السير التدريجي على طريق قيام الحرب ضد الجنوب طباعة
حروب وصراعات مسلحة - وثائق عن الحرب
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
السبت, 12 أغسطس 2006 20:24
عملت القيادة في نظام اليمن الشمالي على التحضير المستمر و السير التدريجي لقيام الحرب ضد اليمن الجنوبي و نبدأ هذا النشاط العدواني ضد اليمن الجنوبي بملخص من كتاب الأزمة اليمنية مظهر حديث لأرث تاريخي قديم 1995م للأستاذ محمد عبد الله حسن الجفري و مما لخصناه من هذا المصدر حول ذلك الأتي:
بعض المواقف الجهوية الدالة على التهميش و الاستفزاز و التشويه المقصود:
1.  في نوفمبر 1993م اعترضت الشرطة العسكرية موكب العطاس في نقيل يسلح و استمروا في مطاردته حتى وسط صنعاء رغم إشعار صنعاء مسبقاً بقدومه لعقد اجتماع مجلس الوزراء و مروره على أكثر من عشر نقاط.

2.  في 7/1/1994م اغتيل الشيخ عبد الكريم الجهمي حوالي الساعة إحدى عشر أمام منزله يوم الجمعة في صنعاء. و في أوائل إبريل 1994م اغتيل أحمد خالد سيف في تعز. و كلاهما عضوان قياديان في الحزب الاشتراكي. كما اغتيل في وقت مبكر ابن شقيقة البيض (كمال) من قبل عصابة كان هدفها اغتيال عدنان البيض (ابنه الأكبر)

3.  في 3/2/1994م اعترضت الشرطة العسكرية سيارة حراسة تابعة لرئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي (أنيس يحيى) وفتشوها و كسروا حقيبته. ولما تأكدوا أن أنيس يحيى ليس في السيارة سمحوا لهم بالدخول بعد مكالمة هاتفية. حدث هذا في نقيل يسلح.

4.  في أوائل فبراير حرّفت أجهزة الإعلام الرسمية في صنعاء بيان الاتحاد الأوربي بمناسبة توقيع وثيقة العهد و الاتفاق في 18/1/1994م من قبل ممثلي الأحزاب السياسية في لجنة الحوار و ظهر التحريف على شكل إضافة السطور التالية إلى البيان:

(و أشارت رئاسة المجموعة الأوربية باستعداد الأخ الرئيس علي عبد الله صالح لتوقيع الاتفاقية في الوقت المقترح في العاصمة الأردنية, عَمّان, و لكنها أكدت في المقابل أهمية إقناع الأخ علي سالم البيض بعدم المطالبة بشروط إضافية إلى وثيقة الاتفاق). و احتجت السفارة الألمانية رسمياً, بوصفها ممثله لرئاسة الاتحاد الأوروبي في اليمن على التحريف و إضافة فقرات لم ترد في البيان السياسي الأوروبي و تود السفارة من الجهات المعنية نشر البيان الأصلي.

و في وقت لاحق  في آخر مارس 1994م أذيع من صنعاء خبر مفاده أن وزير الخارجية, محمد سالم باسندوه, أكد في مكالمة هاتفية مع الأمين العام للجامعة العربية (عصمت عبد المجيد) أن الحزب الاشتراكي اعترض من خلال ممثليه في لجنة المتابعة المنبثقة عن لجنة الحوار على توقيع  وثيقة العهد و الاتفاق حول أسس بناء الدولة اليمنية الحديثة.

في مقر الجامعة العربية في القاهرة بدلاً من عمان. و المعروف أن التوقيع خارج اليمن في بلد عربي شقيق كان هو مطلب الحزب الاشتراكي و كان المؤتمر و الإصلاح معترضين على ذلك.

