العشاء الأخير طباعة
مقالات - صفحة /عبده النقيب
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
السبت, 12 أغسطس 2006 17:23
كطيف مرت الأحداث فينا والسنون .. أسير يا وطن في ملاجئ الفسق تقبع والمجون... ومستقبل تمّرغ بين أوحال وطين.
.جنوبا  ثائرا  رغم الأنين ...يتوق للرغيف والحرية والأوكسجين...واستقلال مظفر لا نرضى بدون ...وضعناه ببرنامج تاجنا قول مبين.
أستهليت مقالي هذا  بكلمات متواضعة استلهمتها من برنامج التحرير, برنامج التجمع الديمقراطي الجنوبي (تاج)  أردت أن أخرج كل ما تحويه مشاعري وأحاسيسي من خواطر عن وطني الأسير في سجع مسجّى بالحزن على ما آل إليه حال وطننا الجنوب اليوم.

قد يقول البعض أني مستعجل أو كثير التفاؤل عندما أبدأ بالحديث اليوم عن مرحلة ما بعد علي عبدالله السنحاني وقد يقول البعض أني أتغنى بدنو أجل هذا الطاغية الذي دمر الجنوب وبدد ثرواته هو وحاشيته .. إن كلا القولين لا يقتربان من الحقيقة فالمشهد السياسي الحالي في اليمن الشمالي يشير إلى ما أقول ويؤكد بقوة على ذلك فنهاية سلطات علي عبدالله باتت قاب قوسين أو أدنى . أما وأنّي أتغنى بدنو الأجل لسلطة الرئيس اليمني الشمالي فهو أيضا ليس صحيحا لإني أخشى كثيرا من تبعات النهاية الغير هادئة لملياردير كبير في بلد يهلك أبناءه من العطش والجوع  والكمد.

كلنا شاهدنا الزيارات البهلوانية الأخيرة التي قام بها الشاووش علي للجنوب بدأها بالضالع التي لا تحبه ولا ترحب به ومر على عدن الذي أقسم أن يثأر من أبنائها وأن يحولها إلى قرية  وكالبرق الخاطف عبر أبين وشبوه خوفا من  أبناء هذين المحافظتين الأبيتين الذين قابلوه بالغضب وصبوا عله اللعنات هو  ومرافقيه ليفر مذعورا كالفأر ويستقر به المقام في حضرموت حيث أدمن على استنشاق روائح النفط والغاز ليشبع عطشه وجوعه للثروة  ونهمه الذي لا يحده حدود. كانت الجولة غير مرتب لها مسبقا لأنها لم تكن في الأصل زيارة لذا بدت للجميع مسرحية هزلية يخدع بها نفسه ومن لا يعرفون عن الجنوب شئ أما الجنوبيين فلم يصدّقه أحد فقد رأوا عليه علامات الغضب والارتباك ترافقت مع جموع القبائل والوفود التي قدمت تبايع الشيخ الحاشدي عبدالله الأحمر في منزله بعد أن اشتدت أوار المعارك الكلامية بين المؤتمر والإصلاح وبالتحديد بين الملياردير علي عبدالله وشيخه وسيده عبدالله بن حسين.

صحيح إن علي عبدالله يمتلك من القوة والنفوذ ما يجعله متفوقا في هذا المعركة التدميرية وخاصة بعد أن تولى إبنه أحمد مسؤولية القوات الخاصة لكن الثقل التاريخي للشيخ الأحمر هو ما يقلق الرئيس بالفعل لذا فقد شعر بالخطورة وبدأ بتجربة الهروب والاحتماء بالجنوب الذي يعتقد واهما أنه أصبح مجرد أراضي خالية من أهلها يمكنه الاختباء فيها.. بالفعل  وصلت الخلافات داخل التحالف القبلي العشائري الزيدي إلى طريق اللاعوده وماريناه من قتال بين علي عبدالله وأتباعه من جهة والحوثي من جهة أخرى إلا واحدة من مؤشرات الصراع الدامي  الذي تجلى بأبشع صوره كصراع نشأ وترعرع نتيجة الخلافات على اقتسام الغنائم التي ورثوها عن الجنوب.

