القرآن الكريم - الرئيسية -الناشر -دستور المنتدى -صبر للدراسات -المنتديات -صبر-صبرفي اليوتيوب -سجل الزوار -من نحن - الاتصال بنا -دليل المواقع -
ملخص من كتاب الأزمة اليمنية مظهر حديث لأرث تاريخي قديم 1995م صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
ثقافة وادب - الكتب و المكتبات
نشرها صبرنيوز - SBR NEWS   
الجمعة, 11 أغسطس 2006 19:21
للأستاذ محمد عبد الله حسن الجفري

حصاد الفترة الانتقالية : المظاهر الرئيسة للهجمة ضد الحزب الاشتراكي

1. ظهر من أول يوم بدأت فيه الحكومة الانتقالية أعمالها أن جميع المسؤولين المعينين من قبل المؤتمر لديهم مهمة واحدة هي تعويق نشاط الحكومة وإحداث شلل تام في أجهزتها وذلك لتعطيل الوظائف الحيوية للدولة وأهمها ترسيخ الأمن والنظام والانضباط وسيادة القانون واستقرار الحياة المعيشية للناس والتخلص من الفوضى والفساد العام .
كما قصد بهذا التعويق اليومي منع الحكومة من إنجاز مهام المرحلة الانتقالية ( عدا ما اتفق عليه الشريكان على تأجيل النظر فيه ) وكان مما صدم الاشتراكيين مظاهر التسيب والعصيان وترحيل عمل اليوم إلى العام القادم والحيلولة دون تطبيق قاعدة الجزاء والعقاب .

هذا أول مؤشر للحزب الاشتراكي على وقوعه في الفخ ذلك لأن العاصمة هي صنعاء المدينة التي تحولت في عهد الرئيس إلى أكبر قلعة عسكرية وكانت مسرحاً لكثير من الأحداث والمؤشرات الدالة على بروز ظاهرة الاستقواء وما يترتب عليها.

2.  إدارة البلاد بنفس نظام الجمهورية العربية اليمنية ويشمل ذلك خضوع مجمل حركة الأجهزة الحكومية لإرادة وقرار الرئيس وهو المتصرف الأول والأخير في المال العام وتصريف الأعمال والمعاملات على قاعدة الفساد والإفساد وشيوع الفوضى وعدم الانضباط واعتبار الوظائف الحيوية الخدماتية للدولة خارج دائرة الاهتمام .
ويقول الاشتراكيون أنهم اتفقوا على إقامة الجمهورية اليمنية ( جمهورية الوحدة ) والعمل بنظام جديد غير النظامين السابقين في الشطرين .

كما اتفقوا على الأخذ بأفضل ما في النظامين كمرحلة أولى ريثما يتم إرساء النظام الجديد واستكمال حلقاته.
وليس هناك أشد إحباطاً من أن يجد المرء نفسه مخدوعاً ومجبراً على السير بمقتضى نهج اتفق على التخلي عنه .

وهذا ثاني مؤشر على وقوع الحزب الاشتراكي في الفخ .

3.  قيام جبهة تطالب بتعديل الدستور وتحقيق انسجام نصوصه مع الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع تزعمها الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر وضمت 18 حزباً معارضاً .

وبدأ التحرك الرئيسي بانتقاد الدستور وإظهار مثالبه والدعوة إلى تصحيحه وإحكام صياغته .

وركزت رموز التيارات الإسلامية حملتها على المثالب وربط وجودها بالاتجاه الإلحادي وكأنها تشير بأصابع الاتهام إلى الحزب الاشتراكي فقط وتغفل أن إخراج هذا الدستور التوفيقي كان عملاً مشتركاً بين الاشتراكي والمؤتمر.

4.  تزايد التركيز الإعلامي ضد الحزب الاشتراكي .

5.  المظاهر المسلحة السائدة في الشمال . فمشائخ القبائل حيثما ساروا ترافقهم حراسات خاصة قد تصل إلى طقمين أو أكثر وعليها أفراد مسلحون.

وكثير من المواطنين يحملون السلاح . وقد حاول الحزب الاشتراكي القضاء على هذه الظاهرة أو الحد منها من خلال تقديم مشروع لتنظيم حمل السلاح بين المواطنين تمهيداً لإلغائه في مرحلة لاحقة .

