سوريا... قراءة فرضيات محتملة – بقلم : جعفر محمد سعد طباعة
مقالات - صفحة/ جعفرمحمدسعد
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
الثلاثاء, 31 يوليو 2012 12:31

جغرافية سوريا تعتبر من العوامل التي تلعب دور محوري في تحديد نتائج القتال الدائر حاليا بين الجيش السوري الرسمي وبين الجيش الحر , وقد ظهرت بعض النتائج للقتال في المشهد الحالي في مدينتي( دمشق , حلب ) التي تختلف عن نتائج القتال للفترة المنصرمة من الانتفاضة (الثورة) في عدد من المدن السورية وريف دمشق (حمص , حماة , درعا , القامشلي , دير الزور,طرطوس ) التي نتائج القتال فيها لم تكن في مستوى النتائج التي تحققت في جغرافيا (حلب, دمشق ) , ان الموقع وعدد السكان والمساحة والزراعة والتجارة ومستوى تطور الخدمات الاساسية ,

 تلك المكونات جعلت القتال الدائر حاليا في تلك المدن يختلف ويتميز بخصائص قد تكون الجغرافيا سبابا رئيسيا في تلك النقلة النوعية , مع عناصر وعوامل سياسية وعسكرية اخرى سوف تفرض وبقوة في المستقبل القريب ,حيث بدأت مؤشرات تلك التطورات غير المرئية في الوقت الراهن تعطي تطمينات مهمة لمجموع الدول والقوى التي تشكل اطراف الازمة داخليا وخارجياً. إن القتال الدائر بين الجيش السوري الرسمي , والجيش الحر في المدن الكبرى وخاصة ( دمشق , وحلب ), يسمح بقراءة فرضيات واحتمالات لتطور سياسي وعسكري لم يكن بالوضوح الكافي قبل انتقال الملف السوري من مجلس الامن الى الاتحاد الاوربي , ان تلك الخطوة لها علاقة مباشرة بالموقف الحالي في مدينة ( حلب ) , ان مستقبل المواقف العملية لكثير من الدول الغربية وخاصة ( تركيا ) ,ومعها (دول مجلس التعاون الخليجي)وعلى وجه الدقة ( السعودية , قطر , الامارات , والبحرين ) وفي المقابل وبأكثر من موقف تطبيقي شديد الحزم والوضوح يمكن ان نشاهد على الارض تحركات عسكرية لبعض الدول والقوى في المنطقة ( روسيا , وايران ,وحزب الله ) ومعهم ( الصين ) حتى وان كان ذلك التحرك العسكري , فقط لرفع رقم المعادلة السياسية العسكرية نظرياً , حيث لا يتوقع ان تتجاوز(الصين ) حدود الفعل السياسي (في مجلس الامن ) بخلاف ( روسيا ,وايران ,وحزب الله ,)... ان مؤشرات مشاهدة اشتراك فعلي في القتال لقوى ودول خارجية داعمة للطرفين ( الجيش الرسمي -- الجيش الحر ) فرضية يحدد مدى امكانية حدوثها الجيش الحر في حالة تمكنه من السيطرة الكاملة على جغرافيا مثل ( دمشق او حلب ) ؟ حيث يمكن ان يؤدي سقوط أي مدينة حدودية الى جعل الجيش الحر يكسب عوامل عسكرية هامة تسمح له تامين استيراد العتاد العسكري الثقيل والمتطور اضافة الى المرونة في الحركة والتواصل الخارجي والاهم تأسيس مركز قيادة سياسية وعسكرية على الاراضي السورية , , ذلك الموقف سيفرض على ( ايران – وحزب الله ) قبل (روسيا ) التفكير في استراتيجيات متعلقة بأمن (ايران ) الذي يعتبر سقوط نظام الاسد تهديد مباشر يداهم الامن القومي الايراني , وفي نفس الوقت سوف يؤدي الى احكام طوق الحصار على (حزب الله ). ان سقوط أي مدينة ذات جغرافيا سياسية هامة حتما سوف تؤدي الى تغير نوعي في عدد من جوانب عمل الجيش الحر , في هذه الحالة سوف يجعل مؤشر حسابات التفوق يميل بعض الشىْ الى الجيش الحر عسكريا , كما سينعكس سياسيا لصالح المعارضة السورية , وسوف نشاهد الكثير من المترددين يحسمون امرهم عندما يجدوا جغرافيا داخل سوريا تحميهم من بطش نظام الاسد وتؤمن لهم حياة تختلف عن حياة من تركوا سوريا واصبحوا في مخيمات اللجوء خارج سوريا في ظروف شبه قاسية . ان هذا الاحتمال يهدد نظام الاسد ويحمل تباشير سقوط النظام ويمكن ان يعجل دخول ( تركيا وعدد