كشفت عن تورط الرئيس اليمني بتمويل القاعدة :التقرير الكامل لـ صحيفة «الجارديان» البريطانية طباعة
عام - تقاريرودراسات
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
السبت, 28 أغسطس 2010 13:08

26-أغسطس آب-2010

في تقارير من جنوب اليمن، يلتقي غيث عبد الأحد بمقاتلين جدد بتنظيم القاعدة داخل البلاد التي تصفها الولايات المتحدة بأنها تشكل «أولوية أمنية ملحة» .

تقع سوق مدينة جعار الصغيرة المنتمية لمحافظة أبين بجنوب اليمن، على طريق تغطيه القاذورات والتراب، يعج بأكوام القمامة وعبوات بلاستيكية فارغة وأخرى معدنية وأطعمة متعفنة. ومع هبوب الرياح الحارة، تطير الأكياس البلاستيكية في الهواء، بينما يقترب كلاب ليتشمموا بقايا الطعام حول أكشاك بيع الخضراوات. وتناضل الحافلات الصغيرة والعربات التي تجرها الحمير لإيجاد مساحة لها تمر فيها داخل الشارع الضيق.


في خضم هذه الفوضى، يقف «جهاديون» مسلحون باتت المدينة تشتهر بهم. وكان بينهم رجل نحيف قصير له لحية طويلة، بينما انسدل شعر رأسه على كتفيه، ويرتدي ملابس على الطراز الأفغاني: شلوار قميص وسترة متداخلة الألوان، بينما يحمل بيديه سلاح «كلاشنيكوف» قديما. وهذا الرجل إما قاطع طريق يفرض إتاوات على التجار، أو متمرد يدعي لنفسه حمايتهم من «النظام» - والاحتمال الأكبر أنه يضطلع بكلا الدورين.


شرع الرجل يلوح بيديه بمرح للمارين به، لكن لم يقدم سوى القليل منهم على إلقاء نظرة ثانية باتجاهه. ومثل الفوضى والقذارة، يعد «الجهاديون» جزءا لا يتجزأ من المشهد في جنوب اليمن. ويرتاد الجهاديون المساجد الخاضعة لإدارة الدولة بالمنطقة ومراكز تحفيظ القرآن، بل وينضمون أيضا لقوات الأمن الحكومية.


إلا أنه في الفترة الأخيرة، تنامت خطورة نفوذ هذه العناصر. خلال العامين الماضيين، أسست «القاعدة» جماعة محلية تابعة لها باليمن حملت اسم «القاعدة بشبه جزيرة العرب»، والتي أعلنت مسؤوليتها عن هجمات جريئة - بينها محاولة اغتيال السفير البريطاني لدى صنعاء في وقت سابق من هذا العام.


في اليمن، يمكن للمجندين دراسة آيديولوجية «القاعدة» واستقاء الإرشاد من عدد من القادة العسكريين، بينهم أنور العولقي، رجل الدين اليمني - الأميركي الذي وصف بأنه «الإرهابي الأول» من جانب جين هارمان، الرئيسة الديمقراطية للجنة الفرعية المعنية بالأمن الداخلي التابعة لمجلس النواب الأميركي. ويعتقد أن العولقي قدم التوجيه والإرشاد لعمر الفاروق عبد المطلب، المشتبه في محاولته تنفيذ تفجير طائرة اعتمادا على متفجرات أخفاها بملابسه، والميجور نضال حسن، المتهم بقتل زملائه في حادث إطلاق نار في قاعدة فورت هود.


وبالنهج المحافظ الذي تتبعه من الإسلام ومناطقها الجبلية الوعرة وقبائلها صعبة المراس ومشكلات الأمية والبطالة والفقر المدقع، أطلق خبراء أمنيون على اليمن لقب «أفغانستان الجديدة».
وقضت «غارديان» شهرين بالبلاد متنقلة بين المناطق القبلية في أبين وشبوة، حيث أقامت «القاعدة» وجودا لها، وحيث يشتبه في تسبب هجمات عبر طائرات أميركية من دون طيار في قتل عشرات المدنيين وقليل من المتمردين. وعبر حديثنا إلى جهاديين ومسؤولين أمنيين وأفراد قبليين، اتضح كيف أن مزيجا من التحالفات الحكومية والرشاوى والوعود التي لم تنفذ وحملات الإجراءات الصارمة التي جرى تنفيذها برعونة، سمح للمتطرفين بالازدهار وأسفر عن صعود اليمن كمحور إقليمي لـ«القاعدة».


