باشراحيل.. الرجل الذي لا يهزم -بقلم : احمد الربيزي طباعة
مقالات - مقالات عامة
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
الأربعاء, 28 يوليو 2010 06:21

بسم الله الرحمن الرحيم
 
ربما لم يعلم الوالد الأستاذ هشام باشراحيل ناشر صحيفة الجنوب الأولى "الأيام" العدنية وقع كلماته على نفسي حينما قابلته لأول مرة وأنا الشاب المتحمس بشدة والرافض بقوة لما يجري على شعبنا في الجنوب المحتل منذ اجتياح الجنوب واحتلاله في 7/ 7 / 94م المشئومة.


 
كان ذلك الموقف في عام 2003م ولا أعتقد أن أستاذي (أبو باشا) يتذكره وهو حدث طبيعي بالنسبة له ولموقعه المرموق في المجتمع الجنوبي كشخصية اجتماعية لها وزنها وكرجل مناضل ورئيس تحرير أهم صحيفة وأكثر صحيفة انتشاراً في اليمن وفي الجنوب ومن موقعه هذا يقابل كل يوم الكثير والكثير من الشخصيات الجنوبية وغير الجنوبية ولذلك لا يعنيه هذا بقدر ما شكل عندي حينها وإلى اليوم لحظة تاريخية مهمة في حياتي كان لها أثر كبير علي ويومها لا أدري الحقيقة ما جعله يشد على يدي بقوة وبحماسة في ذلك اليوم عندما ذكروا له اسمي وأن خالي (سالم الجعري) وقال لي بكل ثقة وهو يتحدث عن الفاسدين: "سأكون عظمة في حلوق الفاسدين .. ولن تخضع "الأيام" ولا ناشروها لضغوطاتهم ولن يشتروا مواقفها ولن نركع لهم ولو اضطررنا إلى توقيفها طالما ونحن مع هذا الشعب العظيم ونوقف مع الحق .. وربنا كبير.." عند ما سمعت ذلك الكلام وغيره  لم أتمالك نفسي فوجدتني أمسك رأسه الشامخ بكلتا يداي وأضع قبلة عليه بدون شعور.
 
هذه الصورة التي حملتها للوالد الأستاذ هشام باشراحيل عززتها معرفتي لمواقفه التي أبدأها في كثير من القضايا التي شهدنها مدينتنا عدن وشهدها الجنوب ككل.
 
تكررت زياراتي للأيام ولمقيلها ومنتداها وكنت أنظر يإعجاب إلى هذا الشامخ الذي لم يهزه جبروت سلطة النظام وهمجيتها وحربها الضروس على الصحيفة وناشريها  منذ عودتها إلى موقعها الطبيعي في صدر الأحداث و في قلوب الناس فصار "أبو باشا" لي ولكثير من أبناء الجنوب من الشباب المتحمسين للحرية  بصموده وشموخه ووقوفه مناصراً للحق رمزاً نحتذي به في مسيرتنا نحو التحرر وفي وقوفنا مع الحق ومع الناس المستضعفين في كل مكان.
 