من دول الخليج والغرب )الى سوريا , وفي المقابل هناك ( ايران , وروسيا , وحزب الله) تلك القوى , ستجد نفسها مطالبة بفعل يمكنها من حماية والدفاع عن نظام الاسد وفقا وحسابات مصالح الامن القومي الذي يجمع تلك الدول مع نظام الاسد , وخاصة (ايران وحزب الله ) ان التوافق بين استراتيجيات تلك الاطراف تجاه الصراع مع اسرائيل والموقف من علاقات دول الخليج العربي بالغرب وأمريكا جعل احتمالات المواجهة العسكرية اولا داخل الاراضي السورية ومن ثم احتمال اتساعها وخروجها عن تلك
الحدود يصبح مرهون بحجم القوات الخارجية المشاركة في القتال ونوع السلاح المستخدم , والاهداف السياسية لكل طرف مشارك في القتال. إن ذلك التطور المحتمل قد يستحضر احتمال اخر وبالتحديد سقوط مدينة ( حلب ) في ايدي الجيش الحر والتي تعتبر اكثر المدن خطورة بعد دمشق على سوريا والمنطقة , فيما اذا التزمت تلك الدول بالعهود التي قطعتها على نفسها وحصل التطور النوعي في الدعم العسكرية من خلال ارسال قوات لدعم المجهود العسكري لنظام الاسد , حينها سوف يتغير المشهد ويصبح احتمال مشاهدة مسرح عمليات لقوات اجنبية وارد وتواجد تلك القوات التي ستكون من الدول ( الاوربية والخليجية ) في اجراء سياسي وعسكري مضاد لقرار ( ايران , روسيا, حزب الله , ) ان فرضيات اللجوء الى تلك الخيارات قد يصبح واقع تمليه احتياجات امنية قبل ان تكون مصالح اخرى بالتالي يصبح امر حدوثها غير مستبعداً , بل قابل للتطبيق وبنسبة عالية كما تحددها نظريات علم الاحتمال التي يمكن استخلاصها من الحشد المتزايد حاليا للسفن والغواصات التابعة للأطراف التي كانت تتصارع في مجلس الامن حتى وصل الامر الى استخدام حق النقض ( الفيتو الروسي , الصيني ) , وفي المقابل(الغرب وامريكا ) اللذان لا يمكنهما ترك المجال مفتوحا امام دول الشرق للهيمنة وادارة الازمات والصراعات دون ان يكون لهم الفعل الاقوى في ترتيب اوضاع المنطقة وخاصة ان حسابات الغرب لا تسقط ثمن اي تراجع امام التحدي (الروسي الصيني الايراني ) الذي اذا خرج من الازمة السورية منتصراً سوف يؤسس لتشكيل تكتل دولي جديد يوجه ضد (الغرب وأمريكا ) ويعلن عن ظهور قطب دولي اخر موازي للغرب يحل محل ( الاتحاد السوفيتي السابق ) , مما قد يهيئ لتشكل تحالفات اخرى تقسم العالم , وفقا ومصالح التحالف الذي سيخرج منتصراً من الازمة السورية . وحينها قد لا تكون الاراضي السورية فقط مسرح عمليات وانماء قد تأخذ الحرب بينهما طابع ومفهوم العالمية , ويصبح أمر خروجها عن حدود سوريا الى مناطق صراع اخرى تشهدها المنطقة في الوقت الراهن مثل (دول مجلس التعاون الخليجي و اسرائيل ولبنان والدول الحليفة للطرفين ), وعند حدود هذه التطورات المحتملة تصبح سوريا محور لمتغيرات كبيرة قد تشهدها المنطقة نظراً للجغرافيا السياسية لسوريا نفسها وما تمثله من اهمية استراتيجية تتحكم بالأمن القومي لعدد من الدول الاخرى القريبة والبعيدة من الحدود السورية التي جعلت من الازمة السورية سلم للتسلق والوصول الى حلول لصراعات تشهدها المنطقة والعالم ,منها الصراع العربي الاسرائيلي والصراع الاسرائيلي الايراني , وسباق التسلح بين امريكا وروسيا والصين ,وايضا ازمة نشر شبكة الدرع الصاروخي الامريكي في تركيا وعدد من دول اورباء الشرقية التي سوف تؤثر سلبا على الامن القومي الروسي وبعض الدول الاخرى, كل تلك الملفات الساخنة قد تجعل المخاوف حقيقية في حالة من تعاظم دور الغرب اذا تمكن من التفوق على (روسيا والصين ) وتحيداً في الازمة السورية حينها يستطيع الغرب تصدير تأثيرات ثورات الربيع العربي التي قد توظف من قبل ( الغرب ) لإضعاف ( روسيا