ولست مضطرا إلى التوغل في أعماق الجبال كي تستمتع إلى «الرسالة الجهادية»، ففي أحد أيام الجمعة، على سبيل المثال، أثناء جلوسي فوق سطح أحد فنادق صنعاء، سمعت صوت أحد خطباء المسجد وهو يرتفع في نهاية الخطبة قائلا «اللهم العن اليهود والنصارى.. اللهم اجهل زوجاتهم وأطفالهم عبيدا لنا.. اللهم اهزمهم وانصر المؤمنين».


من جهته، يقول الدكتور أحمد الداغشي، الكاتب اليمني المتخصص في الشؤون الإسلامية والجهادية، إن هناك عاملين وراء ازدياد نفوذ «القاعدة».. «أولهما: الأوضاع المحلية التي تتسم بالبؤس على الصعيدين السياسي والاقتصادي. وقد جرت ترجمة هذا الوضع إلى الكثير من صور المقاومة - والجهاديون و(القاعدة) ضمن هذه الصور. ثانيا ما يمكن وصفه بالقمع الأجنبي الذي نعانيه جميعا عبر شاشات التلفزيون - سواء بالعراق أو أفغانستان أو فلسطين - ويضفي شرعية على خطاب (القاعدة)».


في الجنوب، تخرج الأمور عن قبضة الحكومة سريعا، خاصة مع دخول قطاع الطرق والقبائل الخارجة عن القانون والانفصاليين والجهاديين جميعا في قتال ضد النظام. ورغم وجود قليل من الروابط الآيديولوجية بينهم، تسهم هذه المجموعات في أمر واحد: دولة فاشلة يمكن للتطرف أن يرتع بها.
خلال أول أيامي في جعار ، تجولت بالمدينة برفقة نائب محافظ أبين. وغادرنا السوق، وانتقلنا بالسيارة إلى داخل حي بناه اشتراكيون يمنيون في سبعينات القرن الماضي لاستضافة خبراء زراعيين من شرق أوروبا. وتجري إعادة بناء المساكن الخشبية الصغيرة سابقة التجهيز باستخدام كتل من رماد الفحم، الأمر الذي يبدو وكأنه أورام سرطانية رمادية اللون تستشري بكل مكان.


عند مدخل المدينة، وقف رجلان مسلحان، وانتشرت على الجدران كتابات تعلن الولاء لـ«القاعدة». وأشار نائب المحافظ إلى أنه «لم يسافر أي من هؤلاء الرجال إلى أفغانستان، لكنهم يرغبون في التشبه بمظهر أفراد القاعدة».
حتى العام الماضي، كانت جعار في أيدي الجهاديين، وادعت الحكومة أنها استعادت السيطرة عليها عبر حملة هجومية شنها الجيش بقيادة وزير الدفاع. ومع ذلك، كانت المدينة لا تزال خارج حدود سيطرة قوات الأمن. قال نائب المحافظ «يتعذر على مسؤولو الحكومة القدوم هنا، لكن يمكنني المجيء لأنني كنت أتفاوض نيابة عن الحكومة معهم لبضع سنوات حتى الآن».


الملاحظ أن صعود «القاعدة» في جعار شكل عملية تدريجية من التحول إلى الراديكالية مع عودة أجيال من المقاتلين المتطوعين من حروب بالخارج: الحرب الأفغانية ضد السوفيات في ثمانينات القرن الماضي، والحرب التي قادها حلف «الناتو» ضد «طالبان» وحرب العراق عام 2003. وينتشر هؤلاء المقاتلون، بجانب «جهاديون» لم يسبق لهم السفر للخارج، في شوارع جعار بحثا عن النفوذ. في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، كانت جعار في معظمها مدينة اشتراكية. إلا أنه عندما حارب النظام بصنعاء الاشتراكيين خلال حرب أهلية قصيرة الأجل عام 1994، حارب الإسلاميون إلى جانبهم. وعندما مني الاشتراكيون بالهزيمة، شجع ذلك الإسلاميين على السيطرة على المدينة. وبذلك، جرى إنشاء مراكز لتحفيظ القرآن، والتي تعد المعادل اليمني للمدارس الدينية في باكستان، بدعم من الحكومة.


