرح لهم حقائق الوضع هناك , واستمر الأمين العام في
اتصالاته ومحاولاته مع الجامعة العربية دون جدوى حتى منتصف سنة 1958 .

واشتدت الأزمة في الجنوب العربي ووصلت إلى مرحلة تستدعي التحرك العاجل وكما ذكرنا
آنفا كانت كل الظروف مهيأة لرفع القضية إلى هيئة الأمم المتحدة وعاودنا الاتصال بالجامعة
العربية .... رئيس الرابطة وأمينها العام من ناحية وسلطان لحج الذي نفاه الانجليز وعزلوه
( السلطان علي عبدا لكريم العبدلي ) من ناحية أخرى وعشرات من البرقيات والمذكرات
من رجالات الجنوب الآخرين من ناحية ثالثة , ولكن الجامعة لم تحرك ساكنا !!!! وكانت الحجة أن حكومة اليمن ترفض عرض القضية في هيئة الأمم !!!!! لا بل أن حكومة اليمن ترفض أن تبحث الجامعة العربية هذه القضية أو تسمح لرجال الجنوب بالتشرف بالمثول أمامها لشرح حقائق قضيتهم !! وكان يكتفي في أكثر الاجتماعات بإصدار قرار بتأييد اليمن
في مطالبتها بالجنوب وانه جزء من المملكة اليمنية المتوكلية لا يتجزأ .

وسار الأمر على هذا المنوال !!!!!!!

أصبحت قضية الجنوب وما تثيره حكومة اليمن باستمرار عند أي تعرض من قبل احد الأعضاء لهذه القضية مثار تندر السياسيين والصحفيين العرب !

لقد هانت علينا أنفسنا ونحن نرى ونلمس مدى الاهانات التي تتعرض لها قضيتنا ... قضية شعب عربي يناضل في سبيل حريته وكرامته واستقلاله وينفرد به المستعمر بقضه وقضيضه
وقواته الساحقة ومع ذلك فهو يرى أن قضيته أصبحت مثار تندر في المجالس , وأن القضية لم
تعد قضية تحرر من الاستعمار ووحدة عربية وعدالة اجتماعية , قضية الإنسان العربي المستعبد المتخلف بل قضية تسمية , قضية جنوب عربي أم جنوب يمني ؟ !!!
واستمر نضالنا دون يأس لإقناع إخواننا في الجامعة العربية وفي مقدمتهم حكومة اليمن طيلة
عام 1958 وحتى منتصف سنة 1959 دون فائدة أو جدوى بل أن القضية استمرت في تلك
الحلقة المفرغة .

وفي منتصف عام 1959 قررت قيادة الرابطة أمرا !!

لابد من ذهاب وفد إلى هيئة الأمم المتحدة وتلمس السبل لإدراج قضيتنا في جدول أعمالها , وتقرر ان يذهب وفد من ثلاثة أعضاء لهذه المهمة ، غير أن الرابطة لم تتمكن من تدبير المبلغ
اللازم لذلك ، واستطاعت أخيرا من تدبير مبلغا يكفي لسفر وفد مكون من شخص واحد فقط
وهكذا تقرر ان يتوجه إلى هيئة الأمم الأخ الزميل شيخان عبد الله الحبشي .


(2)

إلى اللقاء في الجزء الثالث من هذه هي القصة
رد مع اقتباس