5.  في أوائل يناير 1994م صدر بيان من مجلس الرئاسة (ضم الأعضاء الشماليين الثلاثة فقط) حمّل فيه الحكومة مسؤولية تدهور الحال في البلاد. و قد رد عليه العضوان الجنوبيان (البيض و سالم صالح) بلهجة عنيفة و اتهما الأعضاء الثلاثة بالسعي إلى الانفصال. كما ظهرت في مارس 1994م تصريحات موجعة للعطاس, قال في أحدها أن الرئيس علي عبد الله صالح يتبع مبدأ "فرق تحكم" و في تصريح آخر قال " إن هناك رموزاً سياسية يجب أن تزاح و أفعالاً يجب أن تتوقف حتى تتمكن الحكومة اليمنية من تنفيذ ما يواجهها من مهام".

6.  في 8/2/1994م قال مسؤول في المؤتمر الشعبي العام " لا أحد يستطيع أن يطالبنا بأن نمارس دور الشرطي في خدمته لأن التنفيذ قضية تضامنية و لا تخس طرفاً دون آخر".

7.  في 8/2/1994م هدد كبار العسكريين الشماليين بأنهم على استعداد للجوء إلى القوة للحفاظ على الوحدة إذا فشلت المساعي السلمية و أنهم يرفضون العودة إلى المواقع الشطرية السابقة لأن ذلك يعتبرونه انفصالاً. كما نقل في وقت لاحق عن الشيخ مجاهد أبو شوارب قوله أنه لن يتوانى عن استخدام القوة العسكرية إذا لم تفلح الوساطات لحل الأزمة بطرق سليمة و قال " إن الشعب يريد الوحدة و نحن على استعداد للجوء إلى القوة العسكرية للحفاظ على هذه الوحدة إذا كان لا بد من ذلك".

8.  في أوائل فبراير 1994م اعترضت طائرات حربية شمالية طائرة مدنية محملة أجهزة عسكرية من لندن عبر أثينا عدن و أجبروها على الهبوط في مطار الحديدة رغم إشعارهم مسبقاً بالرحلة و وجهتها و ما فيها من قبل عدن. و صادروا الشحنة و حققوا مع طاقم الطائرة. في نفس الوقت وصلت إلى ميناء الحديدة ثلاث حاويات محملة بنفس الأجهزة.

9.  في منتصف فبراير 1994م أصدر  العطاس قراراً بتكليف محمد علي أحمد محافظاً لمحافظة أبين, و بعد ذلك بساعات أصدر مجلس الرئاسة (شماليون فقط) بياناً يلغي القرار. و صرح الدكتور عبد الكريم الإيراني بإدانة القرار و اتهم العطاس بالخيانة العظمى, ثم اعتذر فيما بعد لأن فقهاء القانون أفتوه بأن قرار العطاس صحيح لأنه تكليف و ليس تعيين.

10. بعيد التوقيع على الوثيقة عقد اجتماع بين البيض و علي عبد الله صالح برعاية الملك حسين لتبديد التوتر بين الاثنين. و فيه قدّم الجانب الاشتراكي مقترحاً من ثلاث نقاط:

أ-    وقف الحملات الإعلامية المتبادلة بين المؤتمر الشعبي و الحزب الاشتراكي في إطار الأزمة السياسية اعتباراً من يوم الخميس 24/2/1994م.

    ‌ب-   تنشيط الـلجنة العسكرية (تشكلت في ديسمبر 1993م من ضباط عسكريين شماليين و جنوبيين و خبراء عسكريين عمانيين و أردنيين و الملحقين العسكريين الأمريكي و الفرنسي) للعمل على وقف التداعيات العسكرية و الأمنية " وتطبيع مجمل الأوضاع و تحديد مكان و زمان و كيفية التئام الهيئات الرسمية للدولة على أن يصحب ذلك تنفيذ وثيقة العهد و الاتفاق في الجانب الأمني".

    ‌ج-   عقد اجتماع للجنة الحوار للقوى السياسية التي وضعت وثيقة العهد والاتفاق ووقعت عليها بالأحرف الأولى لكي تواصل عملها في متابعة عملية تنفيذها , بعد إنجاز التوقيع الرسمي في عمان . ولقد أثارت الفقرة الثانية غضب الرئيس اليمني وقال: " لو كانوا في قصر الرئاسة , فلن أقبض عليهم " وخرج من الاجتماع .