على امتداد السنوات العشر التالية، تحولت المدينة إلى مقر للإسلاميين الذين حصلوا على وظائف وتلقوا رواتب من الحكومة وتدفقت الأموال عليهم وقتها من السعودية لدعم مراكز تحفيظ القرآن.
من جانبي، تحدثت إلى فيصل - الذي يبدو أشبه بهيكل عظمي يحمل وجهه شاربا سميكا - حيث كان يجلس داخل غرفة المعيشة بمنزله. كان فيصل عضوا بالحزب الاشتراكي ورئيس اتحاد الفنانين الشبان في أبين، وقد عاين موجة «التطرف»، وهي تجرى داخل جعار.


وقال «تعرض الاشتراكيون للهزيمة في 7 يوليو (تموز) 1994، وفي 8 يوليو، جاءت إلي مجموعة من الإسلاميين، والتقطوني من منزلي ووضعوا عصابة على عيني واصطحبوني إلى مقر رئاسة إدارة الأمن السياسي. وقاموا بتقييدي وضربوني هناك. وكانوا يرغبون في معرفة ما إذا كنت شيوعيا، وأعلن قائدهم أنني من الشيوعيين. بعد ذلك، قاموا بتقييدي إلى شجرة وعلقوني هناك وشرعوا في ضربي بعصا.
وأضاف «بعد ذلك، شرعت الأمور في التغيير، حيث حصل الأصوليون على وظائف وأصبحوا قادة وضباطا». وأغلقوا دار السينما وحولوها إلى مسجد. واختفت الفنون وشرعت النساء تدريجيا في ارتداء النقاب الأسود الكامل. العام الماضي، قتلوا 10 رجال، وألقوا جثثهم في الشوارع، مدعين أنهم كانوا يمارسون الشذوذ الجنسي، حسبما ذكر فيصل.


من بين قادة التغيير بالمدينة في تلك الفترة خالد عبد النبي. وقد التقيته داخل مجمع خاص به يبدو أشبه بمدرسة دينية. وأمام منزله، كان عدد من الشباب يعملون كحراس وطلاب في الوقت نفسه.
جلس عبد النبي على الأرض يتحسس لحيته. ومن الأرض إلى السقف، امتدت أرفف من الكتب خلفه تعج بكتب سميكة مغلفة بالجلد تدور حول الفقه والدين. وبالقرب منه، كان يوجد مسدس.


وذكر عبد النبي أنهم عام 1994 تلقوا وعودا من جانب الرئيس علي عبد الله صالح بأنه سيطبق الشريعة ويقيم دولة إسلامية. وعليه، قاموا بتشكيل وحدات خاصة تعمل تحت قيادة الجيش للقتال إلى صفه. وقال «شكلنا وحدة صغيرة مع إخوة آخرين، وهاجمنا سجنا في جعار ومركز شرطة، وحررنا المدينة قبل وصول الجيش. إلا أن أيا من وعود الرئيس لم تر النور. ونحن صدقناه، ربما لأننا كنا وقتها سذجا».
ورغم ذلك، بدأت موجة أسلمة المدينة بعد الحرب. وأشار عبد النبي إلى أنه «انتشر الوعظ الديني بهذا المكان على نحو غير عادي. وجرى بناء مساجد ومراكز لتدريس الشريعة، وحصلنا على كثير من الدعم. وبالطبع، كانت هناك ردود أفعال لما يدور بالعالم الإسلامي. وأصبح الناس أكثر التزاما بالدين، مما جعل بإمكانهم محاربة من يعتبرونهم الصليبيين».


شرع عبد النبي في بناء الجيش الإسلامي بأبين - عدن عام 1998، وهي واحدة من أوائل المجموعات التي تستقي إلهامها من الفكر الجهادي العاملة باليمن. وتواجه الجماعة اتهامات بالضلوع في الكثير من أعمال العنف، بينها تفجيرات واغتيالات لضباط أمن، بجانب اختطاف 16 سائحا أجنبيا عام 1998، الأمر الذي أسفر عن مقتل أربعة رهائن.


في أغسطس (آب) 2008، قتلت قوات الأمن اليمنية خمسة من رجال عبد النبي في محافظة أبين، وأعلنت إلقاءها القبض على 28 من أنصار «القاعدة»، بينهم عبد النبي. بعد لقائه بصالح، وافق عبد النبي، حسبما تفيد أقاويل، على مساندة الرئيس في قتاله ضد المتمردين الشيعة في الشمال والانفصاليين بالجنوب. وعليه، أطلق سراحه العام الماضي في إطار عفو عام صدر بحق قرابة 175 مسلحا إسلاميا، ينتمي الكثيرون منهم إلى رجاله. وعاد إلى أبين لإعادة بناء صفوف جماعته التي أصبحت الآن على صلة بتنظيم القاعدة، ودعا إلى إقامة دولة إسلامية بجنوب اليمن.