والصين )باختلاق ازمات داخلية تحت عناوين عريضة لحقوق الانسان لتصل الى النقاط الساخنة (في روسيا , الشيشان ), (وفي الصين التبييت والمسلمين ) وهناك مخاوف اخرى ستجعل قرار ( روسيا وايران ومعهم الصين وحزب الله ) حاسماً , وتتمثل في حسابات الهيمنة والدفاع الاستراتيجي عن بعد , ومناطق النفوذ , ومناطق انتشار القواعد العسكرية , ومواني تامين سفن وغواصات الاسطول البحري, اضافة الى المصالح الاقتصادية والدول التي تعد اسواق للدول المصنعة للسلاح والتكنلوجيا التجارية والعسكرية , كل تلك الحسابات سوف تجعل احتمال المواجهة العسكرية لكل طرف أهداف غير معلنة تحت غطاء الهدف المعلن لكل طرف اسقاط نظام الاسد , والطرف الاخر يخفي ايضاً اهداف كثيرة تحت هدف معلن عدم السماح بسقوط نظام الاسد . وكما يجب عدم اغفال احتمال اخر لا يقل اهمية عن بقية الفرضيات ويمكن ان يكون له مكان في الازمة السورية واحتمال الاتفاق عليه من قبل اطراف الصراع في الازمة السورية يبرزه التصعيد المكثف للحشد الحالي للقوات وسفن وغواصات الاساطيل البحرية وحاملات الطائرات وغيرها من معدات عسكرية اصبحت ترد تباعا الى المنطقة وبسرعة لافتة للنظر, إن تلك العملية التي قد يعتبرها البعض عسكرية صرفة في الوقت الذي تحمل رسائل سياسية اكثر منها عسكرية في الوقت الحاضر وقد تفرض على جميع الاطراف تقديم تنازلات لتسوية سياسية , تجنب المنطقة حرب لن تقف عند حدود سوريا , ويمكن ان تمتد الى ابعد من ذلك , واحتمال تقديم التنازلات مرهون بمصالح وحسابات تدخل فيها اسرائيل والصراع الغربي الايراني النووي , واعادة ترتيب جدول المصالح وتقاسمها بين الغرب والشرق في سوريا ولبنان . اما الاحتمال الاكثر استدعتا للخطر الحقيقي والتدمير الشامل في المنطقة يمكن حدوثه اذا اقدمت اسرائيل على توظيف الازمة السورية لخدمة مصالحها الامنية وحصلت على ضوء اخضر من دول الغرب الحليفة لتوجيه ضربتين في وقت واحد على ( ايران وحزب الله ) , حينها يمكن ان يصبح الحديث الجاري حالياً عن حرب كونية حقيقة واقعة ومقدمات لحرب عالمية ثالثة قواها الاساسية (الشرق والغرب ) التي إذا بدأت تلك الحرب حينها تصبح احتمالات استخدام وسائل الدمار الشامل من الامور الواردة وقد يلجأ اليها طرف من الاطراف الذي ستفرض عليه حسابات معينة اتخاذ مثل ذلك القرار الذي سيجعل مصير المنطقة مجهول وستصبح مصالح عدد من دول العالم في المنطقة على كف عفريت , كما تنطوي بداخل ذلك القرار حسابات سياسية لجزئيات من فرضيات محتملة قد تبرز افق ومعالم واضحة لإعادة تقسيم جديد للمنطقة وعودة الاستعمار الغربي وظهور قطب جديد على شكل المنظومة السابقة ( الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي ) ولكن بدون ايدلوجيا وبدون دول اورباء الشرقية وفي نفس الوقت تلغي نظريات وقوانين سيد العالم وعصر العولمة . في كل فرضية محتملة هناك اسئلة واجابات وقد كان للاجتهاد نصيب في هذا الموضوع وبرغم ذلك تظل بعض الاسئلة والملاحظات بحاجة الى اشتراك الجميع في الاجابة عليها :

هل امريكا والغرب على استعداد حقيقي للتضحية والدخول في حرب ضد روسيا والصين وايران وحزب الله ؟
في حال الاجابة بنعم, يبرز سؤال اخر من اجل من ستخوض تلك الحرب ؟ وماهي اهدافها ؟
 


هل من اجل الجيش الحر والمعارضة السورية ؟ او من اجل اسقاط نظام الاسد ؟ اومن اجل اسقاط ايران وحزب الله؟
 او من اجل اعادة التوازن في المنطقة بما يخدم أمن اسرائيل ؟
تلك كانت بعض الاسئلة التي نتركها للمستقبل ليكون الفيصل في الاحتمالات والفرضيات التي وردت في المقال .

جعفر محمد سعد

باحث في الشؤون العسكرية

لند ن يوليو 2012 م