فانتشار حمل السلاح يعيق إقرار النظام والقانون ويساعد على انتشار العدوان والجريمة من خلال تحكيم الهوى والاستجابة الطائشة للانفعالات .

6.  انتقال الفوضى واضطراب الأمن والفساد الإداري إلى الجنوب واضمحلال الوظائف الخدماتية الحيوية والضوابط التي كانت سائدة في الجنوب قبل الاتفاق على الوحدة . وفي ذلك مؤشر على نسف هيبة الحزب الاشتراكي .

7.  إحياء المظاهر القبلية في الجنوب مرة أخرى وتزعم هذا الاتجاه الشيخ عبد الله بن حسين
الأحمر وتم توزيع الأموال بمئات الملايين والسلاح والذخيرة بعشرات الألوف . ولاشك أن هذا العمل ينطوي على تقويض أركان الأمن والاستقرار وتمايز الناس إلى فئتين :

فئة قبلية بدأت تمثل ظاهرة الاستقواء وفئة مدنية مغلوبة على أمرها . ويرمي ذلك إلى منع الحزب الاشتراكي من فرض الأمن والنظام والقانون وإقامة جبهة مسلحة لمقاومته داخل الجنوب .

8.  ظهور ممارسات ومؤشرات تؤكد هيمنة العسكر والقبيلة على العباد والبلاد. وهي هيمنة  لا تختلف في جوهرها عن هيمنة الأفيال في العهد الحميري  ذلك لأن أثر الدولة النسبي محصور في المدن الرئيسية في الشمال أما باقي المنطقة الشمالية فمحكومة بالقبيلة،حتى في المدن يفعل كبار العسكريين ما يفعله الأفيال في غابر الزمان.

9.  استقطاب المؤتمر الشعبي العام لرموز جنوبية مشردة وضمهم إلى اللجنة الدائمة و اللجنة العامة, و منهم من له حساب طويل و مرير مع الحزب الاشتراكي.

10.  محاولة استمالة بعض القياديين في الحزب الاشتراكي بأساليب الفساد و الإفساد و بالوعود كما حدث للذين استقالوا استقالة جماعية من الحزب الاشتراكي في إب.

11.   ظهور مؤشرات واضحة تؤكد أن كل ما يجري يسير على فهم إقامة الوحدة بالإلحاق و تشتيت مراكز القوى الجنوبية و رموزها الصلبة و تحقيق قياديو الحزب الاشتراكي أن وجودهم في صنعاء لا يخرج عن حالة الرهائن.
12.   ظهور مسلسل الاغتيالات و محاولات الاغتيالات لقياديين و أعضاء اشتراكيين و تتويج ذلك قرب نهاية الفترة الانتقالية بقصف منازل أعضاء القيادة العليا في الحزب الاشتراكي و دولة الوحدة, إذ قصف منزل المهندس حيدر أبو بكر العطاس رئيس الوزراء في دولة الوحدة و عضو المكتب السياسي في الحزب الاشتراكي كما قصفت غرفة نوم الأستاذ ياسين سعيد نعمان رئيس البرلمان في دولة الوحدة و عضو المكتب السياسي في الحزب الاشتراكي. و عندما يقصف منزلا رأس السلطة التشريعية و رأس السلطة التنفيذية فقد بلغ تحدي الأقيال العسكرية و القبلية لأي مشروع حضاري منتهاه.

13.   التلاعب في تقسيم الدوائر و في الإحصاء السكاني و في المال العام و أموال التجار و اتخاذ تدابير خطيرة انطوت على التحايل و الغش و التهديد و الترغيب و التشتـيـت و ذلـك لأغراض السيطرة على الانتخابات العامة و نتائجها, الأمر الذي نبه الحزب الاشتراكي إلى أن تهميشه و إقرار صيغة الوحدة الإلحاقية سوف يتحققان تحت قناع "الشرعية الدستورية".