وقال بينما أخذ يتحسس لحيته «أتفق مع جورج بوش في أمر واحد، لقد قدم إلينا قولا حكيما حقا حين قال: إما أن تكون معنا أو ضدنا.. فأنت إما مع الإسلام أو مع الصليبيين. وأنا أخبر رجال الدين المسلمين بشتى أرجاء العالم أنكم إما مع لواء المجاهدين والله أكبر أو أنكم مع لواء الصليب.. ليس هناك من خيار آخر».
من بين المشكلات التي يجابهها عبد النبي الآن، حسبما ذكر، ما يتعلق بالأجيال الأصغر من الجهاديين، فعندما يحاول الجهاديون إضفاء طابع معتدل على مواقفهم، غالبا ما ينشق الأتباع من المجاهدين الصغار ويشكلون جماعات أكثر راديكالية. وعليه، نجد أن كل جيل أكثر راديكالية من سابقه.


وقال «الشباب (الإسلاميون الشباب) جزء من الوضع الإسلامي بأفغانستان والصومال ونيجيريا والعراق، والجهاد واجب ديني مثل الصيام. لكن المشكلة تكمن في أن معظمهم رغم كونه جهاديا بحق وحسن النية، فإنهم يفتقرون إلى المعرفة».


كنت أجلس مع فيصل بمنزله في جعار عندما جاءت رسالة تفيد بأن قائدا شابا يدعى جمال على صلة بـ«القاعدة» في اليمن، وافق على لقائي.
وجاء مراهق نحيف الجسد ليدلني على الطريق. وبالفعل، سرنا وراءه عبر أزقة قذرة بين صفوف من المنازل المصنوعة من رماد الفحم. وانسحقت تحت أقدامنا. عبوات بلاستيكية وقطع من الزجاج المكسور. وخرج من إحدى النوافذ شعاع فضي صادر عن جهاز تلفزيون، بينما شرع كلبان في مطاردة بعضهما بعضا حتى بلغا ناصية واشتبكا معا في قتال عنيف.


دخلنا واحدة من الأكواخ الخرسانية، التي أضيئت بمصباح أحمر صغير. كانت هناك غرفتان، إحداهما قرب المدخل يجري استخدامها كمطبخ ودورة مياه، والأخرى غرفة نوم مجهزة بأثاث جديد. وجلسنا على أرضية مغطاة بمشمع.
كان جمال في منتصف العشرينات من عمره، ذو وجه مستدير وشعر طويل مموج ونظارة أضفت عليه مظهر الطالب النجيب. وسألني من أنا؟، مكررا سؤالا طرحته عليه. وأضاف «أنا مجاهد. عادة ما يكون للشباب أحلامهم وطموحاتهم في الحياة، وأنا طموحي الموت أثناء القتال في سبيل الله».
وأضاف أن الجهاد أصبح حياته، مشيرا إلى أنه يقاتل من يثير سخط الله، مثل «السكارى والمرتدين ومن توقفوا عن اتباع تعاليم دين الله».


تحول جمال إلى «جهادي» مقاتل منذ ست سنوات، وتعرض للسجن مرتين، وأطلق سراحه في كل مرة بعفو رئاسي. الآن، أصبح هاربا من جديد، حيث أوضح أن «مدير الأمن اتهمنا بزرع عبوة ناسفة أمام منزله».
والتساؤل الذي يفرض نفسه: كيف تمكن شاب يعيش في مدينة صغيرة فقيرة لا يسمع عنها أحد بجنوب دولة فقيرة، ولم يسبق له الانتقال إلى أبعد من العاصمة، من التحول إلى تهديد، ليس للحكومة اليمنية فحسب، وإنما للعالم بوجه عام. وقال: «هناك الكثير للغاية من المآسي العربية، بالعراق والشيشان وأفغانستان وفلسطين، مما يحفز لدينا الرغبة في القتال في سبيل الله».


قال «بدأنا على النحو التالي (عام 2003) بعد اندلاع حرب العراق، تحولت جعار إلى مركز كبير للتدريب للسعوديين المتوجهين للعراق. وعلى خلاف الحال مع اليمنيين، افتقر السعوديون إلى الخبرة في القتال. لقد كانوا شديدي التدين ويتمتعون بوفرة في المال، لكنهم كانوا جاهلين لكيفية إطلاق النار. وعليه، شرعنا في تدريبهم ـ فكما تعلم نتعلم نحن اليمنيين كيفية إطلاق النار منذ الطفولة ـ ثم جرى تنظيم حلقة كاملة لإرسالهم إلى العراق عبر سورية».