11. بعد التوقيع الرسمي على الوثيقة في عمان بساعات انتشرت ألوية العمالقة في محافظة أبين من المطلع غرباً على الساحل إلى العرقوب شرقاً ومن منتصف عقبة ثرة في العواذل شمالاً حتى الساحل جنوباً . واشتبكت مع بعض الوحدات العسكرية الجنوبية في مودية وزنجبار ولودر. والجدير بالذكر أن ألوية العمالقة تمركزت في أبين في بداية الوحدة بموجب اتفاق بين قيادتي الشطرين يقضي بتمركز ألوية جنوبية في الشمال ويقابلها تمركز ألوية شمالية في الجنوب . واتضح فيما بعد أن " لواء العمالقة " لم يكن لواءاً واحداً وإنما 4- 5 ألوية وهذا أول اشتباك خطير بين ألوية شمالية مدعومة بميليشيات . كما اتضح أن تمركز ألوية العمالقة في أبين كان تمركزاً استراتيجياً حيث بنوا تحصينات عديدة واستطاعوا أن يقطعوا التواصل البري بين عدن والمحافظات الشرقية ( شبوة , حضرموت , المهرة ) .

12.      في أوائل فبراير 1994م احتجز قائد معسكر باصهيب الجنوبي المتمركز في ذمار شاحنة عسكرية كانت تحمل 40 صاروخاً من نوع سام " 3 " المضاد للطائرات مخفية تحت مفارش ومتوجهة إلى بعض الألوية الشمالية المتمركزة في الجهة الشمالية الغربية من الحدود الشطرية السابقة .

13.     أوقف جنود من لواء ملهم الجنوبي المتمركز في بيحان تسع شاحنات مرسي دس محملة بأسلحة مخفية تحت أكياس مواد غذائية ومرسلة لأحمد مساعد حسين ( جبواني )  ومدير الأمن أحمد علي محسن ( مصعبي ) وكلاهما جنوبيان أصلاً . وحدث اشتباك بين الجنود وأتباع أحمد مساعد وأحمد علي محسن عندما حاولوا استرجاع الأسلحة . كانت هذه الحادثة في 21 / 3 / 1994 م .

14.     في 28 / 3 / 1994م اتهم بيان لوزارة الدفاع في عدن المؤسسة الاقتصادية العسكرية باستيراد أسلحة  وذخائر كيماوية محرمة دولياً من عدد من بلدان شرق أوروبا وفتحت لها مكتباً في بولندا . وذكر أن القائم بالأعمال ( محمد شرف ) في بولندا رفض منح تأشيرات دخول لوفد من شركة الأسلحة والتجارة الخارجية البولندية لزيارة صنعاء للاتفاق على صفقة أسلحة بعشرات أو مئات الملايين من الدولارات.

 فاتصل عبد الله الحضرمي (مدير المؤسسة )  بوزير الخارجية باسندوه الذي طلب من محمد شرف منح التأشيرات ولكنه رفض التعليمات فتم ترتيب تأشيرات دخول لهم في مطار صنعاء وقال البيان أن المؤسسة هي مؤسسة تجارية مغلقة تخضع مباشرة للأسرة العسكرية الحاكمة في صنعاء وتسيطر على معظم النشاط التجاري ( التمويني ) في الجمهورية دون علم الحكومة ومجلس النواب.

15.     في العشرينات من فبراير 1994م صدر قرار من رئيس الأركان العقيد ركن / عبد الملك أحمد السياني بإعفاء قائد اللواء الخامس مشاة خفيف ( جنوبي ) المتمركز في حرف سفيان , العقيد عبد الله شليل عندما شعرت قيادة صنعاء العسكرية أنه يتعاطف مع القيادة الجنوبية , وأمر السياني باستبداله بالعقيد صالح محمد طيمس ( جنوبي موال لصنعاء ) فانشق اللواء وذهب جزء منه مع طيمس وبقيت الأغلبية مع قائدهم شليل وفي ليلة 26 فبراير 1994م تحركت قوات اللواء الثاني عروبة وقوات الفرقة الأولى المدرعة بالإضافة إلى 4000 من قبائل حاشد وقصفوا معسكر اللواء الخامس مشاة خفيف ودمروه وقد ساند اللواء الخامس بعض الرجال من قبائل بكيل وساعدوهم على الانسحاب إلى مواقع اللواء 14 الجنوبي المتمركز في أرحب ومنه اتجهوا عبر الصحراء إلى حضرموت . كل هذه القوات هاجمت بضع مئات من جنود اللواء الخامس المجرد من كل أنواع الأسلحة الثقيلة رغم أنه من الألوية التي هربت في يناير 1986م مع الرئيس السابق علي ناصر محمد . ويبدو أن تعاطفهم مع الجناح الاشتراكي الذي تقاتلوا معه في يناير 1986م وشردهم دليل على أن المعاملة التي لقوها في الشمال كانت أفضع من ذلك.

