منتديات مركز صوت الجنوب العربي (صبر) للحوار - فرج بن غانم ... قصة حب اليمنيين !!

[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]

د/ محمد لطف الحميري ـ الجزيرة توك

فُجع اليمنيون يوم الخامس من الشهر الماضي بخبر وفاة رئيس حكومتهم السابق الدكتور فرج بن غانم
الذي صنع لنفسه عرشا في قلوب أبناء الشعب اليمني سواء كانوا أعضاء في حزب الحاكم أوفي
أحزاب المعارضة أو حتى أولئك البسطاء الذين لا تعنيهم السياسة ولا المشتغلون فيها من قريب أو بعيد .

تقلد بن غانم عددا من المناصب الرفيعة سواء في اليمن الجنوبي سابقا أو في دولة الوحدة حيث أصبح
رئيسا للحكومة عام 1997 وهذا يعني أنه عمل في ظل نظامين سياسيين مغايرين فكرا وسياسة
وإدارة ، لكن الرجل ظل متمسكا بمبادئه وقناعاته فلم ينتم إلى الحزب الاشتراكي قبل الوحدة ولم يستطع
الرئيس اليمني أن يستقطبه إلى صفوف حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم رغم تعيينه له رئيسا للحكومة .

ورغم عدم اهتمامي بمن يأت ويذهب من السياسيين ولو كان هذا الذهاب إلى الدار الآخرة ذلك أن كثرة
الآتين والذاهبين ليسوا سوى أحجار على رقعة الشطرنج تسيرهم خزينة الحاكم التي تنشر ثقافة الفقر
لتشتري المزيد من ذمم أصحاب الشهادات العليا والمثقفين ، إلا أنني أمام هذه الشخصية النادرة وجدت
نفسي مجبرا على الكتابة عنها ذلك أنها اختارت عدم التطابق المشين مع القائلين دائما وأبدا نعم
للحاكم ولو كانت كل الأمور ليست على ما يرام ، وذلك عندما قدم بن غانم استقالته من رئاسة الحكومة
للرئيس علي عبد الله صالح ولم يستطع إكمال عامه الأول على توليها ، لأن الرجل عرف عنه الصدق
والكفاءة ونزاهة اليد والحزم الإداري وكانت قناعته الشخصية بشهادة الكثير أن يجعل من منصبه
الرفيع فرصة لتنفيذ خطط الدولة التنموية وترسيخ أسس النظام والقانون والإدارة الحديثة ومحاربة
الفساد بطريقته الواقعية والعقلانية ورفع مستوى المعيشة للشعب اليمني لكنه اصطدم بجملة من
العراقيل والمعيقات وتدخل أجهزة الدولة العليا في صلاحياته فآثر الاستقالة بمحض إرادته لتكون موقفا
احتجاجيا لم يسبقه إليه أحد سواء قبل الوحدة أو بعدها ، الأمر الذي حوله إلى رمز وطني في قلوب كل
اليمنيين وذريعة للحالمين بيمن جديد حتى لا يصيبهم الوهن .

فرج بن غانم شخصية يمنية لم تصنعها القبيلة المتسيدة ولا الجيش ولم يرتهن لمراكز نفوذ إقليمية أو
دولية ، ذلك أنه ولج السياسة من باب الاختصاص والكفاءة العلمية والانضباط المهني والأخلاقي ،
فخلال توليه رئاسة الحكومة لم يستقبل أحدا في مكتبه من دون موعد ولو كان زعيم قبيلة أو وزيرا أو
ضابطا كبيرا ، الأمر الذي أوقع عددا من أصحاب المصالح في حرج كبير وهم يتلقون خبر رفض
مقابلتهم بينما هم ينتظرون أمام مكتبه ، وفوق كل ذلك لم يسارع إلى فتح مجلس لمضغ القات كما يفعل
كبار المسؤولين اليمنيين حيث يستقبلون كل يوم ساسة وأدباء وشعراء وما رُفض من المعاملات في
مكاتبهم لإبداء رأي آخر فيها ينسجم مع الحالة الشعورية التي تصنعها تلك الأجواء.

سيظل الدكتور فرج بن غانم رحمه الله قدوة لكل اليمنيين الذين يأملون في أن تخرج بلادهم إلى الغد
بدل المداومة بين أمس كئيب وحاضر يسوده الفساد والفقر والبطالة ، وسيبقى الراحل أيضا من قلائل
المثقفين العرب الذين رفضوا مهادنة الحاكم وتمسكوا بشعار : الرائد لا يكذب أهله .