الموضوع: قصيدة
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-18-2006, 03:55 PM
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
المشاركات: 1
افتراضي قصيدة

هذه القصيدة هي لأحد شعراء الجنوب المبدعين وقد قرأتها فأعجبتني
وأحب أن أنشرها هنا فهي تجسد الوضع تماما



بعيداً عن البحر


بعيداً عن البحر
جاءوا فرادى وجاءوا جماعات
يلتهمون المسافات كالديناصورات
يقتحمون القرى
ويدسون في المدن الهادئات
بذور الضغينة . .
جاءوا وفي دمهم يتناسل
حشد الهراوات
جاءوا لكي يستقروا بأعيننا
ليروا ما سيمتلكون غداً
من ثمار سذاجتنا
ليقيموا خيامهمُ بين أضلعنا
كالدبابيس جاءوا
ليهدوا إلينا خرائب آمالنا
ومآتم أمجادنا
في ضجيج السراب
* * *
بعيداً عن الماء جاءوا
لكي ينقذونا من الطهر
كي يعتقونا من العطر والحب
جاءوا لكي يدخلونا
إلى ملكوت الظلام
لننعم بعدهمو بالتباغض
والحقد والانتحار
أتونا وفي نار أصواتهم
عفنٌ مخمليٌ
يرتل أنشودة الشوك والسوط
جاءوا لكي يرشدونا إلى التيه
كي يأخذوا بيدينا
إلى ردهات الخرابْ
* * *
بعيداً عن الخبز جاءوا
لهم غسقٌ حامضٌ
ودبيبٌ كشوك الجليد
لهم حدقاتٌ مدببةٌ
ومخالب ليلٍ وأضرحةٌ
ورمادٌ غليظٌ يحاصرنا
ولنا ضوءنا
وسذاجتنا العسلية ...
جاءوا لرؤية ما سوف يغتصبون غداً
من طراوتنا
لم يجيئوا بمفردهم
كان يصحبهم همجٌ شاهق القسمات
وأحذيةٌ فضّةٌ وعصيرٌ
وأفئدةٌ من رصاصٍ
وقافلةٌ من ضبابْ
* * *
بعيداً عن الملح
جاءوا ليهدوا إلينا مقابرنا
وجنائز أبنائنا
وتوابيت أحلامنا
وانهمارات أحزاننا
أقبلوا يلبسون الوشايات
كالنغم الرخو
يلتصقون بأرض الكلام
وينتشرون بأوردة الضوء
كالنمل في الرمل
أو كغباء العساكر في الطرقات
أتونا فرادى ومجتمعين
يلفهم العدم الضخم كالهذيان
لم يجيئوا بمفردهم
كان يصحبهم طمعً معدنيٌ
وزوبعةٌ ورصاصٌ. . .
معانقةٌ واحتضانٌ
بمليون نابٍ ونابْ
* * *
بعيداً عن الحب جاءوا
لهم كبرياء القرود وسطوتها
ولنا دمنا المتدفق في الطرقات
لهم مهرجان الحموضة ..صهوتها
..ولهم زمنٌ رطبٌ كالنعاس
وأقنعةٌ من زجاج المدى
ولنا ضعفنا وتصدعنا
في دروبٍ تفرقنا وتبددتا
بين عشرين باب وبابْ
* * *
بعيداً عن الأغنيات الرشيقة جاءوا
بعيداً عن الحُلم والحِلم
جاءوا لكي يسرقوا الصوت
من شفة الدهر
كي يأخذوا الضوء من بؤبؤ العين
جاءوا لكي ينهبوا ما تبقى
من الفرح الغضِّ
في وشوشات العصافير
جاءوا مفاجأةً. .
لم يكونوا بمفردهم
كان يصحبهم نهم النمل
دمع التماسيح . . خسّتها
كن يصحبهم
لون شهوتهم وشراستهم
أقبلوا يقضمون النهار بسحنتهم
كان يصحبهم كرم البقّ
زهو انتصار الغرابْ
* * *
بعيداً عن الحبر جاءوا
لينتشروا بين أهدابنا
ويبثوا دخانهمو
في شرايين أيامنا
لم يكونوا لوحدهمو
كان يصحبهم قلق الدود
هيبتها . . وفخامتها
كان يصحبهم عسسٌ ونقودٌ
وعاصفةٌ تتهادى
وتتلو بيان انتحار الكتابْ
* * *
بعيداً عن الورد جاءوا
لينتشروا في الأزقة كالفطر
جاءوا وفي وحل رغبتهم
تتنامى براغيث عصر الجليد
وفي صوتهم ـ كالنحاس المدمى ـ
تفوح الرياح.. الرمال.. الغبار..
الحريق.. الرماد ..اليبابْ
* * *
بعيدا عن البحر والماء
والخبز والملح والحب
والورد والحبر جاءوا
ليقتلعوا ما تبقى من الفجر
بين عروق السحابْ
رد مع اقتباس