16.     في 27 / 4 / 1994م ( اليوم الذي جرت فيه الانتخابات العامة في العام الماضي ) ألقى الرئيس علي عبد الله صالح خطاباً جماهيرياً شنًّ فيه هجوماً عنيفاً على الحزب الاشتراكي وقيادته واعتبر هذا الخطاب إعلان حرب على الجنوب إذ حدث اشتباك عنيف في عمران بين اللواء الثالث مدرع (جنوبي) و اللواء الأول مدرع (شمالي) المدعوم بقوات من الحرس الجمهوري ومن الأمن المركزي كانت قد وصلت إلى مشارف عمران قبل أسبوع  من الحادث بدعوى احتواء قلاقل قبلية قد تحدث واتضح فيما بعد أنها حشدت لتدمير اللواء الثالث مدرع (جنوبي) الذي نجح في تدمير اللواء الأول مدرع (شمالي) تدميراً كاملاً , ولكن ما بقي من اللواء الجنوبي دمر من قبل القوات التي حاصرته قبل أسبوع  من الصدام , كما اشتركت أيضاً بعض قبائل حاشد بتجميع وتحريض حمود عاطف , أحد قيادي الإصلاح وقد اندلع القتال أثناء تواجد اللجنة العسكرية التي جاءت لنزع فتيل الصدام المتوقع.

17.     توافدت قوات شمالية إلى المواقع التي كانت الألوية الجنوبية قد تمركزت فيها مع قيام الوحدة , وكانت القوات الشمالية المتربصة بباقي الألوية الجنوبية أضعاف القوة الجنوبية . وأصبح واضحاً للجميع أن قيادة صنعاء قد قررت تدمير الألوية الجنوبية التي تمركزت مع قيام الوحدة في الشمال . وقد اختيرت لها مواقع في العمق الشمالي يجعل من المستحيل انسحابها . هذا التوجه الذي اعتمدته قيادة صنعاء أعطى الدليل القاطع على قرار شن حرب شاملة ضد الجنوب بعد تدمير القوات الجنوبية في الشمال وظهرت مؤشرات على الواقع بأن الهدف القادم للقوات الشمالية هو تدمير لواء باصهيب لأنه أقوى لواء جنوبي بعد اللواء الثالث مدرع.

18.     في 4 / 4 / 1994م تم لقاء بين الرئيس علي عبد الله صالح ونائبه البيض في صلاله       ( بسلطنة عمان ) واستمرا في لقاء منفرد لحوالي ثلاث ساعات , وبعد اللقاء بساعات اندلع القتال بين لواء باصهيب والقوات الشمالية المحيطة به , وقد تم احتوائه بعد محادثة هاتفية بين الرئيس و البيض ونداءات من جهات مختلفة.