لم يكن التحالف القبلي العسكري الذي نشأ بين الضباط الزيود والمشائخ  من قبائل حاشد إلا تعبير طبيعي يعكس تخلف البنية الاجتماعية وسيادة الاقتصاد الزراعي الرعوي المتخلف  في المناطق الشمالية من الجمهورية العربية اليمنية والتي تقطنها الطائفة الزيدية التي ينتمي لها الرئيس وسيده الشيخ عبدالله الأحمر  حيث ظل هذا التحالف يستحوذ على السلطة ويمارس الاضطهاد والتمييز ضد أبناء الطائفة الشافعية عن طريق الحروب والهيمنة وصار التحالف ضرورة تمليها ظروف الوضع المتأزم من أجل الحفاظ على السلطة القائمة على النهب والسلب. توسع هذا التحالف بعد وأثناء تجربة الوحدة المنكوبة ليظم في إطاره أيضا القوى الأصولية التي حلمت باستخلاف الحزب الاشتراكي في اليمن الجنوبي وتجلى هذا التحالف التكتيكي المرحلي في دخول تلك القوى الحرب العدوانية على الجنوب في صيف 1994م  موحدة حيث قاد الضباط المهيمنين على السلطة فرق القبائل في زحفها نحو منابع النفط في اليمن الجنوبي تسندهم فتاوى الجماعات الأصولية والمليشيات  التي عادت من جبهات القتال في أفغانستان حيث استكملوا ذلك الاجتياح في السابع من يوليو(تموز) من ذلك العام لتبدأ مرحلة جديدة هي مرحلة اقتسام الجنوب وتوزيع ثرواته.

بدأت مرحلة الاحتلال بانفراط عقد التحالف والزواج الغير متكافئ بين الجماعات الأصولية من جهة  والجماعات القبلية وكبار الضباط من جهة أخرى وذلك لانعدام الأرضية الاقتصادية التي يمكن أن يقف عليها ذلك التحالف، فقد ظلت السلطة التي يشبه الدولة والتي كانت تشترك فيها مختلف القوى المتحالفة بعيدا عن أي تأثير أو دور في الحياة السياسية والاقتصادية وأقتصر  ذلك الدّور على مراكز القوى والبؤر المنتشرة في كل مفاصل تلك الدولة الوهمية. كان ذلك الخلاف يتأجج  يوم عن يوم من خلال تقليص دور ونفذ الجماعات الأصولية التي لا تنتمي لقبائل السلطة وهم من المناطق الشافعية وبدرجة أولى كل من ينتمي للجنوب ووصل هذا الخلاف إلى حد المواجهات المسلحة  وإصدار أحكام الإعدام على بعض تلك العناصر التي تم توريطها والالتفاف عليها. كان واضحا أن تلك القوى الأصولية التي أنشأتها السلطة في المناطق الشمالية هي موجهة لقمع القوى المتنورة وللحد من تأثير النظام ذو التوجه الاشتراكي في اليمن الجنوبي حيث استفادت من كل التسهيلات السخية التي قدّمت لها والتي مكنتها من التغلغل في كل المؤسسات الحكومية واستيلائها على مؤسسات التعليم ودور العبادة بل ومن بناء مؤسسات مستقلة تابعة لها وتكوين مليشيات مسلحة تتلقى الدعم الخارجي وتستحوذ على قسم كبير من الدخل العام والخاص للجمهورية العربية اليمنية .

لقد ساعدت الظروف الإقليمية والدولية المتأججة كحرب الخليج الأولى وأحداث الحادي عشر من سبتمبر واحتلال أفغانستان وانتشار موجة الغضب والعداء لأمريكا في المنطقة ساعدت على تأجيج الصراع بين حلفاء الأمس حيث فرضت تلك الظر وف التزامات دولية على النظام العسكري القبلي تمثل في تقديم التنازلات لأمريكا والانحناء لها  بل والإنصياع الكامل للتعليمات المباشرة التي تمليها في ملاحقة العناصر الأصولية التي تختبئ تحت عباءة النظام وترضع من ثديه وهنا اقصد العناصر الأصولية التي تنتمي للمناطق الزيدية والمناطق الأخرى ضمن إطار اليمن الشمالي. شكل هذا الصراع المؤجل أثره وأهميته لأن تلك العناصر باتت جزء من نسيج النظام  وصارت تشكل خطرا علية بعد زوال النظام الذي كان قائما في اليمن الجنوبية ولذا فإن يافطة مكافحة الإرهاب قد قدمت الوسيلة والذريعة لضرب الأصوليين الجنوبيين والمعارضين الغير مرغوب بهم . ولأن التحالف كان قائما لأهداف محددة كما ذكرتها سلفا فإن المرحلة الجديدة – مرحلة احتلال الجنوب واقتسام ثرواته لم تعد تعطي المبرر لاستمرار هذا التحالف حيث أضحت المصالح الفئوية والأسرية هي التي تحدد استمرار وشكل هذا التحالف ليمتد الصراع الدامي إلى داخل العشيرة المتربعة على سدة السلطة .