وعلمت الحكومة اليمنية بشأن معسكرات التدريب الجهادية، حسبما ذكر جمال، ولم يكن لديها الرئيس اليمني اعتراض عليها طالما أنهم لا يقاتلون داخل اليمن. وقال «أخبرنا أن نتوجه للعراق، لكن من دون أن نعود لهنا ونخلق مشكلات له». في شتاء 2005/2006، بدأ العالم يلحظ تدفق الجهاديين على العراق، وشرع الأميركيون في الضغط على سورية واليمن والسعودية لوقف تدفق المسلحين.
وعن هذا، أشار جمال إلى أنه «كشفت الحكومة النقاب عن الجماعة، وبدأت في إلقاء القبض على الأفراد لدى وصولهم الحدود. وبدأنا ندخل في صدام مع الحكومة وقتلنا بعض قوات الأمن».
عام 2006، ألقي القبض على جمال، الأمر الذي أدى إلى اللقاء الأول من سلسلة اجتماعات مع صالح. وافق الأخير على إطلاق سراح سجناء مقابل وعد منهم بوقف نشاطهم. وبعد ثلاثة أيام، أطلق سراح جمال، لكن الثقة بينه وبين النظام لم تدم طويلا.


وقال «مارسوا ضغوطا مكثفة علينا. وخضعت للمراقبة. وبمجرد خروجي من منزلي كنت أجد جاسوسا حكوميا بانتظاري. ولدى عودتي، أجد اثنين منهم. وعليه، شرعنا في تغيير إجراءاتنا». عندما ألقت الحكومة القبض على بعض «الجهاديين»، اندلعت أعمال القتال مجددا. وأشار جمال إلى أنه «قاتلنا ضدهم مجددا، ومضينا في القتال حتى أطلق سراح جميع إخواننا».


وأعقبت ذلك دورة من إجراءات إلقاء القبض وعقد الصفقات، مما أدى إلى تفاقم قوة وغضب الجهاديين. في بعض الأحيان، كانوا يتلقون وعودا بالحصول على تعويضات من الرئيس، لكن لدى توجههم لصنعاء لجمع المال، كانوا يتعرضون لمماطلة من قبل الحكومة. ومع مرور أسابيع على هذا الوضع، كانت الصدامات تندلع مجددا. وذكر جمال أنه «قبل اجتماعنا الأخير مع الرئيس عام 2009، سقطت جعار تحت سيطرتنا. بحلول ذلك الوقت، توقف إخواننا عن الذهاب للعراق، وقالوا إنه لو لم يلق القبض عليهم في طريقهم نحو العراق، سيتعرضون إما لإلقاء القبض عليهم من جانب الأميركيين أو تعرضهم للتعذيب على يد (الحكومة العراقية) الشيعة. وعليه، رأوا أن يبقوا ويقاتلوا هنا. وبذلك، دخلنا جعار، وسقطت المدينة بأيدينا. كنا أكثر من 40 رجلا، وغادرت قوات الشرطة والجيش المدينة، وتعالت صيحاتنا (الله أكبر)، وزرعنا ألغاما ومتفجرات بالشوارع. وللمرة الأولى، عدنا لمنازلنا ونمنا في فراشنا، ولم نعد فارين. لقد تولينا مسؤولية الأمن في جعار وفرضنا بها الشريعة».


أثناء حديثنا، انطلق فأر صغير يجري بين أقدامنا. وبعد اصطدامه بأحد الأقدام، سارع إلى الاختباء أسفل الفراش.
اللافت أنه حتى هذا القائد الشاب جابه صعوبة في التعامل مع جيل الراديكاليين اللاحق له.
وقال «لقد تعرضنا للخيانة على أيدي أبناء جعار . عندما كنا نختبئ بالجبال، اعتاد بعض الصبية من المدينة القدوم إلينا وجلب طعام وملابس. ودربنا هؤلاء الصبية على كيفية استخدام الأسلحة وتشغيل المتفجرات وبناء دوائر كهربية. كانوا صبية صغارا. ودربناهم على كيفية الهجوم وكيفية الاختباء خلف جدار» وأمسك أثناء حديثه بسلاح خيالي وأخذ يحركه بيديه يمينا ويسارا بينما يجلس القرفصاء على الأرض. وأضاف «هؤلاء الصبية بدأوا ينهبون ويضربون الناس. ودمروا المدينة».
وتحولت نبرة صوته إلى مزيج من اللوم والندم، وقال «بسبب الصغار، أخفقنا في حكم المدينة، واضطررنا للرحيل والعودة إلى الجبال».