19.     في أوائل مايو عادت القوات الشمالية لمحاصرة لواء باصهيب . وصرح البيض بأن آخر حادثة تدميرية للقوات الجنوبية المرابطة في الشمال يمكن للقيادة الجنوبية أن تتحملها من أجل الوحدة هي تدمير اللواء الثالث مدرع في عمران وأن أي محاولة أخرى تحدث سوف يردون عليها بقصف ينال من الرؤوس في صنعاء . ولكن الشماليين كانوا قد عقدوا العزم على خيار الحرب فبدءوا الهجوم الشامل على لواء باصهيب ليلاً وانفلت الزمام وانتشر القتال على الحدود الشطرية وحيثما تقابلت القوات من الجانبين وكان البيض قد دعى المكتب السياسي إلى اجتماع استثنائي بعد عودته من سلطنة عمان بساعات (عاد في نفس الليلة ) أكد فيه " أن هناك عملاً عسكرياً مبيتاً ينوي الطرف الآخر شنه لحسم الأزمة السياسية الراهنة "  وعلى الرغم من نفي مصدر مقرب من المؤتمر الشعبي العام للأنباء التي ذكرت أن الرئيس علي عبد الله صالح قد أنهى اجتماعه مع البيض في صلاله بتهديده باللجوء إلى الحرب إلا أن الحرب وقعت فعلاً بعد شهر من تأكيد البيض لرفاقه القياديين بأن الحرب قادمة.

20.     في 2 / 3 / 1994م أصدر الشيخ سنان بولحوم والشيخ مجاهد أبو شوارب بياناً أعلنا فيه انسحابهما من لجنة الحوار للقوى السياسية وقالا : " إن الأحداث تسير نحو الانفصال الذي لا يمكن أن يتم إلا بعد قتال مرير. بذلنا جهوداً متواصلة للوصول إلى الحد الأدنى لتفاهم مع من   يجرون البلاد إلى الدمار والخراب , فلم نجد مع الأسف والمرارة والحزن إلا الأكاذيب وصدمنا بصخور جامدة لا ترى إلا مصالحها الذاتية ولا تؤمن بهذا الشعب الصابر "  وقد وصف الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر هذا الموقف بأنه " حماقة " فردًّ الشيخ سنان موضحاً أن الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر قد طلب إشراكه في البيان فقال له أنه ليس من الممكن ذلك لأنه من الائتلاف والبيان ينتقد أحزاب الائتلاف . وعندما سئل عن تحديد الجهة المتعنتة وهل هو البيض قال : " لا البيض أظهر مرونة واستعداداً للمصالحة وحل الأزمة " وأنه يحمل المسؤولية الكبرى الرئيس علي عبد الله صالح والشيخ عبد الله بن حسين الأحمر  والمعروف أن الشيخين ( سنان ومجاهد ) ينتميان إلى شريحة الشركاء الأساسيين في الحكم : المشايخ الكبار الذين ارتبطوا بالحكم من خلال تحقيق مصالح كبيرة ( إقطاعيات عقارية , سكنية وزراعية ) ونفوذ كبير وهما ملزمان بدعمهم الجهوي لصنعاء في الشدائد . ونعتقد أنه في وسعهما , لو أرادا , اتخاذ موقف حازم اتجاه شطط الحكام وستقف معهما قبائلهما : نهم و خارف , وقبائل أخرى من بكيل ومذحج  وحتى من حاشد نفسها يمكن أن تستجيب لهما في تشكيل جبهة عريضة قوية تعيد للحكام رشدهم وتؤكد لهم أنهم لا يملكون اليمن وأهل اليمن  ولكن يظهر أن الارتباط المصلحي و شراكة النفوذ أقوى من المشاعر الوطنية فالشيخ سنان لم يمانع في العودة إلى اليمن عندما اتصل به الرئيس في الأيام الأولى من الحرب , ربما لتأمين حياد بكيل .

حقائق هامة عـن الحرب بين الشمال والجنوب
1-  الهدف الأساسي لحكماء قيادة نظام اليمن الشمالي هو استيعاب الجنوب وهضمه في " الجمهورية العربية اليمنية " رغم التسمية الجديدة التي ظهرت مع توقيع اتفاقية الوحدة في نوفمبر 1989م ( أي الجمهورية اليمنية ) ذلك لأن الجمهورية العربية اليمنية استمرت من خلال فرض نظامها الإقطاعي القبلي وإدارة شؤون البلاد بأساليب الفساد والإفساد.