 برزت الصراعات بين الأقطاب القبلية والعسكرية التي تستحوذ على الحكم في وقت مبكر من مرحلة احتلال الجنوب حيث دفعت التطلعات المختلفة للضباط والمشائخ إلى فتح أبواب جهنم وتصفية بعضهم البعض كما فعل  الرئيس علي عبدالله  لكبار الضباط المقربين منه مثل محمد إسماعيل وأحمد فرج وكذلك الشخصية الوطنية والسياسية يحي المتوكل والشيخ مجاهد أبو شوارب ثاني أقوى رجل داخل قبيلة  حاشد بل وأن زعيم قبائل حاشد الشيخ عبدالله الأحمر نفسه قد تعرض لمحاولة اغتيال  وإقصاء  دفع بالوضع المتأزم إلى  بلوغ مداه بين الشيخ عبدالله وأبناءه من جهة والرئيس علي عبدالله وإبنه في معركة الخلافة  على الحكم وكذا في معركة التقاسم والنهب أفغانستانأأحمدأأ لثروات الجنوب .

إن المعركة الخطرة بين الرئيس وشيخه أو بالأصح بين الشيخ ورئيسه هي تعبير جلي عن المأزق الذي وصلت إليه العصابة التي تحكم الجمهورية العربية اليمنية منذ  قرابة 27عاما وهي نذير بنهاية هذه الفترة المظلمة وهي أيضا بداية النهاية لجيش الاحتلال المنتشر في الجنوب إنشاء الله.

كانت تمثيلية الزيارة الأخيرة  التي قام بها الرئيس السنحاني مؤخرا للجنوب قد أكدت صدق رؤيتنا في التجمع الديمقراطي الجنوبي (تاج) أن العصابة الحاكمة تقود البلاد نحو الصوملة وأنهم يعدون لمسرح المعارك  في أرض الجنوب التي ستمكن الرئيس من القدرة على المناورة والهروب إذا ما هجمت علية قبائل الشيخ عبدالله الغاضبة وكذلك حشود الثائرون لدم رجل الدين الشيعي حسين بدرالدين الحوثي في المنطقة الزيدية نفسها والتي ينتمي لها الرئيس أيضا.

إن من يرى في ذلك الصراع المتأجج داخل مؤسسة الحكم وداخل الطائفة الزيدية مجرد خلافات فردية يمكن التغلب عليها فهو مخطئ ولا يمتلك القدرة على النفاذ ببصيرته إلى عمق الأزمة ويفتقد إلى معرفة إلى المفاصل الرئيسية  للبنيان الذي قامت علية هذه الدويلة القبلية العسكرية فالحرب ضد الجنوب كانت قد وحدتهم وكان عدائهم للنظام السياسي في الجنوب أساس وحدتهم والصرح الذي يقفون عليه أما وأن ذلك النظام والعدو المشترك قد أختفي عن المسرح فإن المهام قد تغيرت وأصبحت قضية تقاسم ثروات الجنوب هي البرنامج الاقتصادي الأساسي والوحيد  لجميع أطراف التحالف والقوى المشاركة في الحرب . بكل تأكيد لا تجمع أطراف القوى التي تحالفت في الحرب مصلحة مشتركة وليست هناك برامج سياسية حقيقية تهدف إلى بناء دولة يمكن أن تشترك فيها كل هذه الأطراف يمكنها من قيام أي نوع من الشراكة السياسية والاقتصادية  نتيجة للتركيبة القبلية المتخلفة لهذه الأطراف لذا فإنها لا تستطيع أن تملك مشروع من هذا النوع  لكونها جديدة على الساحة الاقتصادية  وهي لازالت  تتقوقع داخل شرنقة القبيلة التي  توفر لها الحماية الكاملة وتمنعها من الخروج إلى فضاءات مشروع وطني كبير.

 انطلقت قوى الحرب العسكقبلية متفرقة تنهب  وتسلب ثروات الجنوب الطبيعية وتتقاسم بقايا الدولة الجنوبية ومؤسساتها وممتلكات الجنوبيين المهزومين في الحرب العامة منها والخاصة  وتكدست الثروات في أيديها دون وجود مناخ ملائم يسمح لها باستثمار تلك الأموال مما أد إلى تازيم الأوضاع  الاقتصادية وتدهورها بشكل مخيف  جعل منها سببا رئيسيا لاستحالة نجاح أي مشروع سياسي  للسلطات الحالية.

هكذا استفحلت الأزمة وتأجج الصراع  والتنافس على الثروة لينتقل إلى التنافس على السلطة والتي تعني مرحلة التصفيات للأعداء والمنافسين بأي ثمن وأي وسيلة وهذا ما شهدناه وما نلمسه من صراعات حادة مسلحة واغتيالات داخل المؤسسة الحاكمة وهم بهذا يصنعون نعشهم ويعرضون بلدنا الجنوب للخطر الجسيم.