دارت الأيام ومضت الأحداث حثيثة في مسار ثورة الجنوب السلمية واشتدت الهجمات الوحشية على أهلنا وناسنا وقمعت الاعتصامات والمظاهرات السلمية ولأنه من واجب الصحافة المهنية أن تنقل الأحداث كما هي دون تدخل من أياً كان مهما كان موقعه, ولأن "الأيام" وناشروها هشام وتمام باشراحيل تحترم مهنيتها وتضع حرية الكلمة والرأي ومصداقيتها وواجباتها الإنسانية والوطنية فوق كل اعتبار فمن هنا لا بد لها أن تنقل الأحداث كما هي وبذلك صارت تعري هذا النظام القمعي الوحشي المتخلف وتظهر جرائمه ضد الإنسانية وهذا ما لا يرضي هذا النظام (التسولقراطي) وهو الذي يتسول بالديمقراطية ويروج لتلميع وجهه القبيح بآلته الإعلامية الكبيرة التي يرصد لها ميزانيات ضخمة ومع ذلك لم تستطع هذه الآلة الصمود أمام قوة الحق والحقيقة التي تمثلها "الأيام" فعمدت سلطة نظام  القمع إلى هجماتها الشرسة على الصحيفة وعلى الجنوب وشعب الجنوب وإعلام الجنوب في النصف الثاني من شهر مارس 2009م بدءاً بمصادرة أعداد من الصحيفة متزامناً مع الهجوم الشرس على مناطق ردفان ومن ثم توقيف "الأيام" ومهاجمتها عسكرياً وقتل حراسها في 14مايو 2009م وكانت هذه السلطة قبلها قد اعتقلت مجموعة من الإعلاميين الجنوبيين وحجبت كل  المواقع الجنوبية في الشبكة العنكبوتية ودمرت  مواقع "المكلا برس" و"شيوة برس" و"شبكة شبوة برس" و "شبكة خليج عدن" بالإضافة إلى توقيف صحيفة "الوطني" ومطاردة واعتقال الكثير من الإعلاميين والصحفيين وتوقيف ومحاكمة بعض الصحف اليمنية ومنها صحفية "النداء" ومحاكمة الأستاذ المناضل سامي غالب  والأستاذ  نائف حسان وغيرهم.
 
ومازلت أتذكر في معتقلات الأمن السياسي وفي أثناء التحقيق معي  قال لي أحد المحققين: "إحمد الله أنك معتقل لدينا فلو كنت عند باب الأيام لقتلت" فقلت له : ماذا حصل للأيام فقال لي : (معركة) وكان يعني  الهجوم العسكري الأول على "الأيام" 14 / مايو, وبعد أكثر من عام وبعد خروجنا من المعتقلات قمنا بزيارة الأيام لعدة مرات ولم نستطع مقابلة استأذنا "أبو ياشا" لمرضه الشديد وكنت أتمنى رؤية هذا الرمز الجنوبي الشامخ خاصة بعد الهجوم العنيف  الثاني الذي شنته قوات السلطة القمعية الوحشية في بداية يناير المنصرم بمختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة ومن ثم  اعتقال ومحاكمة أستاذنا  هشام باشراحيل وولديه ومجموعة المتضامنين  ومن عمال وموزعي الصحيفة وكنت متأكداً في ذات نفسي أن هذا الشخص لا يمكن أن تؤثر فيه وفي عزيمته تلك الأحداث رغم جسامتها ورغم المرض الذي يعانيه وقد تأكد لي ذلك فعلا في   26 / 7 / 2010م  ونحن نودعه مغادراً إلى المملكة العربية السعودية بمعية حرمه وولده المحرر الرياضي هاني باشراحيل  فبرغم أن أولادة يسندوه بالإضافة إلى عصاه التي يتوكأ عليها إلا أن هيئته التي تنم عن قوته وعزيمته الظاهرة على قسمات وجهه تشير إلى أن هذا الرجل كما عرفته منذ سنوات وكما أتخيله دائما رجل لا يهزم ولا تلين له عزيمة ـ ما شاء الله ربنا يحفظه ـ  وقد فاضت عيناي حقيقة بما لا أحب عندما سلمنا عليه أنا وسعادة السفير قاسم عسكر والدكتور يحيى الجوبعي وقال لنا في حسرة : "أحرمونا هذه الأوجه الطيبة التي اشتقنا إليها"
 
الله لا يحرمنا من رؤية وجهك البشوش يا والدنا ويا أستاذنا هشام باشراحيل ونرجو من الله الشافي الكافي أن يعجل في شفائك  وتعود إلى بلدك ومدينتك التي أحبتك وأحببتها وناسك وشعبك الذين يقدرون مواقفك الشجاعة.
 
 
بقلم / أحمد الربيزي
ناشط حقوقي وإعلامي 
آخر تحديث الأربعاء, 28 يوليو 2010 06:33