الهدف هو محو أي شيء اسمه الهوية الجنوبية أو الشخصية الجنوبية أو الشراكة الجنوبية من خلال تدمير مراكز القوى التي تمثلها وتحويل الجنوب إلى امتداد للمحافظات الشمالية المستضعفة  واستعدوا لمختلف الاحتمالات على هذا الأساس و لم يكونوا على استعداد للتعاون في إقامة دولة الوحدة  الحديثة دولة النظام والقانون , لأنها سوف تهد نظام الجمهورية العربية اليمنية الذي يحفظ هيمنتهم   ومصالحهم . ولنفس السبب عطلوا تنفيذ وثيقة العهد والاتفاق – أسس أولية لبناء الدولة اليمنية الحديثة  فكان لابد من خيار الحرب لحسم لهذه المسألة لصالح توجهاتهم وقد استعدوا لها بتأمين جاهزيتهم القتالية والإسهام في تفكيك الجنوب على كل المستويات واستعدوا باستغلال الدين ورموزه وبتحييد مراكز القوى القبلية الشمالية .

2-  بدأت قيادة صنعاء بتطويق الألوية الجنوبية المرابطة في الشمال حسب الاتفاق الوحدوي بينها وبين قيادة الحزب الاشتراكي , ثم دمرت أهم لواءين منها ( اللواء الثالث مدرع في عمران ولواء باصهيب في ذمار) إضافة إلى اللواء الخامس مشاة خفيف في حرف سفيان وهو من الألوية التي تشردت مع علي ناصر محمد في أحداث 1986م, و حـيـدت لواءين آخرين_ اللواء الخامس مظلات في أراضي خولان التي أعلنت أنه في حمايتها و جوارها على شرط امتناعه عن الخوض في الحرب و لواء المشاة المرابط في أرض أرحب التي أعلنت نفس إعلان خولان. و بهذا طوقت أيضاً لواء المدفعية الجنوبي المرابط في  يريم ثم انقضت عليه في الأيام الأولى من الحرب. و بدأت الحرب الشاملة على كل الجبهات عندما هوجم  لواء باصهيب مساء 4/5/1994م.

3-  كانت القوات الجنوبية في محور الضالع / كرش و محور خرز و الخط الدفاعي في دوفس أكثرها استبسالاً. و لكن سقوط العند أدى إلى انهيار كبير في القوات البرية في الجانب الغربي.

4-  القوات البحرية و الجوية لعبت أدواراً رئيسية و أبلت بلاءً حسناً إلى الأيام الثلاث الأخيرة حين لم تعد لديها ذخيرة أو مطارات تقلع منها.

5-  شراء الذمم لعب دورا قاتلاًُ في انهيار الدفاعات في المناطق الشرقية.

6-   كانت الوحدة المؤلفة من 400 مقاتل ترابط في دوفس بقيادة العقيد شليل الذي هاجمته القوات الشمالية و قبائل حاشد في حرف سفيان. هذه الوحدة وقفت كالسد المنيع أمام قوات العمالقة و لم تسمح لها بالاختراق و تهديد عدن إلى آخر لحظة في 8/7/1994م و لم تخسر سوى 90 قتيلاً.

كما أن توزيع الأموال و الأسلحة على قبائل شبوه و حضرموت قد ساهم مساهمة خطيرة في تمكين القوات الشمالية من الانتشار في شبوه و حضرموت.

7-  في 20/5/1994م (ليلة العيد الأضحى) أعلن علي عبد الله صالح هدنة لمدة ثلاثة أيام استجابة لنداء خادم الحرمين الشريفين و بمناسبة العيد رغم أنه شنّ حربه الظالمة على الجنوب في الأشهر الحرم و بدعم من رموز دينية في هذا الزمن الأغبر. و بعد هذا الإعلان بساعات أعلن علي سالم البيض قيام جمهورية اليمن الديمقراطية. ثم اتصل بعد ذلك بعلي ناصر محمد و عبد الرحمن علي الجفري ( رئيس حزب رابطة أبناء اليمن (رأي) لتأييده. و وقف حزب الرابطة (الرأي) مع الجنوب الذي يتعرض لحرب باغية).