14.   المظاهرات الشعبية التي بدأت في 9/12/1992م في مدينة تعز حول مطالب مشروعة و انتشرت إلى مدن شمالية أخرى و استمرت إلى 11/12/1992م تميزت بالعنف و النهب من الجانبين (عامة الناس و "عسكر" الدولة) و سقط الجرحى بالمئات و القتلى بالعشرات.
و اتهمت مصادر المؤتمر الحزب الاشتراكي بتحريكها ضد دولة الوحدة كما اتهمت أهالي تعز بالمناطقية و هي تهمة يلوح بها حكام صنعاء في وجه المستضعفين كلما طالبوا بتحسين الأحوال و شروط البقاء المحترم. كما اتهم الحزب الاشتراكي دوائر المؤتمر بتدبير المظاهرات.

 و لكن أخطر التطورات كان تدفق عشرات الألوف من قبائل حاشد إلى صنعاء مع منع القبائل الأخرى من دخولها, الأمر الذي يؤكد هوية النظام الشمالي القبلية و أنها الأساس في الملمات.


تدهور الحال في الجنوب:

لقد كان إقبال الشعب في الجنوب على الوحدة يفوق التصور. كان كالغريق الذي قذف إليه طوق النجاة.

كان يتوق إلى الخلاص من السعي العقيم في دائرة مغلقة. كان يعيش عيشة متواضعة آمنة في ظل دولة النظام و القانون, دخله محدود و يستلم راتبه آخر كل شهر فيقوم بشراء ما يحتاجه من السلع الغذائية و سلع أخرى محدودة بأسعار ثابتة و لا يكاد يوفر شيئاً. و إذا مرض ذهب إلى عيادة أو مستشفى حكومي حيث يتم علاجه في سهولة و يسر في أغلب  الأحوال.

ثم استقبل العهد الوحدوي متفائلاً و متطلعاً بآماله العراض إلى الأمام, فإذا بالحال ينقـلب بعد شهور معدودة. انتقـلت ظاهرتا الفوضى و الفساد من الشمال إلى الجنوب واضطرب الأمن و تغيرت النفوس. و تدهورت العملة الوطنية فتدهورت قيمتها الشرائية و ارتفعت الأسعار أََضعافاً مضاعفة حتى أصبح راتب الشهر لا يوف حق أسبوع. و لم يعد يستلم راتبه آخر كل شهر بل ينتظر الشهرين و الثلاثة ثم لا يصرف له سوى راتب شهر واحد أو نصف شهر. فركبته الديون و حاصرته المفاقر و أظلمت الدنيا في وجهه. و فوق كل ذلك تعطلت أعمال البلدية و الصحة العامة فتراكمت النفايات و القاذورات و انتشرت الأمراض و الأوبئة و خـلت المستشفيات من الدواء و قماش التضميد و أدوات الجراحة و التعقيم و المحاقن.

و من آثار الغلو في المركزية أن وجد أصحاب القضايا و المنازعات و المعاملات أنه لا بد من سفرهم إلى صنعاء لحسم قضاياهم و منازعاتهم و إنجاز معاملاتهم. و عندما يصلون يتيهون في دهاليز الفساد الإداري و تستنزف أموالهم. فاكتملت سمات الجحيم في أرضه, و انتابته الوساوس و الأوهام و الحيرة. من أين جاء كل هذا البلاء؟ ما الجديد الذي جد في حياته و صيرها في الدرك الأسفل من البؤس و الضياع و قلة الحيلة ؟؟ فوجد أن كل مصائبه الجديدة توالت بعد قيام الوحدة. و الحقيقة أن سبب البلاء لم يكـن الوحدة ذاتها بل المفهوم الخاطئ للوحدة في أذهان المتحكمين في الوضع الوحدوي و بفعل الهاجس الشيطاني الذي ركب الرموز السياسية الشمالية, و لأنهم لم يتعودوا على تحمل هموم الشعب تركوا الحال يتدهور و راهنوا على كراهية الشعب للحزب الاشتراكي فخسروا الرهان وخسروا بسببه شعب الجنوب الذي تقاصرت آماله تحت وقع الصدمة الشديدة التي أحدثها تدهور الحال المتسارع, فأصبح المواطن المخذول يتمنى تلك العيشة المتواضعة الآمنة في ظل الحزب الاشتراكي.

فهل هذا ما أراده "جهابذة" السياسية و الحكم في الشمال؟
آخر تحديث الجمعة, 11 أغسطس 2006 19:21