وبذلك يتضح أنه حتى لجمال، الذي يمثل جيل ما بعد حرب العراق، هناك جيل آخر من خلفه لا يدري أي الممتلكات الحكومية عليه نهبها وأيها عليه الإحجام عن مهاجمتها، وهو جيل يعتقد جمال أنه صعب المراس.
وسألت جمال حول ما إذا كان يعتبر نفسه جزءا من تنظيم «القاعدة» باليمن، فأجاب «جميعنا مرتبطون ببعضنا بعضا، فجميع «الجهاديين» (على صلة ببعضهم بعضا)، ثم مد ذراعيه وأشار باتجاه ثلاثتنا قائلا «أحدنا القاعدة»، مشيرا إلى نفسه، «والآخر يحميه»، مشيرا إلي «والآخر يوفر الدعم اللوجيستي»، مشيرا إلى المراهق الذي قادني إليه.


وقال «الاثنان»، في إشارة إلينا «لا يعلمان سوى عضو (القاعدة) الذي يتصلان به، وهذا العضو (مشيرا لنفسه) سيكون الشخص الوحيد بهذه الجماعة الذي يعرف القيادة».
وأوضح أن ما منحته إياه «القاعدة» هو التنظيم. وأضاف «قبل وصول الوحيشي (زعيم تنظيم القاعدة بشبه جزيرة العرب) والريمي (قائد جناح التنظيم المسلح) هنا، كنا في حالة فوضوية، وكنا نقاتل الحكومة متى شئنا. الآن، لا نتحرك إلا بعد صدور أوامر لنا بذلك».


أثناء طريق العودة عبر شوارع خالية مظلمة، سألت الصبي المراهق حول كيف ينظر الشباب إلى الأشخاص أمثال جمال، فأجابني «إنه أشبه ببطل لنا جميعا، ونرغب في أن نكون مثله». وعندما استفسرت منه عن السبب، رد قائلا «لأنه يدافع عن قومه، ولا يسمح للحكومة بأن تفعل ما يحلو لها».


عندما التقيت نائب المحافظ مجددا، سألته عن الاجتماعات التي عقدها الرئيس مع جهاديين والأموال التي وعدهم بها، فرد بقوله «ترغب السلطات في احتواء هؤلاء الرجال. إنهم يقطعون الطرق ويهاجمون نقاط التفتيش التابعة للجيش ويجمعون إتاوات من أصحاب المتاجر. هذا الوضع ليس وضعا قانونيا، وإنما يقوم على شراء الأفراد. لقد حاولت السلطات معاملة الجهاديين و(القاعدة) على النحو الذي تعامل به القبائل، حيث قدمت لهم أموال كي يبقوا من دون نشاط واضح».


وأضاف «عليك أن تتفهم أن الحملة العسكرية ستتكلف كثيرا من المال من أجل الجنود والمركبات والسجون والقضايا أمام المحاكم. وعليه تقول الدولة لماذا يتعين علي دفع ثلاثة ملايين لمحاربتهم بينما بمقدوري دفع مليون واحد لتهدئتهم وتجنب شرهم؟ لكن الجهاديين يحصلون على المال، ويشترون أسلحة ويزدادون قوة. والآن، يساور الندم الدولة تجاه هذه السياسة وتعمد إلى تغييرها». وأضاف أنه إلى حد ما، حاولت الدولة شراء هدنة، لكن هذه الجهود أسيئت إدارتها.


داخل منزل فيصل، سألته عن رأيه في محاولة الحكومة شن إجراء صارمة ضد «القاعدة»، فقال «لا تصدق الحكومة عندما تزعم أنها تقاتل الجهاديين. إنها تمدهم بالمال، وتتفاوض معهم وتستغلهم في قتال أعدائهم، وتطلب من الأميركيين أن يمنحونا المال حتى نتمكن من قتل (القاعدة)». ثم أغلق عينيه وقال: «الأمر أشبه بمهزلة».


* خدمة «غارديان ميديا» خاص بـ«الشرق الأوسط»
*الصورة: النيجيري عمر فاروق عبد المطلب خلال تدربه في معسكرات «القاعدة» باليمن

آخر تحديث الخميس, 02 سبتمبر 2010 14:45