8-  أثبتت المعارك التي خاضتها قوات جنوبية ضد قوات عسكرية شمالية في مناطق الضالع _ العند, و الراهدة_ كرش و طور الباحة _ الوهط و منطقة خرز أن القوات الجنوبية ( رغم قلة عددها) تتمتع بكفاءة قتالية تفوق كفاءة القوات الشمالية بكثير, و قد ألحقت بالقوات الشمالية هزائم فادحة في هذه المواقع. لذلك انسحبت القوات الشمالية من خط الصدام الأول و اعتمدت خطة عسكرية أخرى تمثلت في القذف بموجات بشرية من المتطوعين و هم خليط من مليشيات تنظيمات إسلامية و قبلية. و ألحقت بهم خسائر كبيرة جداً.

شن حرب شاملة على الجنوب من قبل الشمال بوحشية لم تعرفها البلاد لعقود منصرمة و تدمير القرى و المدن و الأحياء السكنية على رؤوس ساكنيها من المدنيين و نهب هذه القرى وانتهاك الأعراض في بعض منها و تدمير مصادر المياه و الكهرباء لمحافظة عدن و تخريب شبكة مجاريها مع استمرار القصف المتواصل ليلاً و نهاراً قد نسف الوحدة من جذورها على مستوى البشر من أجل تحقيق وحدة الأرض!! فالأصل في الوحدة, أي وحدة, هو وحدة البشر و انسجامها و التحام و تكامل شرائحها الاجتماعية كما أن نسف الوحدة هو نسف كل ما جاءت به الوحدة ومن ضمنها الدستور و المؤسسات الدستورية و الشرعية الدستورية و الديمقراطية. فشن الحرب بهذه الوحشية و استهداف المدنيين بالقصف الصاروخي و المدفعي المتواصل هو حرب إبادة و تصفية وجود شعبي ليرثوا الأرض من بعدهم و يسود الشمال على أشلاء الجنوبيين رغم أن الاتفاقات الوحدوية انطوت على الالتزام بإقامة نظام وحدوي يختلف عن النظامين الشطريين السابقين مع الأخذ بأفضل ما فيهما كمرحلة أولى. ولكن الشمال أراد أن يفرض نظامه و هويته و طمس كل أثر للنظام الجنوبي و هويته. و الأمر المفزع أن النظام الشمالي هو من أسوأ الأنظمة و أكثرها تخلفاً لأنه يقوم على أسس الإقطاعية القبلية التي تعود جذورها إلى العهد السبئي المندثر و الإبقاء على أهم و أخطر مظاهره: القبلية و الصراع التوسعي/ الانقسامي والتمايز الطبقي. لقد اقنعوا شعب الجنوب بسلوكهم الحربي التتري المدمر أن الوحدة معهم مستحيلة, كما قدموا بهذا السلوك الحربي الدليل الواضح للمجتمع الدولي أن حكام صنعاء لا يؤتمنوا على حكم الشعب اليمني أو جزء منه و أن فرض وصاية دولية على الشمال مسألة تستحق الدرس الجاد. إنهم يقصفون المنازل و ساكنيها و يمنعون عنهم الماء و الكهرباء و يدمرون شبكة مجاريهم و منشآتهم ثم يتوقعون منهم بكل سادية أن يهتفوا للوحدة.

كان من نتائج هذه الحرب تدمير الحزب الاشتراكي من خلال تدمير آلته العسكرية و آليته التنظيمية و موقعه في الخارطة السياسية اليمنية و أياً كانت سيرته السابقة و اللاحقة فلم يكن هو القضية الأساسية للحرب التوسعية التي شنها الشمال على الجنوب. فالقضية الأساسية هي البقاء المحترم و الفعال للشخصية الجنوبية بكل تطلعاتها و قدراتها في العطاء في مجال إقامة الدولة اليمنية الحديثة دولة النظام و القانون.

لذلك كان انتصار الشمال على الجنوب انتصاراً لقوى التخلف بكل المقاييس بحيث تمكن الفريق علي عبد الله صالح من اكتساح الجنوب و احتلاله على الطريقة السبئية.
آخر تحديث السبت, 12 أغسطس 2006 20:24