في ظل هذا الظروف التي  تتفكك فيها مؤسسة السلطة تبرز أهمية  ودور وجود التجمع الديمقراطي الجنوبي الذي يطرح مشروع التحرير والاستقلال كمشروع ضروري لاستعادة الحقوق المهدورة لأبناء الجنوب وكذلك مشروع إنقاذ لوطنهم  الذي يتعرض اليوم لخطر التدمير والتفكك وهو أيضا مشروع تجنيب الجنوب من الحرب التي يخططون لإشعالها فيه. صحيح أن هناك عوامل خارجية تدفع باتجاه تفكيك البنى القبلية المتخلفة والدفع باتجاه إحداث إصلاحات اقتصادية وديمقراطية تؤدي إلى تغيير البنية السياسية والإقتصادية إلا أن التطورات السياسية المتسارعة قد تعجّل بحدوث ذلك التغيير بطريقة غير هادئة ونحن إذا نطرح مشروعنا الوطني نضع الحلول الممكنة لمواجهة العاصفة القادمة إذا يتصرف أطراف الصراع دون مراعاة لمصالح الوطن العليا فهم كما أجتاحوا الجنوب على جثث أبنائه كوسيلة لحل الخلافات الناشئة بينهم وبين الشعب الجنوبي  والمتعلقة بالإخفاقات الكبيرة في تطبيق اتفاقيات ودستور الوحدة فإنهم اليوم يلجأ ون إلى التصفية الجسدية لبعضهم  كوسيلة لحل خلافاتهم حول اقتسام الثروة فيحشدون القوى والعدد بل وينهبون ما تبقى من الثروة فوق الأرض وفي باطنها وداخل البحر تاركين  الأوضاع الاقتصادية تتفاقم وتزداد سوءاً والتي بدورها تقود البلد نحو التفكك الاجتماعي والحرب الأهلية كما حصل في الصومال لاسمح الله.

إن  مهمة إنقاذ الجنوب من الحرب والتفكك هي مسؤولية كل جنوبي داخل الوطن وفي جميع بلدان الشتات حيث يلجأ المشردين الجنوبيين و هي مسؤولية إخواننا العرب بل ومسؤولية جميع القوى المحبة للسلام وإن كل جنوبي مطالب اليوم وليس غدا أن يصرخ بصوت عال مناديا بإزالة الاحتلال ورفض كل أشكاله مهما كانت المسميات ومقاومة جيش الاحتلال والحكام العسكريين المنتشرين في الجنوب وفرق النهب والسلب المنظم التي زحفت على الجنوب بل ومطالبة العالم بمساعدتنا في إنهاء الاحتلال واستعادة الحقوق المشروعة لأبناء الجنوب في تقرير مصيرهم واستعادة دولتهم المستقلة على أراضي الجنوب المتعارف عليها.

إن التجمع الديمقراطي الجنوبي (تاج) وهو يشق هذه الطريق الصعبة يرى النور من بعيد وهي تبشر بميلاد الفجر الذي بدأ يلوح في الأفق  ويدعو كل أبناء الجنوب إلى الالتفاف حوله في النضال من أجل استعادة كرامتهم وحقوقهم وندعو كل المترددين للتخلص من عقد الخوف والعجز وندعو ايضا كل من أصابه اليأس والإحباط إلى إعادة النظر والتمعن في المشهد السياسي الذي يؤكد بأن الاحتلال زائل لا محالة . يا شعب الجنوب الأبي لقد بدأت الأرض تترنح تحت أقدام المحتلين فهم لا يملكون من القوة شئ بل أنهم متهالكون فشعب الجنوب كما عرف عبر العصور شعب أبي لا يقبل الضيم  والاحتلال فنحن لسنا أقل جرأة وإقدام من الشعوب الأخرى في جورجيا وأوكرانيا  بل وفي لبنان هلموا فلن يأتي أحدا بدلا عنكم  ولننذر كل من يتعاون مع قوات الاحتلال ضد أهله وشعبه ووطنه بأن ساعة الحساب آتية لاريب فيها وأن الاحتلال إلى زوال  وإن الشاووش علي قد جلس على المائدة ليتناول آخر وجبة عشاء إن شاء الله.
عبده النقيب
عضو اللجنة التنفيذية وسكرتير الدائرة الإعلامية
((تاج))
2/3/2005م
آخر تحديث السبت, 12 أغسطس 2006 17:23